تقرير: "سد النهضة".. مشروع إسرائيلي بيدٍ أثيوبية

profile
  • clock 28 سبتمبر 2021, 3:42:32 م
  • eye 825
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ نشوب الأزمة بين مصر وأثيوبيا حول إنشاء "سد النهضة" على نهر النيل، وجه مسؤولون مصريون أصابع الاتهام نحو إسرائيل مؤكدين أن لها يدًا خفية في الأزمة وأطماعًا تاريخية في الحصول على مياه النيل.

 

فقد حمّل الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إسرائيلَ مسؤولية تأزم مباحثات "سد النهضة" الأثيوبي الذي سماه "سد الخراب"، معتبرًا أنه خراب لدولتين عربيتين هما مصر والسودان.

واتهم البرلماني المصري ضياء الدين داوود، في بيان أصدره في شهر يوليو/ تموز الماضي، إسرائيلَ باستخدام أثيوبيا للضغط على مصر في استهداف أمنها المائي، وصولًا إلى "إسرائيل الكبرى من النيل للفرات". 

وفي ضوء هذه الاتهامات، سارعت إسرائيل عبر سفارتها في مصر إلى نفي ضلوعها في أزمة "سد النهضة"، مؤكدة أنها تقف على مسافة واحدة بين أطراف الأزمة.

لكن ثمة مؤشرات ودلائل تشير إلى وجود أطماع سابقة لإسرائيل في الحصول على مياه النيل، وحاليًا بات لديها مخطط لاستهداف الأمن المائي لمصر والسودان، ما يُعزز رواية ضلوعها في أزمة "سد النهضة" بين مصر وأثيوبيا، عبر تشجيع ومساعدة أثيوبيا على إتمامه.


أطماع إسرائيل ومشاريعها

لم تكن أطماع إسرائيل بمياه النيل وليدة اليوم، ولا تقتصر فقط على قضية "سد النهضة"، بل إن أطماعها قديمة قدم المشروع الصهيوني نفسه، فقد تنبه اليهود إلى أهمية المياه ودورها في تدعيم دولتهم وأمنها القومي منذ زمن بعيد.

وتعود أطماع إسرائيل في مياه النيل إلى ثيودور هرتزل، المؤسس الحقيقي للحركة الصهيونية في فلسطين، فقد زار مصر عام 1902 وقدم خلال زيارته مشروعًا مائيًا يهدف إلى إنشاء مستوطنة في سيناء تضم مليون مهاجر يهودي، ينقل إليها الماء عبر ترعة الإسماعيلية، بحيث تعبر المياه من خلال أنابيب من تحت قناة السويس، سيما وأن نهر النيل يشكل محورًا هامًا في الاستراتيجية الصهيونية للمياه حتى قبل قيام إسرائيل بوقت طويل. 

ولم تنتهِ مساعي إسرائيل للحصول على مياه النيل بفشل مشروع هرتزل، فقد طرح المهندس الإسرائيلي اليشع كالي عام 1978 مشروعًا يقضي بنقل 1% من مياه النيل إلى صحراء النقب.

 

وفي عام 1955 أعلن ديفد بن غوريون أن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل، وقال: "إذا لم ننجح في هذه المعركة فإننا لن نبقى في فلسطين"، وفق تعبيره.

ولم تتوقف أطماع إسرائيل عند مياه النيل فقط، وإنما توسعت لتشمل مياه نهر الأردن ونهر بانياس ونهر اليرموك ونهر الحاصباني، فالعمليات العسكرية الإسرائيلية على الحدود السورية-اللبنانية عامي 1964 و1965م كانت بسبب الأطماع الإسرائيلية في الحصول على مياه هذه الأنهار. 

وشنت إسرائيل عام 1982م حملة عسكرية على لبنان كان من أهدافها أطماعٌ في نهر الليطاني.

 

التواجد في أثيوبيا

سعت إسرائيل بكل قوتها إلى التحكم في الثروة المائية حتى وإن كان ذلك على حساب أمن جيرانها غير مكترثة باتفاقيات السلام التي تربطها معها، فاستراتيجية إسرائيل المائية تقوم على مبدأ "الأمن المائي".

وبحسب دراسة بعنوان " الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه دول حوض النيل" أعدها الباحث في جامعة الشرق الأوسط محمد الشامخ، أن إسرائيل أدركت أهمية اثيوبيا في القارة الإفريقية كتواجد مرتكزات استراتيجية فيها، وأصرت على بناء علاقات مع دول القارة الأفريقية، ومن أبرزها أثيوبيا ومع فشل مساعيها تسللت من خلال "الأعمال الخيرية".

 

بعد ذلك قدمت إسرائيل كافة أنواع الدعم السياسي والعسكري لأثيوبيا، لتتطور العلاقة شيئًا فشيئًا، حتى أصبحت أثيوبيا بمثابة العين لإسرائيل في القرن الأفريقي، وباتت ذات تأثير في المنطقة وتشكل تهديدًا للدول العربية والإسلامية وأهمها مصر والسودان من خلال قطع مياه النيل عنها.

 

شركات إسرائيل في أثيوبيا

بعد أن أدركت إسرائيل أهمية أثيوبيا كدولة منبع لنهر النيل، ركزت جهودها في دعم برامج بناء السدود والمياه، والتقنيات الزراعية، وأنشأت عددًا من الشركات في أثيوبيا، أبرزها الشركة الإسرائيلية المائية، التي تقوم بمشروعات أعمال ري في أثيوبيا لحساب البنك الدولي، ويقع على عاتقها تنفيذ المشاريع المائية في أثيوبيا. 

وأنشأت كذلك شركة "الدا" التجارية، وهي متخصصة في بيع الآلات الزراعية ومعدات الري والبذور وتربية الدواجن وصناعة المبيدات ومستحضرات الطب البيطري، كما أنشأت شركة "سوليل بونيه" والتي تقوم بتطوير مصادر المياه، وساهمت في بناء خزانات على بحيرة تانا.

 

وكشفت دراسة أخرى نُشرت في مجلة "ديالى" العراقية عام 2019 بعنوان: "التدخلات الدولية وأثرها على الأمن المائي في مصر والسودان"، أن إسرائيل تعاونت مع الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا المائية، فضلًا عن توليها القيام بمشروعات في أثيوبيا لحساب البنك الدولي تُمثل تنفيذ 40 مشروعًا مائيًا على النيل الأزرق، وتتضمن إنشاء 26 سدًا لري 400 ألف هكتار وإنتاج 38 مليار كيلوواط، وتستلزم هذه المشروعات 80 مليار م3 سنويًا من الماء تأتي على حساب السودان، وفق الدراسة. 

وقد حاولت إسرائيل التدخل لدى البنك الدولي لتمويل هذا المشروع على أن يتولى الخبراء الإسرائيليون وضع الدراسات الفنية والإشراف على التنفيذ، إلا أن البنك الدولي رفض المشروع بسبب تكلفته العالية بالنسبة لإمكانات أثيوبيا الاقتصادية، فتحولت الأخيرة إلى البنك الأفريقي للتنمية الذي وافق مشترطًا موافقة دول المصب.

ولفتت الدراسة إلى أن هذا التعاون كان تتويجًا لتآمر سري بين إسرائيل وإثيوبيا، حيث قدمت إسرائيل القنابل العنقودية وطائرات "كفير" للجيش الأثيوبي مقابل سماح السلطات الأثيوبية باستئناف هجرة يهود "الفلاشا" إلى إسرائيل.

 

دعم إسرائيل لإقامة السدود

في إطار سعيها للسيطرة على مياه النيل، قدمت إسرائيل الدعم المادي واللوجستي لأثيوبيا التي ينبع من أراضيها الرافد الأكبر لنهر النيل.

وأوضحت الدراسة التي أعدها الباحث محمد الشامخ في جامعة الشرق الأوسط، أن إسرائيل قامت بدعم خمسة سدود في منطقة البحيرات العظمى (التي تتكون من ست دول هي: بوروندي، جمهورية الكنغو، كينيا، رواندا، تنزانيا، ويوغندا.

 

وقامت في بداية التسعينيات من القرن الماضي بمساعدة أثيوبيا في بناء سد "فينيشا"، وفي عام 2009 استأنفت إسرائيل العمل في بناء سد "مكالي" بإقليم التيجراي والذي تقوم بتمويله شركة "بيرفاكينكو" الأثيوبية والتي تملكها إسرائيل بالمشاركة مع شركة أثيوبية أخرى، وفق الدراسة.

 

لإسرائيل التأمين والتشغيل

من جهتها، كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن شركة "تاهال" الإسرائيلية قامت بإجراء دراسات على التربة في أثيوبيا للبحث في إمكانية بناء ثلاثة سدود بالقرب من بحيرة تانا ونهر آباي أحد روافد نهر النيل. 

وقالت الصحيفة: إن إنشاء السدود الثلاثة سيؤمن لأثيوبيا القدرة على التحكم في مياه النيل.

وعملت السفارة الأثيوبية في إسرائيل على طرح سندات للشركات الإسرائيلية من أجل المشاركة بتمويل سد النهضة، ووقعت أثيوبيا مع شركة إسرائيلية من أجل إدارة الكهرباء المولدة من السد، وبالتالي فإن إسرائيل ستتحكم بالكهرباء المتولدة من السد.

 

وكشفت الدراسة الصادرة عن جامعة "الشرق الأوسط" آنفة الذكر، أن إحدى شركات الأمن الإسرائيلية تتولى أعمال حماية سد النهضة، وقد أمدت إسرائيل أثيوبيا بمعدات عسكرية حديثة لحمايته. 

ويُستنتج من ذلك أن إسرائيل لا تكتفي بالدعم اللوجستي لسد النهضة، وإنما تقوم بتقديم الدعم المادي لإنشاء السد.

 

الهدف ابتزاز مصر وليس التنمية

بدوره كشف الدكتور علي محمد عبد الله في كتابه "نهر النيل بين سد الألفية ونهر الكونغو- الازمات وحلولها"، أن سد النهضة ليس سدًا واحدًا، بل سدان منفصلان.

وأوضح أن السد الرئيسي يحجز خلفه 14 مليار متر مكعب من المياه فقط، وهو ما يمكن لمصر أن توافق عليه، ولكن التطلع الأثيوبي والتخطيط الإسرائيلي اتفقا على أهمية زيادة ارتفاع هذا السد ليحجز المزيد من المياه، فوجدا أن هناك جبلين قريبين من السد بينهما مسافة يمكن أن تتسبب في هروب المياه من خلالها عبر مسار بديل لتعود إلى النيل الأزرق مرة أخرى.

 

وبالتالي توصلا إلى أن بناء سد مكمل بين هذين الجبلين يوقف هذا المسار، ويستطيع أن يحجز خلفه نحو 60 مليار م³ من المياه، وبذلك نجد لأول مرة في تاريخ السدود في العالم أن السد الفرعي أكبر بأربعة أضعاف حجم وسعة السد الرئيسي، بما يوضح أن الهدف هو السيطرة على مقدرات الأمور في مصر، وليس توليد الكهرباء، ولا تخزين المياه فقط. 

وجاء في الكتاب أيضًا، أن الشيء المذهل في تصميم هذا السد أنه لا يحتوي على أي مسار بديل يسمح لمياه النهر بالتدفق عبر النيل الازرق إلى مصر والسودان إلا بعد أن تمتلئ البحيرة بأقصى سعة لها، والمقدرة ب74 مليار م³، وبالتالي فإنه وفور الانتهاء من بناء هذا السد الأثيوبي فلابد أن تمتلئ البحيرة بالمياه أولاً قبل أن تتدفق إلى السودان ومصر، ولا توجد أي وسيلة لصرف المياه من السد قبل ذلك، بما يعكس أن مصر قد تظل لعامين متتالين دون وصول نقطة مياه واحدة إليها حتى تمتلئ البحيرة.


ابتزاز مصر

أكدت الدراسة التي نُشرت في مجلة "ديالى" العراقية التي أشرنا إليها سابقًا، أن إسرائيل تسعى من خلال تعاونها مع أثيوبيا إلى السيطرة على منابع نهر النيل، وبالتالي الضغط على السودان ومصر من خلال تهديد أمنهم المائي، وذلك لحمل مصر على الانصياع أكثر فأكثر لشروط إسرائيل للسلام ودفعها لتقديم المزيد من التنازل بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي، وبات مفتاح حل مشكلة المياه في مصر بيد إسرائيل وهو ما تحدث عنه علانية الدبلوماسي المصري السابق مصطفى الفقي بأن إسرائيل لها تأثير على ملف سد النهضة لأنها تحلم أن تكون إحدى دول مصب نهر النيل منذ عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مضيفًا أنّ على مصر اللجوء إليها في ملف السد للضغط على إثيوبيا. 

وبينت الدراسة أن الدعم الذي تُقدمه إسرائيل إلى أثيوبيا يُعد واحدًا من أهم العوامل المسببة للصراع في منطقة حوض النيل بغرض التأثير والضغط ومحاصرة مصر من جميع الجهات وإضعافها إقليميًا ودوليًا.

 

وأشارت الدراسة إلى أن إسرائيل أرادت الاستفادة من موقع أثيوبيا في تنفيذ المخططات الأمريكية في المنطقة بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، ومساعدة النفوذ الأمريكي على التغلغل في القارة الأفريقية، واستنتجت الدراسة أن سد النهضة الأثيوبي يُعد جزءًا من مخطط إسرائيلي أمريكي، يهدف إلى تهديد الأمن القومي المصري والسوداني والعربي.

واعتبرت أن وجود مشكلة المياه في الدول العربية سوف يؤدي إلى صرف أنظار تلك الدول عن إسرائيل، وستصبح المشكلة الملحة أمام هذه الدول هي توفير المياه لمواطنيها، وبالتالي فإن ميزانيات الدول العربية المخصصة للإنفاق العسكري سوف تتحول تدريجيًا إلى ميزانيات مخصصة لتوفير المياه.


 المصدر.. عكا للشؤون الإسرائيلية

التعليقات (0)