عزات جمال يكتب: عماد عقل ..حكاية مهندس المسافة صفر

profile
عزات جمال كاتب فلسطيني
  • clock 20 مارس 2023, 3:33:16 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

إن أعز ما تملكه هذه الثورة وكل الأمم والشعوب هم الأبطال والنماذج الملهمة، صانعي الأثر ورافعي لواء السبق الذين يشكلون القدوة للأجيال، فعندما تُذكر أسماؤهم نستحضر البطولات التي صنعوها في أصعب الظروف وبأقل الإمكانات، لقد رحل القائد عماد حسن عقل من مخيم جباليا شهيدًا قبل ثلاثين عام، بعد رحلة جهاد مشرفة استطاع فيها القائد الشاب العشريني إلحاق الهزيمة تلو الهزيمة بجيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال سلسلة عمليات أقضت مضاجع قادته وأرعبت ضباطه وجنوده في عموم قطاع غزة والضفة الغربية، حتى وصفوه بذو الأرواح السبعة.

لقد أحسنت كتائب القسام وقسم التأريخ العسكري فيها، بالحفاظ على هذا الإرث المهم وجمعه وتدوينه، ثم إخراجه للأجيال الفلسطينة ولأمتنا وأحرار العالم، بكتاب وثق السيرة الشخصية ودون المسيرة الجهادية المشرفة للقائد عماد، ليكون شاهد على عظم هذه التضحيات والبطولة الفلسطينية المتواصلة في طريق المقاومة والتحرير


لقد تنقل شهيدنا القائد عماد بين غزة والضفة، ثائرا وداعيا لمواجهة الاحتلال وجنوده، فقد عمل في مدينة القدس والخليل على إنشاء المجموعات العسكرية وتنفيذ الأعمال البطولية، ثم عاد إلى غزة ليواصل القتال رافضًا كل العروض التي دعته لمغادرتها إلى الخارج، متمنيًا أن يبقى مستمرًا في طريق الجهاد حتى يلقى ربه شهيد


لقد تميزت هجمات القائد عماد عقل بأسلوب فريد اتبعه في عمله العسكري ضد قوات الاحتلال، فقد كان يحرص رحمه الله على فتح النار على الجنود والمستوطنين من مسافة صفر ليحقق فيهم الإصابات المؤكدة، دون أن يمنحهم الفرصة للرد بأي ردة فعل من هول ما كان يصيبهم من صدمة، بفعل الأسلوب الجديد والجرئ الذي اعتمده الشهيد

لقد كانت سيارته المسرعة "عربة قتاله" التي يجيد من خلالها استهداف الجنود المحتلين فيرديهم صرعى، لذلك انتشر رعب عماد عقل في غزة والضفة، وأصبح كالشبح يتنقل بين الأحياء والأزقة مشكلا تهديد وهاجس للقوات المدججة بالسلاح، فهو يظهر ثارة بكوفيته الحمراء متوعدًا جيش العدو بالهزيمة والخسران وتارة أخرى عبر كمائنه النوعية، مما دفع رئيس وزراء الاحتلال في حينه "رابين" للاتصال على عائلته عارضًا عليهم السماح بإبعاد عماد، لما أوقعه عماد من رعب في قلوب الجنود والمستوطنين وفشل كل جهود إيقافه، فقد طبق عماد مقولته الخالدة فيهم "قتل جنود الاحتلال عبادة نتقرب إلى الله بها"


لقد شكل الشهيد عماد عقل بفعله المقاوم وجرأته وشجاعته نموذج فريد في الإقدام والتضحية، وغدى أيقونة ملهمة للشباب الفلسطيني الذي ما زال يستلهم منه معاني الشجاعة والإباء إلى يومنا هذا، وما زلنا نعيش الإلهام ذاته كلما وقفنا على هذه السيرة العطرة لهذا الرجل المعطاء والمحب لشعبه ووطنه

لقد شكل عماد تحد كبير لحكومة الاحتلال وأجهزة أمنه المختلفة التي طاردته بكل قوتها وإمكاناتها، من أجل الإمساك به أو قتله وقد فشل العدو في أكثر من مرة في الوصول إليه، فقد كان شهيدنا يجيد الإختفاء والتنكر وهذا ما صعب على الاحتلال مهمة الوصول إليه وإيقاف عملياته، واستمر مطاردًا يوجه رصاصاته الصائبة من نقطة صفر ثم يختفي عن الأنظار، حتى رصدته عيون الغدر والخيانة في بيت في حي الشجاعية، حيث دفع الاحتلال بمئات الجنود وحاصر البيت؛ عندما أدرك عماد صعوبة الموقف ما كان منه إلا أن توضأ وصلى ركعتين وأمسك مسدسه وذهب لمواجهة الجنود بمفرده، حتى ارتقى شهيدًا بعدما كان صائم. لقد عاش عماد في بيت البطولة والفداء بيت خنساء فلسطين بيت المجاهدة أم نضال فرحات رحمها الله، واستشهد فيه بعد مسيرة جهاد طويلة أذاق فيها البطل عماد قوات الاحتلال صنوف من الذل، عبر عملياته الجريئة والنوعية، مسجلًا اسمه في سجل البطولة الفلسطينية كأحد الأيقونات الملهمة في هذه الثورة الممتدة في وجه الاحتلال الفاشي..


ما أحوجنا اليوم في ظل تصاعد حالة الإشتباك مع الاحتلال في فلسطين، أن نستذكر الشهيد القائد عماد عقل،و أن نستلهم العبرة من تجربته ونقتفي أثره ونطبق ذات المبادئ التي كانت سبب نجاحه بعد توفيق الله والاعتماد عليه، فقد كان رحمه الله قليل الكلام، دائم الاختفاء يجيد أساليب التنكر وخداع المحتل، مقدام يرصد هدفه بكل تأني ودقة، ثم يسدد رصاصاته بكل ثبات مجتهدًا في اغتنام المفاجأة والسرعة، كأنه البرق الخاطف؛ تاركًا العدو المحتل في حيرة ودهشة موقعًا فيه الإصابات المحققة.


إن هذه الثورة في حاجة دائمة لكل الجهود المبدعة والقادة المخلصين الذين يقودون الجماهير ويؤلمون الاحتلال، كما أن دور الشارع والمجتمع أن يشكل لهم الاحتضان وأن يقدم لهم الدعم والإسناد، خاصة في ظل اتفاق العدو والسلطة والأطراف الأخرى المختلفة على إنهاء حالة المقاومة، حيث عقدوا لذلك القمم والاجتماعات، وأعدوا الخطط والبرامج الهادفة لقتل روح الثورة وتصفية رجالها وشبابها الشجعان، حتى يستمر الاحتلال بممارسة إجرامه بكل هدوء، رحم الله الشهيد القائد عماد عقل ورحم الله شهدائنا الأبرار، وبورك كل من قرأ التجربة واستلهم العبرة وسار على ذات الطريق طريق العظماء.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)