- ℃ 11 تركيا
- 13 ديسمبر 2024
كلثوم الجوراني تكتب: الوصيفتان
لم يعترف بنا أبي، أنا وأختي التوأم بل عدنا وصيفتين له نعمل كباقي الخدم والعبيد في مزرعته وقصره، أعجب السيد يوسف بقوام أمي الممشوق وجمالها فجعلها خادمته الخاصة المقربة، لقد اشترى السيد يوسف من سوق العبيد فتاة جميلة جدا تدعى ماريا بمبلغ كبير من المال ومن اليوم الأول قرر أن تكون خادمته الخاصة المقربة (هذه هي أمي).
بعد فترة من الزمن حملت أمي بي أنا واختي التوأم (سارة) وبدلا من أن يعترف أبي بنا كابنتين له عدنا من العبيد كان هذا العرف سائدا في مجتمعنا فعبودية الطفل أو حريته تنسب إلى أمه، نشأنا اني وسارة بين العبيد نعمل كما يعملون وكان أبي شديد القسوة خاصة معنا نحن الاثنين، فكم من مرة هددنا أنه سيبيعنا لصديقه التاجر العجوز ويفرق بيننا وبين امنا إن لم نعمل بجد في مزرعته.
تكاسلت سارة في أحد الأيام ولم تنجز عملها وما أن علم بذلك حتى أخذ يجلدها بسوطه دون رحمة، اشفقت امي عليها وأصبحت تتقي السوط بيديها وجسدها حتى كاد يقضي على أمي ومن شدة الالم صرخت أمي قائلة: ارحم ابنتك يا سيدي كنت أنظر لامي وهي تحت سياط ذلك الظالم المتغطرس وما أن سمعت ذلك من امي حتى علمت أن السيد يوسف هو في الحقيقة أبي!
حاربت عيني النوم تلك الليلة افكر فيما قالته أمي لأبي.
جلست بالقرب من أمي وهي تتأوه من شدة الالم فقلت لها أماه لقد سمعت ما قلتيه لسيدي وعلمت أنه أبانا انا واختي، جحظت عينا امي واومأت لي أن اسكتي فسكت .
مرت ايام ومرضت امي بسبب ضرب ابي لها وماتت على أثره ، لم تشيع امي تشييعا يليق بها كخادمة مقربة بل على العكس تمام دفنت كباقي العبيد وباشرنا العمل في المزرعة انا واختي بعد عودتنا من المقبرة حتى أنه لم يسمح لنا بالبكاء على امي يالقسوة قلبه .
هذه الحادثة جعلتني اكره ابي وابحث عن طريقة انتقم منه بها فلم أجد شيئا يغيضه ويحرق قلبه الا الهروب من سطوته، عرضت على اختي فكرة الهرب فرفضت رفضا قاطعا وكانت تتوعدني بأنها ستخبر سيدي ، تراجعت بادئ الأمر ثم عرضت عليها مرة أخرى فأخذت توبخني وتتهمني بالبلاهة والعهر وتهم اخرى حتى أنها ضربتني وهددتني مرة أخرى أنها ستخبر السيد يوسف ، كل محاولاتي بأخذها معي بائت بالفشل فقررت في إحدى الليالي التسلل من الفراش والهرب إلى المدينة التي تبعد اميالا عن مزرعتنا ، حزمت أغراضي واتفقت مع بائع اللبن صابر أن اعطيه بعض المال ليحملني معه سرا إلى المدينة وفعلا هربني صابر وذهبت إلى المدينة وكان صابرا هذا يعرف سيدة تعمل بورشة خياطة أوصلني إليها وواصاها بي وبالفعل كانت سيدة طيبة فقد اعطتني عملا يسيرا مقابل السكن والطعام ثم علمتني الخياطة .
أصبحت اعمل بورشتها ثم الزمتني إدراة الورشة وكان يتردد على تلك الورشة رجل بدى عليه الترف ، كان يستلطفني وكان معجبا بعملي ولباقتي وجمالي ، شيئا فشيئا أصبح لا يفارقني فصرنا نتواعد ونسهر سوية واصبحنا صديقين مقربين ثم طلب مني الزواج فوافقت دون تردد .
كان ذلك الرجل من الأغنياء وقد توفيت زوجته منذ سنوات ، احبني جدا وبعد الزواج صرت أحدثه عن قصتي انا واختي الجبانة على أمل أن يجد حلا ليجلب لي اختي ويخلصها من العبودية ، وبالفعل وصل كمال (زوجي) إلى مزرعة ابي ولكن لم تكن المزرعة بخير فقد أعلن ابي إفلاسه وتصحرت تلك المزرعة الجميلة لم يبق في المزرعة الا ابي ورجل عجوز من العبيد فقد باع ابي كل عبيده .
حين عاد لي كمال بتلك الاخبار جن جنوني لأنني أعتقد أنه قد باع سارة مع العبيد ولكن الأمر كان اسوء بكثير فبعد التحري ظهر أن سارة قد ماتت بعد هروبي بسنة واحدة جراء المرض والاهمال وربما كانت سياط ابي هي السبب بمرضها ، اخترت انا الحرية والحياة الكريمة وخاطرت لأجل ذلك ، بينما اختارت اختي حياة الذل وفضلت أن تموت جبانة .