إبراهيم المدهون يكتب: حماس ومبادرة ويتكوف: استعداد جاد أم مراوغة إسرائيلية؟

profile
د. محمد إبراهيم المدهون كاتب ووزير فلسطيني سابق
  • clock 20 مارس 2025, 5:55:12 م
  • eye 479
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
حماس

خطة ويتكوف التي طُرحت مؤخرًا تهدف إلى تمديد وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتقوم على إطلاق سراح خمسة أسرى إسرائيليين أحياء، من بينهم الأميركي إيدان ألكسندر، مقابل إفراج الاحتلال عن عدد كبير من المعتقلين الفلسطينيين في سجونه.

 

منذ اللحظة الأولى، تعاملت حركة حماس مع المبادرة بانفتاح واستعداد، ولم ترفضها أو تعرقلها، بل أبدت مرونة في دراستها ومناقشتها بجدية. وقد كان هناك قبول مبدئي من حماس للخطة، حيث تم التباحث حول تمديد وقف إطلاق النار، إضافة إلى التأكيد على ضرورة أن يكون هناك التزام متبادل من الجانبين لتسريع تنفيذ المبادرة وفقًا لآليات محددة. هذا يعكس استعداد حماس الجاد للتعاطي مع الخطة رغم التحديات، لكنها فوجئت، كما فوجئ الوسطاء، بأن الاحتلال شنّ عدوانًا واسعًا على غزة بالتزامن مع النقاشات حولها، مما كشف بوضوح أن إسرائيل ليست معنية بأي تهدئة، بل تواصل نهجها القائم على فرض وقائع جديدة بالقوة.

وكانت حماس قد أوصلت للوسطاء في ذلك الوقت رغبتها في تسليم الأسرى الخمسة خلال فترة التهدئة المقترحة التي تبلغ 55 يومًا لضمان التزام الاحتلال، إلا أن ويتكوف طالب بتسليمهم في اليوم الأول، وكان هناك نقاش حول ذلك. كما كانت حماس تود الحصول على ضمانات لاستمرار التزام الاحتلال وقبوله، لكن لم يقدم أي من الوسطاء أي ضمانة. إضافة إلى ذلك، كانت حماس ترغب في أن يكون هذا الاتفاق جزءًا من الاتفاق الأول، وليس اتفاقًا جديدًا أو انقلابًا عليه. وفي اللحظة التي كانت تناقش فيها كل هذه التفاصيل، اختار الاحتلال الإسرائيلي كعادته شن العدوان للهروب من مشاكله الداخلية، وارتكب مجزرة بحق أطفال ونساء غزة بحجة اغتيال قادة حكوميين وإداريين وعاملين على خدمة الناس في القطاع.

المشكلة الأساسية ليست في استعداد حماس، وإنما في التعنت الإسرائيلي، حيث يطالب الاحتلال بالإفراج عن 11 أسيرًا إسرائيليًا دفعة واحدة، دون تقديم أي التزام جاد في المقابل. هذه المقاربة تعكس عدم جدية تل أبيب في التفاوض، وتثير المخاوف من أن تتبنى الإدارة الأمريكية هذه الرؤية الإسرائيلية المتشددة، ما قد يؤدي إلى إفشال المبادرة قبل أن تأخذ فرصتها الحقيقية.

لكن إذا كانت هناك نية أمريكية فعلية لإنجاح المبادرة، فإن تنفيذها لن يكون معقدًا، شريطة أن يتم وفق رؤية متكاملة تشمل:


1. وقف العدوان فورًا
2. انسحاب الاحتلال من المناطق التي اجتاحها
3. السماح بدخول المساعدات والبضائع إلى غزة
4. تنفيذ خطة ويتكوف بجدية والتفاوض حول آلياتها
5. الانتقال إلى مفاوضات حقيقية لإنهاء الحرب بالكامل

 

إسرائيل لا تريد مفاوضات، ولا تبحث عن حلول، بل تراهن على عامل الوقت واستنزاف غزة، معتقدة أن التصعيد المستمر سيحقق لها مكاسب سياسية وعسكرية. لكن حماس، التي أطلقت اليوم صواريخها على تل أبيب دون تقديم أي تنازل، لا تزال مستعدة للتعاطي بإيجابية مع المبادرة، والتفاوض ضمن معادلة تبادل الأسرى والتهدئة التدريجية، على أن يكون ذلك في إطار اتفاق متوازن يُنهي العدوان ويؤسس لمرحلة جديدة.

 

إذا كانت إسرائيل تراهن على الوقت، فإن المقاومة تراهن على صبرها وقوتها. وإن كانت تعتقد أن الضغط العسكري سيجبر غزة على الاستسلام، فإنها لم تتعلم شيئًا من كل معاركها السابقة. الحرب قد تطول، وقد تتوسع، لكن من الواضح أن المقاومة لا تفاوض تحت النار وحدها، بل ترد عليها أيضًا، ولن تقبل بأي اتفاق لا يضمن كرامة شعبها وحقوقه.

التعليقات (0)