- ℃ 11 تركيا
- 30 يناير 2025
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: تهجير سكان غزة بين تصريحات ترامب والمواقف العربية الغامضة
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: تهجير سكان غزة بين تصريحات ترامب والمواقف العربية الغامضة
- 29 يناير 2025, 3:17:56 م
- 88
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تعبيرية
منذ عقود، ظلت غزة جرحًا مفتوحًا في قلب الأمة الإسلامية، لكنها في الوقت ذاته مثلت نموذجًا حيًا للصمود والمقاومة. في خضم الأوضاع المتوترة، خرج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتصريحات جديدة حول تهجير سكان غزة إلى مناطق أخرى، واصفًا القطاع بأنه "مثل الجحيم"، معتبرًا أن نقل السكان سيكون "حلاً إنسانيًا" لمأساتهم المستمرة. لكن ما أثار الجدل بشكل أكبر هو حديثه عن موافقة مصرية ضمنية على هذا المخطط، مشيرًا إلى أن عبد الفتاح السيسي "سيأخذ بعض الفلسطينيين"، مما دفع الحكومة المصرية إلى نفي هذه التصريحات.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذه مجرد تصريحات سياسية فارغة، أم أن هناك خططًا حقيقية تُحاك في الخفاء لتهجير سكان غزة؟
تصريحات ترامب مخططات قديمة بأدوات جديدة
لم تكن فكرة تهجير سكان غزة وليدة اللحظة، بل هي امتداد لمخططات صهيونية وأمريكية قديمة. منذ نكبة 1948، عمل الاحتلال الإسرائيلي على تفريغ الأرض الفلسطينية من أهلها، مستخدمًا شتى الوسائل من القتل والتدمير إلى الضغط الاقتصادي والحصار. اليوم، تأتي تصريحات ترامب كإعادة تدوير لمشاريع التهجير التي طرحتها إسرائيل مرارًا، بدءًا من خطة موشيه ديان بعد احتلال غزة عام 1967، مرورًا بمقترحات أرييل شارون، وصولًا إلى خطط بنيامين نتنياهو الحديثة.
لكن اللافت هذه المرة هو محاولة إشراك دول عربية، وخاصة مصر والأردن، في تنفيذ المخطط، عبر الإيحاء بأن هناك قبولًا ضمنيًا لدى بعض القادة العرب لتوطين الفلسطينيين في سيناء أو مناطق أخرى. فهل هناك ضغوط تمارس على هذه الدول، أم أن ترامب يسعى لاستخدام ورقة غزة للضغط على الفلسطينيين وإجبارهم على القبول بصفقة تسوية مجحفة؟
الموقف المصري بين الضغوط الأمريكية والرفض الشعبي
رغم النفي المصري الرسمي، إلا أن حالة التردد في الرد على تصريحات ترامب تثير تساؤلات عديدة. فهل هناك حقيقة مخفية لم يكشف عنها بعد؟ مصر تدرك تمامًا أن أي قبول لفكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لن يكون مجرد أزمة سياسية، بل قد يفتح بابًا للفوضى والاحتقان الشعبي داخل البلاد وبل وربما يكون سببا قويا لغضب الشعب في فورة وثورة عارمة تودي بحياة هذا النظام الى غير رجعة. لقد سبق وأكد الشعب المصري رفضه القاطع لأي محاولات لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهو ما ظهر جليًا في المواقف الشعبية والإعلامية عقب الإعلان عن صفقة القرن، حيث خرجت أصوات كثيرة تحذر من المساس بالتركيبة الديمغرافية لمصر أو تقديم أي تنازلات تحت الضغط.
إضافة إلى ذلك، تدرك القيادة المصرية أن تهجير الفلسطينيين لا يمثل حلًا، بل هو تكريس للمشروع الصهيوني القائم على تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها. وبالتالي، فإن أي تنازل في هذا الملف قد يضع النظام المصري أمام تحديات داخلية وخارجية يصعب تجاوزها.
الرفض الفلسطيني الأرض لا تُباع ولا تُشترى
أمام هذه المؤامرات، يظل موقف الشعب الفلسطيني واضحًا: غزة ليست للبيع، واللاجئون لن يكونوا ورقة مساومة في أيدي الساسة. فمنذ أكثر من سبعين عامًا، عجزت إسرائيل بكل قوتها العسكرية والاقتصادية عن كسر إرادة هذا الشعب، فكيف يمكن لتصريحات سياسية جوفاء أن تغير هذه المعادلة؟
الصمود الأسطوري في غزة
غزة ليست مجرد شريط ساحلي مكتظ بالسكان، بل هي رمز العزة والكبرياء. في كل مرة يظن العدو أن غزة قد انكسرت، تثبت له أنها عصية على الهزيمة. في حرب 2008، ثم 2012، ثم 2014، وأخيرًا في معركة سيف القدس 2021، أثبتت المقاومة الفلسطينية أن غزة لا تستسلم، بل تتحول إلى جحيم يقض مضاجع المحتل.
السكان الذين يعيشون تحت الحصار منذ أكثر من 17 عامًا لم ينهاروا، رغم نقص الغذاء والدواء والوقود. بل إنهم باتوا أكثر تمسكًا بأرضهم، يرفضون مغادرتها رغم كل الضغوط والمجازر. غزة اليوم ليست فقط مدينة محاصرة، بل هي رمز عالمي للمقاومة ضد الظلم والطغيان.
لماذا يريدون تهجير أهل غزة؟
لماذا تسعى إسرائيل وأمريكا إلى تفريغ غزة؟ لأن بقاء غزة يعني استمرار المقاومة. ولأن غزة تمثل قلب المشروع الوطني الفلسطيني، فهي التي أخرجت المقاومة من تحت الركام، وهي التي ضربت تل أبيب بالصواريخ، وهي التي حطمت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.
إنهم يدركون أن تهجير أهل غزة يعني قتل القضية الفلسطينية رويدًا رويدًا، وجعل اللاجئين الفلسطينيين مجرد أرقام متناثرة في دول الشتات، بلا هوية ولا قضية. وهذا ما لن يسمح به الفلسطينيون، مهما بلغت التضحيات.
السيناريوهات المحتملة
أمام هذه التطورات، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل هذا المخطط:
1. تصريحات ترامب قد تكون مجرد ورقة ضغط لابتزاز الفلسطينيين ودفعهم إلى تقديم تنازلات سياسية، دون تنفيذ فعلي لخطة التهجير.
2. محاولة فرض الخطة عبر الضغط الدولي والإقليمي، من خلال تقديم مغريات اقتصادية لمصر والأردن لقبول اللاجئين الفلسطينيين.
3. فشل المخطط بسبب الرفض الشعبي الفلسطيني والعربي، واستمرار غزة كرمز للصمود والمقاومة، رغم كل المحاولات لكسرها.
4 - أو أن يكون هذا السيناريو تبيض بخطة متفق عليها مع السيسى وعبدالله وسيظهرون الرفض ليتم غسلهم سياسيا من المشاركة فى الإبادة لغزة ثم يتم تغيير المطلوب لشكل أخر يضمن تمييع قضية فلسطين تماما كما يظنون ويتم الموافقة عليه ويحقق ترامب مايريد خاصة وأن زوال وزعزة استقرار هذه الأنظمة يضر بعملية التطبيع التي يشرف عليها ويضمن بقائها هذه الأنظمة العميلة. غزة لن تنحني
في النهاية، تبقى غزة شوكة في حلق الاحتلال، وحصنًا منيعًا في وجه كل المؤامرات. تصريحات ترامب، وإن كانت تستهدف تغيير الواقع، إلا أنها لن تستطيع محو إرادة شعب تربى على التضحية والفداء.
أهل غزة ليسوا للبيع، ولن يتركوا أرضهم مهما اشتد البلاء. فهذه الأرض ليست مجرد مساحة جغرافية، بل هي عقيدة وإيمان، وهي التي سالت عليها دماء الشهداء، وسُطرت عليها أروع ملاحم البطولة.
لذلك، فإن المطلوب من الشعوب العربية والإسلامية اليوم هو موقف واضح وحازم في رفض كل أشكال التهجير والتوطين، ودعم صمود أهل غزة بكل الوسائل الممكنة، لأن الدفاع عن غزة ليس مجرد موقف سياسي، بل هو واجب شرعي وأخلاقي تجاه قضية الأمة الأولى.
تحية لأبطال غزة، الذين يكتبون التاريخ بدمائهم، ويعلمون العالم كله معنى الصمود والعزة والإباء.