الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: غزة بين مطرقة التطهير العرقي وسندان الصمت العربي

profile
خالد سعد داعية إسلامي مصري
  • clock 5 فبراير 2025, 4:45:43 م
  • eye 60
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الجهاد في سبيله ذروة سنام الإسلام، وأمر بمدافعة الظالمين، فقال: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ناصر عباده المؤمنين ولو بعد حين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قائد الغر المحجلين، وإمام المجاهدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

مخطط التهجير القسري والتطهير العرقي مؤامرة ممتدة عبر الزمن

ما حدث ويحدث في غزة ليس مجرد عدوان عسكري عابر، بل هو فصل جديد من حرب إبادة منظمة، تهدف إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وإلغاء وجودهم نهائيًا. التصريحات الأمريكية والصهيونية التي تدعو إلى تهجير أهل غزة ليست مجرد آراء فردية، بل هي جزء من عقيدة استعمارية مترسخة، تنظر إلى فلسطين كأرض يجب أن تُطهّر من سكانها الأصليين، ليتم إحلال المستوطنين اليهود مكانهم، في تطبيق عملي لما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات".

لقد بدأت هذه المؤامرة منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، حينما قررت القوى الاستعمارية الغربية أن تمنح فلسطين للمحتلين اليهود، متجاهلين حقيقة أن هذه الأرض مأهولة بشعب متجذر فيها منذ آلاف السنين. تبع ذلك مخطط التهجير القسري في نكبة 1948، حيث ارتكبت العصابات الصهيونية مجازر بشعة في دير ياسين واللد وحيفا وصفد وغيرها، مما أدى إلى تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني إلى الدول المجاورة. ثم جاءت نكسة 1967، لتكتمل سلسلة الاعتداءات باحتلال كامل الضفة الغربية والقدس وسيناء والجولان، وما تلاها من تهويد منهجي للقدس، وحصار طويل لغزة، واستيطان متسارع في الضفة.

واليوم، تستكمل إسرائيل حلقات هذا المشروع الاستعماري من خلال القصف العشوائي والقتل الجماعي والتدمير الممنهج للبنية التحتية في غزة، بهدف جعلها منطقة غير صالحة للحياة، وإجبار أهلها على النزوح نحو سيناء أو البحر. هذه ليست مجرد حرب، بل هي إبادة جماعية تُنفَّذ أمام أعين العالم بصمت دولي مريب، وتواطؤ عربي مخزٍ.

أمريكا وإسرائيل تحالف صليبي - صهيوني راسخ

إن الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يكن يومًا مجرد تحالف سياسي، بل هو ارتباط عقائدي وأيديولوجي، قائم على أساطير دينية وتاريخية مختلقة، ترى أن قيام إسرائيل هو تحقيق لوعد توراتي، وأن دعمها واجب ديني على الغرب المسيحي. ومن هنا نفهم كيف أن كل الإدارات الأمريكية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، كانت منحازة بشكل مطلق لإسرائيل، وتعتبر أمنها فوق كل اعتبار، حتى ولو كان ذلك على حساب إبادة شعب بأكمله.

إن تصريحات ترامب حول وجوب تهجير الفلسطينيين ليست شذوذًا عن السياسة الأمريكية، بل هي امتداد لما قاله قبله الرؤساء الأمريكيون منذ هاري ترومان وحتى جو بايدن. بل إن هذا الفكر الإجرامي يمتد إلى جذور التاريخ الأمريكي ذاته، حيث قامت الولايات المتحدة على إبادة السكان الأصليين، وهو النموذج الذي تحاول إسرائيل تطبيقه في فلسطين اليوم.

هل عاد زمن الهنود الحمر؟

إن ما يحدث في فلسطين اليوم يشبه إلى حد التطابق ما حدث للهنود الحمر في أمريكا، حينما قامت الحكومات الأمريكية المتعاقبة بإبادتهم وتهجيرهم قسرًا إلى محميات منعزلة، واستولت على أراضيهم، وأعادت كتابة التاريخ لتُبرر جرائمها. واليوم، تحاول إسرائيل وحلفاؤها أن يجعلوا من الفلسطينيين "الهنود الحمر الجدد"، شعب يُقتل ويُهجر ويُدفن تحت الأنقاض، ليبقى المستوطن اليهودي سيدًا في الأرض المباركة.

لكن هناك فرقًا جوهريًا فلسطين ليست أمريكا، والفلسطينيون ليسوا هنودًا حمرًا! فهذه الأرض ليست أرضًا بلا شعب، بل هي أرض أمة تحمل عقيدة لا تموت، وتراثًا لا يُنسى، ومقاومة متجذرة في الوجدان الإسلامي منذ عهد الصحابة. وإذا كان المستعمرون قد نجحوا في إبادة الشعوب الأصلية في أمريكا، فإنهم فشلوا وسيفشلون في فلسطين، لأن هنا شعبًا يُدرك أن الموت في سبيل الله حياة بل إن الموت في سبيل الله أئمة ما يتمناه، وأن الاحتلال مصيره الزوال، مهما طال الزمن بموعود الله ورسوله.

الصمت العربي هل ماتت النخوة؟

كان العرب في الجاهلية يُقيمون الحروب من أجل امرأة سُبيت أو ناقة قُتلت، وكان الواحد منهم يموت دفاعًا عن جواره وكرامته، فكيف لهم اليوم أن يسكتوا على إبادة شعب بأكمله أمام أعينهم؟!

أين الجيوش الجرارة؟ أين الثروات الطائلة؟ لماذا أصبح بعضهم أدوات في يد الاحتلال، يطعنون المقاومة من الخلف، ويحاصرون غزة بدلًا من نصرتها؟! بل حتى الشجب والاستنكار أصبحوا عاجزين عنه! بل أصبح بعضهم يلوم غزة على صمودها، وكأنهم يريدونها أن تُسلم مفاتيح الأقصى وتفر من أرضها!

إن هذا الموقف المخزي سيظل وصمة عار في جبين الأمة، وسيسجل التاريخ أن هناك حكامًا خانوا الأمة، بينما كان في غزة رجال يأبون الخضوع، ويرفعون راية الجهاد ولو بقبضاتهم العارية!

التاريخ يعيد نفسه من أبي لهب إلى حكام اليوم

إن مواقف الأنظمة العربية اليوم تشبه مواقف أبي لهب وقريش عندما حاربوا الإسلام في مهده، فكانوا يحاصرون الدعوة، ويتآمرون على رسول الله، ويكيدون له في كل حين. واليوم، تُحاصر غزة، ويُمنع عنها الغذاء والدواء، ويُحكم عليها بالموت البطيء، بينما يقف بعض العرب متفرجين، أو حتى متواطئين!

لكن التاريخ يعلمنا أن النصر ليس بعدد الجيوش، ولا بكثرة العتاد، وإنما هو وعد الله لمن ثبت وصبر، كما قال تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 249].

الخاتمة الصمود والجهاد هما الحل

إن أهل غزة اليوم لا ينتظرون من العرب بيانات الشجب، ولا مؤتمرات التضامن الفارغة، بل ينتظرون دعمًا حقيقيًا يُعينهم على الثبات في أرضهم، ويمنع تهجيرهم، ويكسر عنهم الحصار الظالم.

غزة لا تحتاج إلى دموع التماسيح، ولا إلى بيانات الإدانة الجوفاء، بل تحتاج إلى مواقف الرجال، وتضحيات الأحرار، ومساندة الشعوب التي تؤمن بأن فلسطين قضية الأمة كلها، وليست مجرد شأن داخلي لفصيل أو حزب.

"ثبّت جذورك في التراب فأنت باقٍ هاهنا، الأرض أرضك يا فتى، هذه البلاد بلادنا."

وإن غزة اليوم تصرخ في وجوه الصامتين أين أنتم يا أمة المليار؟ أين أنتم يا من كان أجدادكم يحمون المستغيث، ويجيرون الملهوف، ويغيثون المظلوم؟!
لكن إن خذلها العرب، فالله معها، وأهل غزة على العهد، صامدون، ثابتون، يرفعون راية الجهاد، ويؤمنون بوعد الله الحق:
(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)