- ℃ 11 تركيا
- 16 يناير 2025
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: غزة.. شامخة رغم الجراح، رابحة رغم الدمار وخذلان الجوار
الداعية الشيخ خالد سعد يكتب: غزة.. شامخة رغم الجراح، رابحة رغم الدمار وخذلان الجوار
- 16 يناير 2025, 1:03:17 م
- 67
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أرشيفية
الحمد لله الذي جعل الشهداء في جنات النعيم، ورفع ذكر المجاهدين وأوليائه إلى أعلى عليين، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
بعد عام ونصف من الصمود الأسطوري والكفاح الذي يندر له مثيل، وبعد صبر وعطاء سجل فيه أهل غزة أروع ملاحم الثبات والكرامة، جاء وقف إطلاق النار ليؤكد مرة أخرى أن غزة رمزٌ للشموخ والعزة رغم كل التحديات. لقد جسد الفلسطينيون خلال هذه الفترة أنموذجًا فريدًا في الدفاع عن الأرض والمقدسات
غزة اليوم ليست مجرد بقعة صغيرة على خارطة العالم الإسلامي، بل هي جبهة مفتوحة للصراع بين الحق والباطل، بين التوحيد والشرك، بين أهل الإيمان وأهل الطغيان. إنها ثغر من ثغور الإسلام الذي يصطف فيه الرجال والنساء والشيوخ والأطفال صفًّا واحدًا، يحملون لواء العزة والكرامة، ويذودون عن مقدسات الأمة، وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، الذي قال الله فيه: ﴿سُبْحَانَ ٱلَّذِیۤ أَسْرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَى ٱلَّذِی بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ﴾ [الإسراء: 1].
غزة، التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، هي اليوم قلعة الإسلام التي تصدّ عن الأمة مشاريع الذل والتطبيع والخيانة. إنها بأهلها المجاهدين تُظهر لنا معنى قوله تعالى: ﴿فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [آل عمران: 146].
و كما قال الله تعالى: ﴿وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡرࣰاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزࣰا﴾ [الأحزاب: 25].
الصمود الأسطوري لغزة
رغم ما تعرضت له غزة من حصار دام أكثر من خمسة عشر عامًا، ورغم ما لحق بها من حروب متتالية دمّرت بنيتها التحتية واستهدفت أهلها الآمنين، إلا أن غزة صمدت وارتقت إلى مستوى التحدي. إنها غزة التي علمت الأمة دروس الصبر والثبات في مواجهة الظلم والعدوان.
لقد تجلّى هذا الصمود في ملاحم بطولية يُندر أن يسجلها التاريخ، حيث حمل الأطفال الحجارة في أيديهم، والنساء دعوات النصر على ألسنتهن، والشباب صواريخ المقاومة في أياديهم. كل هذا معتمدين على الله وحده، مستيقنين بوعده الحق: ﴿إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ وَیُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾ [محمد: 7].
إنجازات المقاومة: صمودٌ في وجه المؤامرات
رغم آلة الدمار والحصار، نجحت غزة في أن تصمد وتحبط المؤامرات التي حاكها الأعداء ضدها وضد فلسطين
إفشال مشاريع الاحتلال: على مدار سنوات طويلة، حاول الاحتلال الإسرائيلي فرض هيمنته على غزة، بدءًا من الحصار الاقتصادي وانتهاءً بالحروب المتتالية، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل. غزة اليوم تُظهر للعالم أنها ليست لقمة سائغة في أفواه الطغاة.
بل قامت بتطوير أدوات المقاومة رغم الحصار الخانق، فإن المقاومة في غزة استطاعت تطوير أدواتها العسكرية والتقنية، بل وأثبتت أن الإبداع يولد من رحم المعاناة. أصبحت صواريخ المقاومة تصل إلى عمق الكيان الغاصب، وترسل رسالة واضحة: "لن تنعموا بالأمن ما دمتم تحتلون أرضنا".
1. إسقاط صفقة القرن: هذه الصفقة التي أرادت القضاء على حقوق الفلسطينيين باءت بالفشل.
2. إفشال التهجير القسري: سقطت محاولات الاحتلال وداعميه بتهجير الفلسطينيين قسرًا، وبقيت الأرض تحت أقدام أهلها.
3. تحطيم مخططات القضاء على المقاومة: رغم القصف والحصار، فشلت إسرائيل وأعوانها في استئصال المقاومة الفلسطينية.
4. إفشال خطط تحرير جنود الاحتلال: ظل الاحتلال عاجزًا عن تحقيق أي مكاسب تُذكر في مواجهة المقاومة.
أهل غزة.. سلامٌ عليكم بما صبرتم
يا أهل غزة، أنتم الذين رفعتم لواء الصبر والثبات في أصعب الظروف، وأصبحتم أعلامًا يُحتذى بها. لقد أحييتم قوله تعالى: ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: 18].
غزة، وهي تصارع الجراح وتداوي الآلام، توجه رسالة إلى الأمة " أن لا تتركوا قضيتنا وحيدة، ولا تخذلونا كما خذلتنا الحكومات. نحن ندافع عنكم وعن مقدساتكم، فتحركوا معنا، بالكلمة والدعاء والمال والعمل"
الخسائر التي تحولت إلى مكاسب
ما قد يبدو للبعض خسائر في الدنيا، هو في ميزان الله مكاسب عظيمة (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ)
1. الشهداء: أحياء عند الله، فرحين بما أكرمهم الله به. قال النبي ﷺ: « والَّذي نفسي بيدِه لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ ـ واللهُ أعلَمُ بمَن يُكْلَمُ في سبيلِه ـ إلَّا جاء يومَ القيامةِ وجُرحُه ينثَعِبُ دمًا اللَّونُ لونُ دمٍ والرِّيحُ ريحُ مِسكٍ » [متفق عليه].
2. الجرحى: لهم أجر عظيم عند الله، وما يعانون منه يمحو خطاياهم.كما قال رسول الله (ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ.)
3. النازحون: لهم أجر المهاجرين في سبيل الله.
4. الأسرى: لهم مكانة عظيمة في الإسلام، وواجب الأمة العمل لتحريرهم.
5. المفجوعون بأحبائهم: وعدهم الله بالجنة إن احتسبوا وصبروا.
( يقولُ اللَّهُ تَعالَى: ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ.)
6. من فقدوا أموالهم: نالوا أجرًا عظيمًا بمصابهم وصبرهم.
طوفان الأقصى.. بشائر التحرير
إن المعركة الأخيرة لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت رسالة من غزة إلى الأمة بأكملها بأن بشائر تحرير فلسطين بدأت، وستمتد من القدس إلى دمشق والقاهرة وطرابلس وصنعاء، حتى تستفيق الأمة من غفلتها.
خذلان غزة.. الجرح الأعمق
خلال عام ونصف من العدوان، كشفت الأحداث عن خذلان مؤلم من الدول العربية، التي لم تكتفِ بالصمت بل دعمت الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر:
1. مصر: بدلاً من أن تكون نافذة نجاة لغزة، أغلقت معبر رفح أمام الجرحى والنازحين.
2. الأردن: لم تقدم سوى تصريحات خجولة رغم مسؤوليتها عن الوصاية على المقدسات.
3. السعودية والإمارات: اختارتا التطبيع مع الاحتلال على حساب دماء الفلسطينيين.
4. الإمارات: تجاوزت الصمت إلى توقيع اتفاقيات سياسية وعسكرية مع إسرائيل، متجاهلة معاناة الشعب الفلسطيني.
5. السعودية: دعمت مسار التطبيع بدلاً من الوقوف مع القضية الفلسطينية.
إشادة بتأييد محدود
في المقابل، كان هناك دعم محدود من بعض الدول، مثل:
قطر: استمرت في تقديم مساعدات إنسانية ومادية للشعب الفلسطيني.
تركيا: رغم مواقفها السياسية الواضحة، إلا أن دعمها اقتصر على التصريحات.
ختامًا
إن غزة، بصمودها وشموخها، تثبت لنا أن النصر قادم لا محالة، وأن وعد الله حق: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنكُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمࣰا﴾ [الفتح: 29].
غزة كشفت حقيقة المواقف، وأسقطت الأقنعة عن المتخاذلين والمتآمرين. لكنها، رغم كل هذا، بقيت وستبقى قلعة الإسلام وصوت الأمة الصادح بالعزة والكرامة.
وكما قال الله: ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].
الحمد لله الذي جعل من غزة رمزًا للصمود، وبارك في أهلها، وجعلها قلعة للأمة بأسرها.
فاللهم انصر أهل غزة، وارزقهم الثبات والصبر، وكن لهم عونًا وسندًا، واحشرنا معهم يوم القيامة في زمرة الشهداء والصالحين.