شعب ينهار والعالم يشيح بوجهه

السودان يئن في عامه الثالث من الحرب: مجاعة.. نزوح.. وموت بلا نهاية

profile
  • clock 15 أبريل 2025, 11:42:52 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
نساء وأطفال في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان، يناير 2024.

في 15 أبريل 2025، يدخل السودان عامه الثالث من الحرب المدمرة التي اندلعت بين الجيش وميليشيات الدعم السريع، مخلفةً وراءها آلاف القتلى والجرحى من المدنيين، وموجة نزوح هي الأكبر في العالم، فضلًا عن أزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها "الأكبر عالميًا" في الوقت الراهن.

ومنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، اضطر ما بين 12 و13 مليون شخص للنزوح أو اللجوء، في حين يعاني نحو 25 مليون سوداني من انعدام حاد في الأمن الغذائي، بينهم 8.5 مليون يواجهون مستويات حرجة من الجوع تقترب من المجاعة الكاملة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، كشف في مقابلة مع قناة "الشرق" السعودية أن خسائر القطاع الصحي تجاوزت 11 مليون دولار، مشيرًا إلى أن مستشفيات ولاية الخرطوم تعرضت لتدمير ممنهج، مما عرقل إعادة تشغيلها. ومع ذلك، أكد الوزير أن الإمداد الدوائي شهد تحسنًا بفضل تدخلات من الدولة والقطاع الخاص، حيث تم استيراد أدوية بقيمة 230 مليون دولار خلال العام الماضي.

وتفاقمت أزمة النزوح في السودان لتصبح الأكبر عالميًا، حيث أوضح المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أن "ثلث سكان السودان أصبحوا نازحين، وأن تأثيرات هذا النزاع المروع تجاوزت حدود البلاد". وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 12 مليون شخص نزحوا داخليًا، فيما عبر نحو 3.8 مليون لاجئ الحدود، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم بمقدار مليون آخر خلال عام 2025.

من جانبه، وصف شون هيوز، منسق الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي، الوضع الإنساني في السودان بأنه "الأكبر في العالم بكل المقاييس"، إذ يعاني نصف سكان البلاد من الجوع الشديد، فيما يعاني ما يقرب من 5 ملايين طفل وأم من سوء التغذية الحاد. وأكد هيوز أن "عشرات الآلاف مهددون بالموت في العام الثالث من الحرب إذا لم تتمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إليهم"، مناشدًا المجتمع الدولي التدخل العاجل وتوفير التمويل اللازم لتجنب كارثة أكبر.

أطفال السودان في مهب الخطر

أما وضع الأطفال في السودان فقد وصفته منظمة اليونيسف بأنه "مأساوي"، محذّرة من أن "الموت بات تهديدًا مستمرًا لحياة الأطفال". ففي محيط مدينة الفاشر وحدها، يواجه حوالي 825 ألف طفل خطر الموت جراء القصف ونقص الضروريات الأساسية للبقاء على قيد الحياة.

ووفقًا لبيانات اليونيسف، فإن 15 مليون طفل سوداني بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية، فيما حُرم نحو 17 مليون طفل من التعليم نتيجة الحرب، في ظل توقف 70% من المرافق الصحية بمناطق النزاع عن العمل. كما نزح أكثر من 7 ملايين طفل، ويعاني 3.2 مليون دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد. وتشير المنظمة إلى أن الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال ارتفعت بنسبة 1000% منذ بداية النزاع.

وفي شهادة صادمة، نقلت إيفا هندز، رئيسة قسم المناصرة والتواصل في اليونيسف بالسودان، ما يجري في الفاشر ومعسكر زمزم قائلة: "الموت هنا يهدد الأطفال كل يوم، سواء بسبب القتال أو انهيار الخدمات الأساسية التي يعتمدون عليها للبقاء".

وأشارت أرجنتينا ماتافيل بيتشين، القائمة بأعمال ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، إلى أن الوضع "يفطر القلب"، مؤكدة أن من بين النازحين الـ12 مليونًا، هناك 2.7 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب، بينهن 300 ألف حامل معرضات للولادة في ظروف قاسية وانتهاكات خطيرة. وقالت إن بعض النساء يضطررن للولادة على قارعة الطريق خلال فرارهن من القصف، مما يعرض مواليدهن لأمراض خطيرة مثل الكزاز نتيجة غياب الرعاية الصحية.

وأضافت بيتشين أن سوء التغذية لدى الحوامل يؤدي إلى ولادة أطفال يعانون من ضعف جسدي وعقلي يهدد مستقبلهم بالكامل. كما حذرت من تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي، حيث يُقدَّر أن 6.7 مليون شخص معرضون لهذا الخطر، أغلبهم من النساء والفتيات النازحات.

دعم دولي خجول

بالتزامن مع الذكرى الثانية للحرب، أعلنت بريطانيا عن تقديم مساعدات إضافية بقيمة 120 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 158 مليون دولار) للسودان، مشيرة إلى أن البلاد تواجه "أسوأ أزمة إنسانية موثقة في العالم". واستضافت لندن مؤتمرًا دوليًا يهدف لتعزيز الاستجابة الإنسانية، لكنها تعرضت لانتقادات لعدم إشراك الحكومة السودانية في المحادثات.

وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي: "الحرب استمرت طويلاً، ومع ذلك فإن معظم العالم ما زال يغض الطرف عنها". وأضاف: "يجب أن نتحرك الآن لمنع تحول هذه الأزمة إلى كارثة شاملة، وضمان وصول المساعدات إلى من هم في أمسّ الحاجة"، مؤكدًا أن الأطراف المتصارعة أظهرت "استهانة مروعة" بحياة المدنيين.

وبينما تتعاظم الحاجة الإنسانية في السودان، يبقى التدخل الدولي دون المستوى المطلوب، ما يزيد من تعقيد واحدة من أشد الكوارث التي يشهدها العالم في العصر الحديث.

التعليقات (0)