-
℃ 11 تركيا
-
21 أبريل 2025
رحيل البابا فرنسيس: صوت عالمي للرحمة والعدالة يسكت عن 88 عامًا
أول بابا يسوعي في التاريخ
رحيل البابا فرنسيس: صوت عالمي للرحمة والعدالة يسكت عن 88 عامًا
-
21 أبريل 2025, 12:37:46 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
توفي البابا فرنسيس، الحبر الأعظم الذي حظي بمحبة ملايين الكاثوليك حول العالم، والذي امتد تأثيره إلى خارج أوساط المتدينين، عن عمر يناهز 88 عامًا. وأعلن الكاردينال كيفن فيريل، موفد الفاتيكان لشؤون الحبرية، قائلًا: "في الساعة 7:35 من صباح اليوم، عاد أسقف روما، فرنسيس، إلى بيت الآب. لقد كرّس حياته كلها لخدمة الرب وكنيسته".
صراع مع المرض ونهاية حياة مليئة بالعطاء
عانى البابا فرنسيس من مرض رئوي مزمن منذ شبابه، وكان قد خضع لجراحة أُزيل فيها جزء من إحدى رئتيه. وفي 14 فبراير، تم إدخاله إلى مستشفى "جميللي" في روما بسبب أزمة تنفسية تطورت لاحقًا إلى التهاب رئوي مزدوج. مكث في المستشفى 38 يومًا، وهي أطول فترة دخول للمستشفى خلال حبريته التي استمرت 12 عامًا.
ورغم تدهور حالته الصحية، خرج البابا من المستشفى في 23 مارس، وظهر علنًا للمرة الأخيرة يوم الأحد الماضي حين خاطب الحشود التي تجمعت في ساحة القديس بطرس لحضور قداس عيد الفصح. كما قام بعدة زيارات إنسانية في الأسابيع الأخيرة، منها زيارة مفاجئة لسجناء في سجن "ريجينا كويلي"، وزيارة لكاتدرائية القديس بطرس وهو يرتدي ملابس بسيطة.
الحداد يعمّ روما والعالم
تصدّرت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، مشهد الحداد الرسمي، وقالت: "حظيت بشرف صداقته ونصائحه وتعاليمه التي لم تغب حتى في أحلك لحظاته". أما رئيس بلدية روما، روبرتو غوالتييري، فقال: "روما، وإيطاليا، والعالم فقدوا رجلًا استثنائيًا، راعيًا متواضعًا وشجاعًا عرف كيف يخاطب قلوب الجميع".
وبينما يستعد الفاتيكان لمرحلة حداد مكثفة، تبدأ مداولات اختيار خليفة البابا فرنسيس، ليكون الحبر الأعظم رقم 268. سيُعقد مجمع الكرادلة المغلق داخل كنيسة سيستينا، بحضور نحو 138 كاردينالًا يحق لهم التصويت. من بين أبرز المرشحين: الكاردينال الإيطالي التقدمي ماتيو زوبي، والكاردينال بيترو بارولين، وكاردينال الفلبين لويس أنطونيو تاغلي.
بابوية ذات رؤية اجتماعية وإنسانية جريئة
تميّزت حبريّة فرنسيس، أول بابا من الرهبنة اليسوعية، بالجرأة في الانحياز للفقراء والمهمشين، وبنقد صريح للجشع الرأسمالي واللامساواة الاقتصادية. هاجم الترف داخل الفاتيكان ودعا إلى التواضع في حياة رجال الدين. ورغم المعارضة الشرسة من بعض الكرادلة والمسؤولين النافذين، إلا أن تعاطفه وإنسانيته أكسباه محبة الملايين.
انتُخب البابا فرنسيس، واسمه الأصلي خورخي ماريو بيرغوليو، في مارس 2013، وولد في بوينس آيرس عام 1936. من اللحظة الأولى أرسل إشارات إلى توجهه المتواضع، حيث تنقل بالحافلة بدلاً من سيارة البابا، وسكن في دار الضيافة البابوية بدلاً من الشقق الفخمة المخصصة للحبر الأعظم. في أول ظهور إعلامي له، عبّر عن رغبته في "كنيسة فقيرة ومن أجل الفقراء".
أول بابا يسوعي في تاريخ الكنيسة: نهج جديد في القيادة الروحية
تميّز البابا فرنسيس عن جميع أسلافه بكونه أول بابا في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية ينتمي إلى الرهبنة اليسوعية، وهي جماعة دينية تُعرف رسميًا باسم "جمعية يسوع" وقد تأسست في القرن السادس عشر على يد القديس إغناطيوس دي لويولا. وتُعد الرهبنة اليسوعية من أكثر الرهبنات تأثيرًا داخل الكنيسة، واشتهرت بتركيزها على التعليم، والتفكير النقدي، والعمل التبشيري، والدفاع عن العدالة الاجتماعية حول العالم.
لطالما عُرف اليسوعيون بابتعادهم الطوعي عن المناصب الكنسية العليا، بما في ذلك منصب البابا، من منطلق رغبتهم في تجنّب التورط في الصراعات السياسية داخل الكنيسة، وتفرّغهم الكامل للعمل الميداني بين الشعوب والمهمّشين. لذلك، جاء انتخاب خورخي ماريو برغوليو، الكاردينال الأرجنتيني اليسوعي، لمنصب البابا في مارس 2013 حدثًا استثنائيًا وتاريخيًا، كسر تقليدًا دام قرونًا، وفتح الباب أمام نمط جديد في القيادة الروحية.
وقد تجلى تأثير خلفيته اليسوعية بشكل واضح في توجهاته، إذ حمل فرنسيس معه روح البساطة والتواضع والانحياز للفقراء. رفض المظاهر الفخمة المرتبطة بمنصب البابا، وفضّل الإقامة في بيت الضيافة داخل الفاتيكان بدلًا من القصر البابوي، واستقل الحافلة بدلًا من السيارة الرسمية، وسدّد فاتورته بنفسه في الفندق الذي أقام فيه قبل انتخابه.
على مدار حبريته، ركّز البابا فرنسيس على القضايا الاجتماعية الكبرى، فانتقد بشدة الرأسمالية المتوحشة، ودافع عن حقوق اللاجئين، ونادى بضرورة حماية البيئة، ودعا إلى كنيسة "فقيرة ومن أجل الفقراء"، مؤكدًا أن القيادة الروحية الحقيقية لا تنفصل عن التواضع والعمل من أجل المهمّشين. كما سعى إلى إصلاح مؤسسات الكنيسة من الداخل، وفتح أبواب الحوار مع الأديان والثقافات، متسلحًا بخلفيته اليسوعية التي تجمع بين الانضباط الروحي والانفتاح الفكري.
صوت الفقراء واللاجئين في الفاتيكان
ركّز البابا على قضايا الفقر والظلم الاجتماعي، واعتبر الرأسمالية المتفلتة "روث الشيطان". وفي 2015، أصدر رسالة بابوية من 180 صفحة حول البيئة، داعيًا الدول الغنية لتحمّل "دين اجتماعي جسيم" تجاه الفقراء، واعتبر أزمة المناخ "أحد التحديات الأساسية التي تواجه البشرية في عصرنا".
دافع بشجاعة عن اللاجئين، مشددًا على أنهم ليسوا "قطع شطرنج على رقعة الإنسانية". بعد زيارته لجزيرة ليسبوس اليونانية، استضاف 12 لاجئًا سوريًا في الفاتيكان. وكان دائم الاهتمام بالمظلومين، من أسرى وتجار البشر وضحايا العبودية الحديثة. حتى خلال فترة مرضه.
في قلب المعاناة: غزة في صلواته اليومية
حتى في أيامه الأخيرة داخل المستشفى، لم يتوقف البابا فرنسيس عن متابعة مأساة الشعب الفلسطيني في غزة. فكان يتصل يوميًا بكنيسة العائلة المقدسة هناك منذ التاسع من أكتوبر 2023، في لفتة إنسانية تُعبّر عن تضامنه العميق مع المدنيين العالقين تحت الحصار والنار. هذه المبادرة الليلية لم تكن مجرد إجراء رمزي، بل علامة على اهتمام روحي حقيقي بحياة الإنسان، أينما كان، وفي أيّ ظرف.
في خطابه الأخير بمناسبة عيد الفصح، الذي ألقاه مساعده نيابة عنه، قال إن الحرب في غزة تولّد الموت والدمار ووضعًا إنسانيًا مشينًا، ودعا لوقف فوري لإطلاق النار وللإفراج عن الأسرى.
مواجهة أزمة الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة
من أكبر التحديات التي واجهها فرنسيس كانت فضائح الاعتداءات الجنسية التي تورّط فيها رجال دين، والتي ظلت الكنيسة متهمة بالتستر عليها لعقود. في بداية حبريته، اتُهم بالتقليل من خطورة الأزمة، لكنه اتخذ لاحقًا خطوات غير مسبوقة، منها دعوة أساقفة العالم إلى روما في 2019، وإصدار مرسوم يُلزم الكهنة والراهبات بالإبلاغ عن الانتهاكات ويمنح الحماية للمبلّغين، ما شكل تحوّلًا مهمًا في تعامل الكنيسة مع الفضيحة.
نداء من أجل السلام والدين الرحوم
في زمن تصاعدت فيه أعمال الإرهاب، شدد البابا على أن العنف لا علاقة له بالدين الحق. بعد مقتل كاهن كاثوليكي في فرنسا عام 2016، قال: "ليس من العدل ربط الإسلام بالعنف. في كل ديانة توجد أقلية متطرفة، ونحن الكاثوليك لسنا استثناء".
أثار إعجابه بالرحمة تعاطفًا واسعًا، حتى في قضايا شائكة مثل "المثلية"، حيث أجاب مرةً عن سؤال حول الكهنة المثليين قائلاً: "من أنا لأحكم؟". تحدث أيضًا عن قضايا الأسرة ودور المرأة في المجتمع، لكن دون أن يتراجع عن عقيدة الكنيسة التقليدية في قضايا مثل الزواج والإجهاض.
تأثير عالمي ورحلات تشبه جولات النجوم
في رحلاته الدولية، كان البابا يُستقبل كالنجم، حيث كان ينتظره مئات الآلاف، وأحيانًا ملايين، لمجرد رؤيته في مركبته البيضاء المفتوحة. كان له تأثير خاص بين الشباب، وكان يحثهم دائمًا على رفض المادية والإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا، قائلاً: "السعادة... ليست تطبيقًا يمكن تحميله على هاتفكم".
ورغم مشاكله الصحية، واصل جدولًا مزدحمًا من اللقاءات والزيارات. في 2021، خضع لعملية جراحية أُزيل فيها 33 سم من أمعائه، كما خضع لجراحة إضافية في 2023 بعد إصابته بالتهاب في الشعب الهوائية.
إرث في الميزان: هل تستمر الإصلاحات بعده؟
مع رحيله، تتوجه الأنظار إلى المجمع المغلق للكرادلة، الذي يُتوقع أن ينعقد خلال 15 إلى 20 يومًا. ستحدد قرارات الكرادلة ما إذا كانت رؤية البابا فرنسيس للإصلاحات والانحياز للفقراء ستُحفظ وتُستكمل، أو ما إذا كانت التيارات المحافظة ستعيد الإمساك بمفاصل الكنيسة.
في وداعه، يرحل البابا فرنسيس تاركًا وراءه إرثًا من التواضع، والدفاع عن الإنسان، وأملًا في كنيسة أقرب للضعفاء من القصور.
بعض مقولات البابا فرانسيس
كيف لا يُعد موت متشرد مسن من البرد خبرًا، في حين يصبح انخفاض نقطتين في سوق الأسهم خبرًا؟!
مسألة الحقيقة، في جوهرها، هي مسألة ذاكرة… ذاكرة عميقة، لأنها تتعلق بشيء يسبق وجودنا،شيء يمكنه أن يوحّدنا بطريقة تتجاوز وعينا الفردي الصغير والمحدود. إنها سؤال عن الأصل الأول لكل ما هو كائن، ذلك الأصل الذي، في نوره، نستطيع أن نلمح الهدف، ومن خلاله نكتشف معنى الطريق الذي نسلكه معًا.
تتغير الظروف؛ يتغير الناس. فكن أول من يسعى للاتيان بالخير .لا تعتد الشر، بل اهزمه بالخير.
هذه هي معركة كل إنسان: أن يكون حرًا أو عبدًا.
اللامبالاة خطيرة، البريء منها أو المغرض
إذا كانت قلوبنا مغلقة، إذا كانت مصنوعة من حجر، فإن هذه الحجارة ستجد طريقها إلى أيدينا ونصبح مستعدين لقذفها.
لدينا قلب واحد فقط، والوضع البائس الذي يدفعنا لإساءة معاملة الحيوان هو ذاته سيظهر في علاقاتنا مع الآخرين. كل عمل قسوة تجاه أي مخلوق هو ضد الكرامة الإنسانية.








