- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
«فورين بوليسي»: كيف تتلاعب الهند بجميع الأطراف للاستفادة من حرب أوكرانيا؟
«فورين بوليسي»: كيف تتلاعب الهند بجميع الأطراف للاستفادة من حرب أوكرانيا؟
- 9 يونيو 2022, 3:51:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الهند، التي يتودد إليها الآن جميع الأطراف، هي المستفيد بوضوح من حرب روسيا في أوكرانيا.
نشرت مجلة «فورين بوليسي» تحليلًا لديريك جروسمان، محلل دفاعي كبير في مؤسسة راند، وأستاذ مساعد في جامعة جنوب كاليفورنيا، حول طموحات الهند للصعود إلى مرتبة القوة العظمي في عالم من المرجَّح أن يكون متعدد الأقطاب، مشيرًا إلى الاستفادة التي تحققها الهند من الحرب الروسية في أوكرانيا والتي جعلت جميع الأطراف تتودد إليها وتبتعد عن توجيه النقد لها، وذلك نظرًا إلى اعتمادها على الطاقة والعتاد العسكري الروسيين.
ويستهل الكاتب تحليله بالقول: في كل أزمة، دائمًا ما يستفيد شخص ما. وفي حالة الغزو الروسي لأوكرانيا، هذا الشخص هو رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ومن خلال رفض إدانة موسكو والانضمام إلى العقوبات التي يقودها الغرب، تمكن مودي من رفع مكانة الهند العالمية. وبات كل من القوى الكبرى الأخرى – الولايات المتحدة وروسيا والصين – يغازل الهند بشدة لحرمان خصومها من ميزة إستراتيجية.
ويستمتع مودي وحكومته القومية الهندوسية بتسليط الضوء عليهما وسوف يسعيان بالتأكيد للحفاظ على استمرار ذلك الزخم. وهدفهما المحتمل هو بناء دور قوة عظمى مستقل للهند، وتسريع الانتقال إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، وفي النهاية ترسيخ مكانة الهند الجديدة بالحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
الهند وأمريكا.. شراكة إستراتيجية
ولا شيء من هذا ينفي حقيقة أن الولايات المتحدة أصبحت أهم شريك إستراتيجي للهند. وأحرز البلدان تقدمًا هائلًا في السنوات الأخيرة. ومنذ عام 2018، عقدت نيودلهي وواشنطن مؤتمرات قمة سنوية ووقَّعتا عديدًا من الاتفاقيات الأمنية الرائدة. وكلا البلدين جزء من الحوار الأمني الرباعي (المعروف باسم الرباعية)، إلى جانب أستراليا واليابان. وفي قمة الرباعية في طوكيو الشهر الماضي، التقى مودي بالرئيس الأمريكي جو بايدن شخصيًّا للمرة الثانية، في تكملة لمناقشات افتراضية جارية بين البلدين.
وانضمت نيودلهي أيضًا إلى إطار العمل الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل الرخاء، والذي أُزيح عنه الستار مؤخرًا في واشنطن، والذي يهدف إلى تكثيف العلاقات الاقتصادية في المنطقة دون إبرام معاهدة تجارية رسمية. وخلال شراكتهما المزدهرة، تعهدت الهند والولايات المتحدة، بصفتهما أكبر ديمقراطيتين في العالم، بتوجيه قيمهما المشتركة (ومصالحهما الإستراتيجية في احتواء الصين) لدعم النظام الدولي الليبرالي القائم على القواعد.
ولكن عندما غزَت روسيا أوكرانيا، قررت الهند اتباع سياسة مفرطة في الواقعية وحماية المصالح الهندية قبل كل شيء – ليس أقلها اعتمادها العميق على روسيا للحصول على المعدات العسكرية. وبدلًا من توجيه سهام الإدانة إلى دولة ذات سيادة بسبب غزوها وسعيها لتدمير دولة أخرى – وهو انتهاك لا جدال فيه للنظام القائم على القواعد – اعترضت الهند. وفي البداية، بدت إستراتيجية حكومة مودي وكأنها تهدف إلى الإضرار بالشراكة بين الولايات المتحدة والهند. وفي مارس (آذار)، وصف بايدن التزام الهند بمعاقبة روسيا بأنه «مهتز إلى حد ما». وفي أوائل أبريل (نيسان)، زار نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي داليب سينج نيودلهي وحذر من «عواقب» محتملة للدول التي تحاول تقويض العقوبات الأمريكية.
وبحلول منتصف أبريل، غيَّرت إدارة بايدن نغمتها تغييرًا كبيرًا. والتقى بايدن ومودي افتراضيًّا خلال انطلاق ما يسمى بحوار 2 زائد 2 في واشنطن. وبعد الاجتماع، كان من الواضح أن بايدن وافق على موقف مودي. وأشار البيان الأمريكي إلى أن الزعيمين سيواصلان «مشاوراتهما الوثيقة» بشأن روسيا، دون أي مؤشر على استعداد واشنطن لاتخاذ أي إجراء ضد نيودلهي. وبالإضافة إلى ذلك، لم يكن على الهند إدانة روسيا أو تقديم أي تنازلاتٍ أخرى، مثل تقليص أو إنهاء استيرادها للنفط الروسي الرخيص.
وستسهم هذه الاتجاهات في صعود الهند إلى مكانة القوة العظمى وتحوُّل النظام العالمي نحو تعددية قطبية أكبر.
واشنطن لن تضغط على نيودلهي
ويوضح الكاتب أن التصريحات اللاحقة من البيت الأبيض تشير بوضوح إلى أن واشنطن لن تضغط على نيودلهي أكثر من ذلك، ربما خوفًا من تدمير التعاون في مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين، على سبيل المثال، في أبريل (نيسان) إن «الهند يجب أن تتخذ قراراتها الخاصة حول كيفية التعامل مع هذا التحدي». وفي طوكيو الشهر الماضي قال بايدن: «أنا ملتزم بجعل شراكة الولايات المتحدة والهند من بين أقرب أنواع الشراكة لدينا على وجه الأرض»، على الرغم من الاختلافات فيما يتعلق بروسيا. وفي بيانهما المشترك، أدان بايدن وحده روسيا ولكن مودي لم يفعل ذلك. وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي بدا فيها الفارق واضحًا بين مواقف الزعيمين.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، حافظت الهند أيضًا على علاقاتها الوثيقة مع روسيا من خلال الامتناع المتكرر عن التصويت في الأمم المتحدة عندما قدمت الدول الغربية قرارات ضد روسيا. وتتمتع روسيا والهند بشراكة طويلة الأمد تعود إلى الحرب الباردة، عندما اعتقدت نيودلهي أن واشنطن تدعم بنشاط عدوها اللدود؛ باكستان. ولطالما قدَّرت الهند الدعم الروسي، لا سيما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يُطرح الوضع الإقليمي لجامو وكشمير باستمرار.
وتتمتع الهند أيضًا بتاريخ طويل من الاستفادة من شراكتها مع روسيا ضد منافستها الأخرى الصين، التي تعاني معها توترات حدودية مستمرة، وعلى مدى عقود، اشترت الهند أسلحة روسية. ووفقًا لأحد التقديرات الحديثة، فإن ما يقرب من 85% من المعدات العسكرية الهندية روسية المصدر. وابتداء من الشهر الماضي، وردَ أن إدارة بايدن كانت تدرس تمويلًا عسكريًّا بقيمة 500 مليون دولار للهند لفَطمِها عن المعدات الروسية الصنع. وتغاضت واشنطن أيضًا حتى الآن، عن تطبيق قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (فارا) فيما يتعلق بشراء نيودلهي لنظام صواريخ أرض-جو «إس-400» من موسكو، مما يشير إلى أن الهند ببساطة مهمة للغاية لإستراتيجية الولايات المتحدة في المحيط الهندي والهادي بحيث يصعب المخاطرة بإغضابها عن طريق فرض عقوبات.
الهند تستفيد من الحرب
وأكد الكاتب أن الهند استفادت استفادة أكبر من النفط والفحم الروسيين المنخفضي الثمن منذ اندلاع الحرب. وعلى الرغم من أن وزير الشؤون الخارجية الهندي إس. جايشانكار، سَخِر في أبريل من أن الهند ربما تستورد نفطًا روسيًّا خلال شهر أقل مما تستورده أوروبا في فترة ما بعد الظهر في يوم واحد، ارتفعت واردات نيودلهي النفطية من روسيا ارتفاعًا حادًّا بعد فرض عقوبات بقيادة الغرب على موسكو.
وينطبق الشيء نفسه على الفحم، حيث تنخفض مخزونات الهند على نحو ينذر بالخطر. ومن المؤكد أن الهند مُمتنَّة أن تتاح لها الطاقة الروسية لدعم تنميتها. والانتقادات الغربية لهذه الواردات، التي تأتي بعد عقود من مخاطبة الهند بشأن انبعاثات الوقود الأحفوري، قد أزعجت فقط أكبر دولة في عالم ما بعد الاستعمار – دولة لا تزال تحمل حساسياتٍ عميقة عندما يبدو أن الدول الغنية ذات الأغلبية البيضاء تخبرها بالتخلي عن مصالحها الوطنية في أمن الطاقة والتنمية التي تغذيها الطاقة.
ولكي تشكر موسكو نيودلهي على دعمها الثابت في حماية روسيا في الأمم المتحدة، زار وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الهند في أبريل. وأثناء وجوده هناك، أشاد بنظام تبادل العملات بين الروبية والروبل، الذي يوفر وسيلة بديلة لإجراء المعاملات مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات. وبالإضافة إلى ذلك، قال لافروف: «سنكون مستعدين لتوريد أي سلع تريد الهند شراءها». وبالنظر إلى مناقشات مودي المستمرة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منذ الحرب، أثار لافروف إمكانية أن تؤدي الهند دور الوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي من شأنه أن يضع الهند في موقع بارز للغاية على الساحة العالمية.
ونظرًا إلى أن موقف الهند المحايد يتعارض بوضوح مع سياسة الولايات المتحدة، شعرت بكين أيضًا بفرصة إستراتيجية لإشراك نيودلهي – بهدف أساسي هو انتزاعها من أحضان واشنطن القوية. وفي مارس، كان وزير الخارجية الصيني، وانج يي، أول مسؤول صيني كبير يزور الهند منذ عام 2019، حيث أوضح أن بكين تغازل نيودلهي. وقال: «إذا تعاون البلَدَان، فإن العالم بأسره سيهتم لذلك».
وفي الفترة التي سبقت زيارة وانج، أبدت الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني التي تصدر باللغة الإنجليزية،«جلوبال تايمز»، أيضًا نبرة تصالحية غير عادية، حيث كتبت: «تشترك الصين والهند في مصالح مشتركة على جبهات عديدة. على سبيل المثال، أشار الغرب مؤخرًا بأصابع الاتهام إلى الهند فيما يتعلق بشراء النفط الروسي بسعر مخفض، لكنه حق مشروع للهند».
الهند لا تريد التقرب من الصين حرصًا على الفوائد من أمريكا
واستدرك الكاتب قائلًا: غير أن المسؤولين الهنود لم يكونوا مستعدين للتقرب من الصين جزئيًّا بسبب الفوائد التي يتلقونها بوقوفهم على الحياد، وعلى الأخص من الولايات المتحدة. وعقب زيارة وانج، تساءل جايشانكار خطابيًّا: «هل يميز الأمريكيون ويفرقون بين الهند والصين حول مواقفهما تجاه روسيا وسط أزمة أوكرانيا؟ من الواضح أنهم يفعلون ذلك». وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة والهند، يظل الحفاظ على الاستقلال الإستراتيجي للهند من خلال سياسة عدم الانحياز هدفًا طويل الأمد لنيودلهي.
وفي السياق الروسي ومع اشتداد المنافسة بين القوى العظمى، أثبت هذا الموقف أنه مفيد فائدة من نوع خاص إزاء الصين. وعلاوةً على ذلك، هناك صراع حدودي طويل الأمد بين الصين والهند والذي قالت نيودلهي إنه يجب حله قبل تطبيع العلاقات الثنائية. ولم يقدِّم وانج أي خدمة لنفسه من خلال التوقف في باكستان أولًا والإدلاء بتعليقات مناهضة للهند حول وضع جامو وكشمير. وبدلًا من الموافقة على موقف بكين المؤيد علنًا لروسيا، قررت نيودلهي المضي قدمًا في طلب صيني مختلف: مشاركة مودي المستمرة في منتدى بريكس، الذي يجمع البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وبعيدًا عن القوى العظمى، فازت الهند أساسًا بالجدال مع الدول الرئيسة في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. على سبيل المثال، زار رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الهند في أبريل وعلق قائلًا: «العلاقات بين روسيا والهند معروفة تاريخيًّا، و(تصرفات نيودلهي) لن تغير ذلك». وأظهرت جولة مودي التي شملت ثلاث دول، هي ألمانيا والدنمارك وفرنسا، الشهر الماضي أن الهند لن تُهمَّش بسبب سياستها تجاه روسيا. وعلى العكس من ذلك، حظي مودي في جميع الدول الثلاث باستقبال حار. وفي حالة ألمانيا، لا يزال مودي على قائمة الضيوف للانضمام إلى دول مجموعة السبع في وقت لاحق من هذا الشهر في جبال الألب البافارية.
وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، قال رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، عند سؤاله عن الهند في القمة الرباعية الشهر الماضي، إن: «لكل دولة تطوراتها التاريخية الخاصة بالإضافة إلى موقفها الجغرافي. حتى بين الدول ذات التفكير المماثل، قد لا تتفق المواقف اتفاقًا كاملًا. وهذا طبيعي للغاية». وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الأسترالي الجديد، أنتوني ألبانيز، لم يمضِ على جلوسه في منصبه سوى بضعة أسابيع، فقد التقى مع مودي على هامش القمة الرباعية وتفاخر بأن العلاقات الثنائية «لم تكن أوثق في أي وقت مضى» على الرغم مما قاله ألبانيز إنه جرى تبادل «وجهات نظر قوية» حول روسيا خلال إجراءات الرباعية.
ويختتم الكاتب تحليله قائلًا: لقد أفادت الحرب الروسية في أوكرانيا الهندَ بلا شك، حيث تتنافس القوى العظمى بقوة أكبر لاستمالة نيودلهي، لا سيما الولايات المتحدة والصين. وكذلك سَعَت الهند لكي تؤدي سياستها تجاه روسيا إلى إفساد الشراكات مع الشركاء الرئيسيين في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهذه الاتجاهات، إذا استمرت، ستسهم في صعود الهند إلى مكانة القوة العظمى، وبذلك، ستحول النظام العالمي نحو تعددية قطبية أكبر.
والتصعيد الخطير في الصراع الروسي الأوكراني، الذي قد يجبر الهند في النهاية على اختيار أحد الجانبين بين القوى العظمى، هو الأمر الذي يمكن أن يعرقل نجاح نيودلهي. ويمكن للشركاء الذين تسامحوا حتى الآن مع نهج الهند القائم على السياسة الواقعية أن يصابوا بالإحباط لأن نيودلهي ترفض الاستعانة بثقلها بصفتها قوة عظمى صاعدة. ولكن ما لم يحدث هذا أو إلى أن يحدث، تظل الهند بقيادة مودي مستعدة لمواصلة الاستفادة من هذه الأزمة.