- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
أبعاد فوز "أردوغان" في الانتخابات الرئاسية التركية
أبعاد فوز "أردوغان" في الانتخابات الرئاسية التركية
- 30 مايو 2023, 5:44:25 ص
- 439
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات بتركيا، مساء يوم التصويت بالجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية في 28 مايو 2023، عن فوز الرئيس التركي الحالي “رجب طيب أردوغان” بولاية رئاسية ثالثة تمتد لخمس سنوات مقبلة بنسبة 52.18%، وبفارق أكثر من مليونَي صوت عن منافسه مرشح تحالف الأمة المعارض “كمال كليجدار أوغلو”، الذي حصل على 47.8% واعترف بهزيمته، في أهم استحقاق ديمقراطي يمر على البلاد منذ عقدين. وقد يواجه “أردوغان” – الذي احتفل مع أنصاره غناءً بالفوز الصعب الذي حقَّقه بعد ماراثون انتخابي طويل، وتلقَّى التهاني من رؤساء الدول عليه – تحديات قد يكون أولها تشكيل الحكومة الجديدة، واحتواء تداعيات تصاعد التيارات القومية، ومراجعة السياسة الخارجية والدور التركي الإقليمي.
المشهد الانتخابي
خاض الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية مرشحان؛ هما: الرئيس الحالي “رجب طيب أردوغان” مرشح “تحالف الشعب” الحاكم الذي يضم أحزاب (العدالة والتنمية، والحركة القومية، والخير، والرفاه)، و”كمال كليجدار أوغلو” مرشح “تحالف الأمة” المعارض الذي يضم أحزاب (الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطية والتقدم، والمستقبـل، والديمقراطي). وقد استدعت جولة إعادة الانتخابات الرئاسية عدداً من الملامح الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:
1– تشابُه المشهد الانتخابي مع الجولة الأولى: تشابَه المشهد الانتخابي بالجولة الثانية للانتخابات بالرئاسية التركية مع الجولة الأولى؛ حيث اتسم التصويت في كافة المحافظات الـ81 بالهدوء والالتزام بالقانون والتنظيم المتميز. ورغم توقُّع تراجع نسبة المشاركة في الجولة الثانية، فإنها انخفضت بنسبة طفيفة من (85%) في الجولة الأولى إلى (83%) بالجولة الثانية، وكذلك شهدت المحافظات العشر التي تعرضت للزلزال المدمر في 6 فبراير 2023 – ومنها (هاتاي، وغازي عنتاب، وكهرمان مرعش) – مشاركة كبيرة في الجولة الأولى، وصوتت “لأردوغان” أيضاً، ولم تسجل حالات كبيرة لخروقات انتخابية أو أعمال عنف، ومع ذلك تمت زيادة إجراءات التحوط الأمني خشية حدوث أي أعمال عنف بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات.
2– استمرار التصويت الحزبي والمناطقي: من خلال قراءة نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية، نجد أنها أكدت ما توصلت إليه تحليلات نتائج الجولة الأولى؛ من تصاعد التصويت للتيارات القومية، وهو ما منح “أردوغان” الفوز بعد دعمه من قِبل المرشح السابق القومي “سنان أوغان”، وكذلك صوتت المحافظات الكردية “لأوغلو” وجددت دعمها له، كما استمر التصويت على أساس حزبي مناطقي؛ فقد فاز “أوغلو” بالمدن الكبرى ذات الأغلبية الحضرية العلمانية، كأنقرة وإسطنبول، بينما فاز “أردوغان” بمحافظات جنوب ووسط الأناضول المحافظة المعروفة بتأييدها لحزبه “العدالة والتنمية”. ورغم هذا كانت هناك حالات نادرة كسرت التصويت المناطقي، ومنها ولاية “شرناق” الكردية التي صوَّتت “لأردوغان”.
3– تصاعد أهمية الدعاية الانتخابية لأردوغان: ربما يكون من عوامل فوز “أردوغان” هو نجاح الحملة الانتخابية له بالجولة الثانية التي كانت أكثر زخماً وقوةً من حملة منافسه “أوغلو”؛ إذ لم يوفر الرئيس التركي أي جهد في حشد واستقطاب الناخبين له؛ حيث وظف قدرته الخطابية وخبرته السياسية التي تتجاوز خمسة عقود للفوز بالانتخابات، وقد برز ذلك في يوم 27 مايو الحالي قبل الصمت الانتخابي بأربع ساعات؛ حين ألقى “أردوغان” خطابه الأخير قبل التصويت في إسطنبول وسط حشد جماهيري، وطلب من الناخبين التصويت له، واستخدم كلمات بارعة في ذلك، قائلاً لهم: “تركيا أمانة لديَّ، وأنا أمانة لديكم، ليس إلى الأحد فقط؛ بل حتى النهاية”، ثم قام بزيارة ضريح الصحابي “أبو أيوب الأنصاري”، وضريح رئيس الوزراء الأسبق المحافظ “عدنان مندريس” (الذي أُعدِم بعد انقلاب عسكري في 1950)، وجدَّد اتهاماته “لأوغلو” بتلقي دعم من الإرهابيين وحزب العمال الكردستاني، في المقابل لم يقدم “أوغلو” أي نشاط انتخابي في ذلك اليوم.
4– التأثير المعاكس للخطاب الصدامي لأوغلو: في الوقت الذي حرص فيه “أردوغان” على تكرار زيارة المتضررين من الزلزال، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وتعهَّد بسرعة إعادة إعمار مناطقهم، فإن “أوغلو” لم يقم بزيارتهم، وهاجمت وسائل الإعلام المعارِضة سكان هذه المدن؛ لأنهم صوَّتوا “لأردوغان” في الجولة الأولى، واستمرَّ “أوغلو” في اعتماده على تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي، وصعَّد الخطاب القومي المتشدد، وخاصةً ضد اللاجئين السوريين، وتعهَّد بترحليهم حال فوزه؛ ما دفعهم إلى التصويت “لأردوغان” (هناك 120 ألف سوري حصلوا على الجنسية التركية ولهم حق التصويت) خشية الترحيل، بعدما انتابتهم حالة من القلق والخوف من تعرُّضهم لأعمال عنف أو اضطهاد بعد إعلان النتائج.
5– انتقاد المعارضة العمليةَ الانتخابية: صحيحٌ أن أغلب المراقبين أجمعوا على نزاهة الانتخابات في الجولتين الأولى والثانية، وأن “أردوغان” أكد أن “الديمقراطية والشفافية هي الفائز في الانتخابات”، بيد أن “أوغلو” انتقد ذلك وأكد منع مراقبيه من دخول لجان الاقتراع، وكذلك التضييق عليه خلال حملاته الانتخابية، واتهم “أردوغان” بأنه سخَّر كل “إمكانات الدولة ليفوز”، ومنها على سبيل المثال أن وسائل الإعلام الحكومية خصصت 32 ساعة حوارات ولقاءات مع “أردوغان” مقابل 32 دقيقة فقط “لأوغلو”.
دلالات رئيسية
احتفل “أردوغان” بفوزه بالغناء مع مناصريه، وألقى خطابَين: الأول في إسطنبول أمام منزله، والثاني الخطاب الرسمي بالقصر الرئاسي في أنقرة، وبدت عليه السعادة في الخطابَين، بعكس “أوغلو” الذي أقرَّ بالهزيمة وتعهَّد بمواصلة العمل. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدد من الدلالات الرئيسية المتصلة بالانتخابات:
1– تعزيز قوة التحالف الحاكم: فوز “أردوغان” يدين به لكافة أحزاب التحالف الحاكم، وليس لحزب “العدالة والتنمية” فقط. والتحالف هو تحالف “الشعب الجمهوري” المُكوَّن من أربعة أحزاب بين القوميين والمحافظين، وهذا التحالف سيشكل المجتمع التركي والسياسات الداخلية والخارجية المقبلة، لا سيما تصاعد الصوت القومي داخل التحالف بوجود زعيمَين قوميَّين؛ هما: رئيس حزب الحركة القومية “دولت بهجلي”، والمرشح السابق “سنان أوغان”، وقد تأكد ذلك بعد وقوفهما مع “أردوغان” بعد إلقائه خطاب الفوز بأنقرة لتأكيد “العمل الجماعي للتحالف” وليس لحزب “العدالة والتنمية” فقط. وهذه الأحزاب القومية تتبنى أفكاراً مناهضةً للعلمانية، وتُعظِّم التاريخ التركي، وهذا يؤكد تصاعد “التيار الأوراسي” بالمجتمع التركي، وانتقاله من المؤسسة العسكرية إلى مؤيدي بهجلي وأردوغان الذين يرون أن تركيا مستقبلها في تعزيز العلاقات مع روسيا والدول الآسيوية والعربية والإسلامية ودول منظمة الدول التركية.
2– طرح “أردوغان” أجندة سريعة للقضايا الملحة: ألقى “أردوغان” كلمة الفوز مرتين: الأولى في إسطنبول قبل الإعلان النهائي للنتائج، والثانية من القصر الرئاسي بأنقرة فجر يوم 29 مايو الحالي أمام حشد من أنصاره، وأكد أنه “يحب الشعب التركي كله”، وتعهد “ببناء مئوية تركيا”، وانتقد نتائج الانتخابات البرلمانية والمقاعد التي حصل عليها تحالف “الأمة” المعارض؛ لأنه ضم مقاعد برلمانية لأحزاب صغيرة دخلت البرلمان لأول مرة، وتعهد بالعمل ومعالجة آثار الزلزال ونقل المتضررين إلى مساكن جديدة قبل الشتاء المقبل، وتقليل نسبة التضخم بالاقتصاد، والحفاظ على الأمن والاستقرار بالبلاد، وتنسيق العودة الطوعية للاجئين بشكل آمن إلى سوريا.
3– تمسك “أوغلو” بمواصلة المنافسة السياسية: ألقى المرشح الخاسر “أوغلو” خطاباً أكد فيه أن الانتخابات “غير عادلة”، ودعا أنصاره “لدعم الديمقراطية وعدم اليأس”، وجدد انتقاده وجود اللاجئين والأزمة الاقتصادية بالبلاد، وشكر الأحزاب المشاركة معه في تحالف “الأمة” المعارض، وأكد أنه سيواصل العمل لتحقيق تطلعات الشعب، ولم يعلن خطوته المقبلة بعكس التوقعات التي رجَّحت استقالته من منصبه، وربما يتم هذا بعد بحثه مع زعماء الأحزاب الست الذين عقدوا اجتماعاً بمقر حزب الشعب الجمهوري بأنقرة عشية الانتخابات؛ لبحث موقفهم من الانتخابات الرئاسية؛ لأنهم حققوا فوزاً كبيراً في الانتخابات البرلمانية، بينما أكدت رئيسة حزب الخير “ميرال أكشينار” أن “الانتخابات حملت درساً لأردوغان يجب عليه تعلُّمه، وأن يكون رئيساً لكل الأتراك”.
4– تأكيد الأزمة البنيوية داخل المعارضة التركية: فشل أحزاب المعارضة الستة في الفوز بالانتخابات الرئاسية، رغم استعدادها الجيد وتوحيدها في تحالف واحد، قد يدل على وجود أزمة بنيوية في التحالف الذي يضم أحزباً متناقضة من الصعب الجمع بينها، مثل (القومية والكردية) و(العلمانية والإسلامية المحافِظة)؛ الأمر الذي ربما يكون دفع مناصري هذه الأحزاب إلى عدم التصويت؛ لمنع فوز مرشح حزب منافس، كما أن اختيار “أوغلو” منافساً “لأردوغان” كان خطأ؛ بسبب فشله لمدة 13 عاماً خاض خلالها 15 فعالية انتخابية في الفوز أمام “أردوغان”؛ ما يؤكد ضعف شعبيته، كما أنه اعتمد على تضخيم قضية اللاجئين السوريين، وتحميلهم نتائج الأزمة الاقتصادية بالبلاد، وهذا غير صحيح، وقبل أسبوع من الانتخابات، أعلن عن تحالفه مع حزب النصر المتشدد اليميني برئاسة “أوميت أوزداغ” الذي ينتقده معظم الشعب التركي وليست له شعبية.
5– الإعداد المبكر للانتخابات البلدية 2024: من المُحتمَل أن يكون أحد أهداف “أردوغان” استمرار حالة الحشد الجماهيري، والمحافَظة على الكتلة التصويتية لتحالف الشعب الحاكم كله؛ ليضمن فوزه في الانتخابات البلدية المقبلة المقررة في مارس 2024، التي خصص لها “أردوغان” نصيباً من حملته الانتخابية في الجولتين الأولى والثانية؛ حيث انتقد رئيس بلدية إسطنبول تحديداً دون ذكر اسمه (أكرم إمام أوغلو)؛ حيث يصر “أردوغان” على استعادة السيطرة على المدن الكبرى (إسطنبول، أنقرة، أزمير، أضنة) بعد سيطرة حزب الشعب عليها في الانتخابات السابقة عام 2019، كما أن هذه المدن هي التي خسرها في الانتخابات الرئاسية؛ فاستعادتها ستمثل انتصاراً له.
6– الاستمرارية المحتملة في السياسة الخارجية التركية: بالرغم من طبيعة مكونات أحزاب التحالف الحاكم، فإنه ليس من المرجح أن يحدث تغير جذري في السياسة الخارجية التركية التي انتهجها “أردوغان” خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بالتهدئة مع دول المنطقة، وموازنة العلاقات مع الدول الغربية، مع تجنُّب الانحياز التام إليها، وخصوصاً فيما يتعلق بالملف الروسي الأوكراني؛ إذ ستظل العلاقات مع روسيا مهمة بالنسبة إلى أردوغان. وحتى على مستوى قضية اللاجئين، ربما يدفع “أردوغان” نحو تسريع خطوات تطبيع العلاقات مع النظام السوري بهدف تسهيل عملية الإعادة الطوعية للاجئين السوريين.
مما سبق، نجد أن الانتخابات أظهرت رغبة المواطن التركي في الحفاظ على الأمن والاستقرار الذي وفَّره “أردوغان” منذ عقدَين، بيد أن الأخير عليه تعظيم فرصه السياسية واستغلالها لمواجهة الأزمة الاقتصادية وإعادة إعمار مناطق الزلزال بمدن جنوب تركيا، ومواجهة عدد من التحديات، ومنها احتواء الانقسام المجتمعي، وتصاعد التيارات القومية واليمينية ضد الأجانب واللاجئين، لا سيما السوريين، ومعالجة المعضلة الكردية التي ثارت بشدة في الحملات الانتخابية؛ لمنع تصاعد أعمال العنف بالبلاد، وكذلك الحفاظ على التوازن في علاقات أنقرة بين موسكو وواشنطن، ومراجعة توجهاتها الخارجية، وحل القضايا الخلافية بين أنقرة وواشنطن، واستكمال المصالحات الإقليمية بالتطبيع مع سوريا.