أحمد إشجان يكتب: أبواب “قرن تركيا” فُتحت مع انتخابات 2023.. لهذا اختار الاتراك أردوغان ليكون رئيسهم الـ 13

profile
  • clock 29 مايو 2023, 5:19:56 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في 28 مايو/أيار عام 2023 اتخذت تركيا قرارها في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. وفاز أردوغان في الانتخابات بنسبة 52.16% من الأصوات مقابل 47.84% لصالح كليجدار أوغلو، ليستمر في منصب الرئيس لولاية جديدة. وواضح أن هذه النتيجة توقعها كثير من المحللين بعد الجولة الأولى من الانتخابات. وبعد إعلان سنان أوغان، المرشح الرئاسي لتحالف الأجداد، دعمه لتحالف الجمهور، ازدادت هذه التوقعات قوة.

وهكذا، أثبت أردوغان، الذي فاز في كل انتخابات شارك فيها منذ عام 2002، صلابته مرة أخرى.

التحليلات الأولى للانتخابات

بادئ ذي بدء، شهدت الجولة الثانية انخفاضاً متوقعاً في نسبة المشاركة مقارنة بالجولة الأولى. إذ تراجعت نسبة المشاركة من 88.84% في الجولة الأولى إلى 85.71% في الجولة الثانية. وهذا الفارق في نسبة المشاركة بين الجولتين يعادل نحو مليوني ناخب. وربما ساهم في ذلك عاملان:

الأول: أن ناخبي المعارضة الذين توقعوا فوزاً واضحاً في الجولة الأولى أصيبوا بخيبة أمل وفضلوا عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

الثاني: أن بعض ناخبي محرم إنجه، الذي انسحب من الانتخابات قبل أيام قليلة من الجولة الأولى، وسنان أوغان، مرشح تحالف الأجداد، ربما امتنعوا عن التصويت بعد خروج مرشحيهما. وذلك لأن محرم إنجه حصل على 0.43% من الأصوات في الجولة الأولى رغم انسحابه. وهذه أصوات الناخبين الذين قالوا صراحة إنهم لا يرغبون في دعم تحالف الجمهور وتحالف الأمة.

أما في تصويت الخارج، فتراجع عدد المشاركين في التصويت بحوالي 90 ألف ناخب بين الجولتين. وفي ألمانيا، التي تضم أكبر عدد من الناخبين في الخارج، امتنع 30 ألف ناخب عن المشاركة.

حين نأخذ في الحسبان أن معدل التصويت لتحالف الأمة في ألمانيا كان مماثلاً لمعدل التصويت له في الجولة الأولى، يمكننا القول إن خسارة الـ30 ألف ناخب كانت من تحالف الجمهور. ربما كان ذلك بسبب تأكُّد الناخبين في الخارج من فوز أردوغان وصعوبة وصول الناخبين الذين يقطنون في أماكن بعيدة إلى مكاتب التصويت في الخارج، من ضمن الأسباب أيضاً.

جانب آخر جدير بالملاحظة في هذه الانتخابات هو تراجع الأصوات الممنوحة لكليجدار أوغلو وما نتج عن ذلك من زيادة في الأصوات الممنوحة لأردوغان، لا سيما في الولايات الشرقية في تركيا.

فمثلاً شهدت ولاية ديار بكر، إحدى أكبر المحافظات في شرق تركيا، انخفاضاً بنسبة 6% في إقبال الناخبين، فيما لم تتغير حصة كليجدار أوغلو من التصويت تقريباً وزادت أصوات أردوغان بنسبة 2%.

بالمثل في محافظات شرقية أخرى، تراجعت أيضاً حصة كليجدار أوغلو من الأصوات، وهذا يمكن إرجاعه لعاملين.

الأول: أن التغيير السريع والحاد لخطاب كليجدار أوغلو بعد الجولة الأولى وتحوله إلى خطاب قومي متشدد أفقده مصداقيته بين بعض الناخبين الأكراد، كما زاد إعلان أوميت أوزداغ عن دعمه لتحالف الأمة، وتلميحه أنه مرشح لمنصب وزير الداخلية فقد يكون هذا أيضاً له تأثير الأكبر على الناخبين، ففي الولايات الشرقية تحول ما يقرب من مليون صوت لصالح أردوغان.

الثاني: كان إجراء الانتخابات النيابية بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى من الانتخابات هو الدافع الأساسي لذهاب بعض الناخبين إلى صناديق الاقتراع. ففي الانتخابات البرلمانية، لم يتردد الناخبون في الشرق في التوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت للحزب أو المرشح البرلماني الذي يعرفونه ويدعمونه. لكن نفس هؤلاء الناخبين فضلوا عدم الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية للتصويت لكليجدار أوغلو.

فيما يتعلق بأغلبية الأصوات على مستوى المحافظات، كانت هطاي المحافظة الوحيدة التي تغيرت في الجولة الثانية بعد الجولة الأولى. فرغم أن  كليجدار أوغلو كان متقدماً في هطاي بهامش ضئيل جداً في الجولة السابقة، زادت الأصوات الممنوحة لأردوغان في الجولة الثانية وفاز بغالبية الأصوات في هذه المحافظة أيضاً، وهكذا تجاوزت أصوات أردوغان أصوات منافسه كليجدار أوغلو في جميع مدن الزلزال باستثناء أضنة.

أردوغان أثناء إلقائه خطاب الأحد 28 مايو/أيار 2023، أمام منزله في منطقة قصقلي بإسطنبول، بعد تقدمه في الانتخابات الرئاسية على منافسه مرشح تحالف المعارضة كمال قليجدار أوغلو/الأناضول
 

أول خطاب لـ"أردوغان" في إسطنبول بعد الانتخابات

ألقى أردوغان خطابه الأول بعد الانتخابات من مقر إقامته في "قيسيكلي" بإسطنبول، وهو أول خطاب غير رسمي بعد الانتخابات، حيث قال أردوغان إن تركيا انتصرت، وهاجم أردوغان في خطابه حزب الشعب الجمهوري وكليجدار أوغلو.

ففي الوقت الذي أعلن فيه استعداده للجولة الثانية في خطابه الذي أعقب الجولة الأولى من الانتخابات، أعلن أيضاً استعداده لانتخابات المحليات في خطابه الأول بعد انتهاء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة، وتحدث صراحة عن رغبته في استعادة بلدية إسطنبول، وهذا يُظهر من هو أردوغان المخضرم في الساحة السياسية، ففي كل حالة يتضح مدى دقة قراءته للعملية التالية ومدى استعداده لها.

من ناحية أخرى، هاجم أردوغان في خطابه مجتمع الميم وأنصارهم، وصرح بعد ذلك مباشرة بأن العنف ضد المرأة مرفوض تماماً، ورد على انتقادات المعارضة، خاصة من خلال حزبي الرفاه الجديد والدعوة الحرة. وأخيراً شكر أردوغان ضحايا الزلزال وأكد مرة أخرى أنه سيسلّمهم المنازل التي تعهد لهم بها في ظرف سنة.

خطاب الشرفة لـ "أردوغان"

كما تعلمون خطاب الشرفة هو أول خطاب رسمي بعد الانتخابات، فلأول مرة، لم يلقِ أردوغان خطاب انتصاره من شرفة مقر حزبه العدالة والتنمية، لكن من شرفة المجمع الرئاسي. يحمل هذا الموقف دلالة رمزية مهمة، حيث أظهر أردوغان بهذه الطريقة أنَّه أعيد انتخابه رئيساً لتركيا للمرة الثانية، أي أنَّه ترشح لمنصب الرئيس واستمر في منصبه بعد الانتخابات.

أكَّد أردوغان في خطابه من شرفة المجمع الرئاسي أنَّ تركيا بكل أطيافها هي الفائز في الانتخابات وأنَّه يقف في صف الدولة التركية بغض النظر عمَّن صوتت له، قائلاً "نحن غير مستائين أو غاضبين من أحد".

وكما فعل في أول خطاب له بعد الانتخابات، هاجم أردوغان حزب الشعب الجمهوري وكليجدار أوغلو من خلال التأكيد على عدد النواب الذي خسرهم حزب الشعب، مقارنةً بانتخابات 2018.

كما تحدث عن ذكرى فتح القسطنطينية "إسطنبول" بتاريخ 29 مايو/أيَّار، وهو ما أكَّد عليه أردوغان في نهاية خطابه بالحديث النبوي الذي استشهد به عن فتح القسطنطينية فذكر بحديث  رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش"، كما ألمح أيضاً أردوغان إلى استعادة إسطنبول في الانتخابات المحلية "البلدية".

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإلى جانبه رئيس الحركة القومية دولت بهشتلي، ورئيس حزب الرفاه الجديد فاتح أربكان – رويترز

انتقد أردوغان في بقية خطابه القوى الأجنبية والصحافة الأجنبية، في إشارة إلى أصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات الغربية مثل صندوق النقد الدولي، وصف أردوغان بعضهم بالمُرابين، وأكد أنَّ تركيا لن تخضع لهم، كما ردَّ أردوغان على الأخبار السلبية المنشورة عنه في الصحافة الأجنبية بالقول: "هم خسروا اليوم، وفازت تركيا".

شدَّد أردوغان في خطابه على مبدأين أساسيين: الاعتماد على النفس والاستقرار، وفي إشارة إلى اعتزامه صياغة سياسات تستند إلى هذين المبدأين في الفترة الجديدة، قال أردوغان إنَّه سيولي اهتماماً إلى إنشاء اقتصاد إنتاجي مع التركيز على الاستثمار والاستقرار.

من ناحية أخرى، أعاد التأكيد على خفض سعر الفائدة، قائلاً إنَّه سيحافظ على النموذج الاقتصادي الحالي، كما أشار إلى أنَّه سيحوّل تركيا إلى قاطرة إنجازات جديدة تفاجئ الجميع، قائلاً إنَّ أبواب رؤية "قرن تركيا" قد فُتحت مع هذه الانتخابات. 

تطرَّق أردوغان أيضاً إلى السياسة الخارجية وقضايا الأمن تحديداً، قائلاً في خطابه إنَّهم يعملون بالشراكة مع قطر من أجل "العودة الطوعية" للاجئين السوريين، واتفقوا على مشروع من أجل إعادة توطينهم.

من ناحية أخرى، تحدث أردوغان عن اقتراح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنَّ تصبح منطقة "تراقيا" مركزاً للطاقة، ويبدو أنَّ أردوغان بهذه التصريحات يشير ضمنياً إلى قربه الشخصي من بوتين وأمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني، وأنَّ هذا التقارب يعود على البلاد بمجموعة من المكاسب. من هذا المنظور، تحقق مكانة أردوغان الشخصية أيضاً مكاسب للبلاد.

لذلك يمكنني القول إنَّ أردوغان يعتمد على أسلوب خطاب قائم على الأمن، وفي الواقع يعد هذا الأسلوب أحد أهم أسباب فوز أردوغان في الانتخابات، حيث تشير نتائج الانتخابات إلى أنَّ غالبية الشعب التركي يواصلون دعم أردوغان على الرغم من المشكلات الاقتصادية، لكن الاستقرار والأمن كان العامل الرئيسي لدعمه في هذه الانتخابات.

حيث تحدث أردوغان دائماً لانتقاد خطاب المعارضة، لا سيما فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني وشمال سوريا، كما واصل أردوغان خطابه الأمني واستعد بشكلٍ ما للانتخابات المحلية المقرر عقدها في غضون 10 أشهر تقريباً.

فكما ذكرت أعلاه، يعد هذا أحد أكبر أسرار نجاح أردوغان: العمل وتطوير أسلوب الخطاب في كل موقف مع وضع الخطوة التالية بعين الاعتبار.

وكالة الأناضول / الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أبواب رؤية "قرن تركيا" فُتحت تماما

بالنظر إلى أنَّ عام 2023 هو بداية "قرن تركيا" بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، وصف أردوغان هذه الانتخابات بأنَّها بوابة "القرن التركي".

في الختام، أود إنهاء هذا المقال، متمنياً التوفيق للرئيس أردوغان في مواصلة أداء واجبه وأن يكون القرن التركي مباركاً علينا جميعاً.

كلمات دليلية
التعليقات (0)