- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
أحمد سراج يكتب : محاولة للنظر .. محمد عفيفي مطر
أحمد سراج يكتب : محاولة للنظر .. محمد عفيفي مطر
- 25 يونيو 2021, 1:52:14 ص
- 1050
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هل رجل وضربته تجيء من الوراء؟
" يأخذ الكتاب بقوة، يأخذ الشعر بقوة، يأخذ الحياة بقوة ؛ لا مكان لأي تنازل وإن كان مكان لضعف إنساني ؛ لحظة حب، إحساس بضعف خصم فعفو عند مقدرة. وكذا ترك القصيدة حتى تطيب فإن الطزاجة والجدة والجدية صرامة الحكم ونقيضها الخصم". هكذا قال محمد الفيتوري شاعر السودان الكبير.
محمد عفيفي مطر(1935 - 28 يونيو 2010)، شاعر مصري ولد بمحافظة المنوفية تخرج في كلية الآداب ـ قسم الفلسفة. وصدرت أعماله الكاملة عن دار الشروق عام2000، كما صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بعد وفاته. وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1989 وحصل على التقديرية 2006 وجائزة سلطان العويس في 1999، التي أوضحت في تقريرها أنها: "تقديراً لجهد إبداعي امتد قرابة أربعة عقود تمثل في تجربة شعرية أصيلة متنامية تستند إلى التراث الشعري العربي، قديمه وحديثه ، والشعر العالمي بمجمله، والموروث الشعبي والمعرفة الفلسفية، وتأمل الواقع الراهن والالتزام بقضاياه مما أتاح له تطوراً مفتوحاً متجدداً"
"إن شعرية عفيفي مطر هي شعرية التراكم لا القطيعة، وكأن قصائده عمرها ألف عام مع أنها بنت لحظتها، وهذا البعد الزمني المتوهم جاء لأن الإنسانية كلها حاضرة في هذه الشعرية، حاضرة بعقائدها وأساطيرها وخرافاتها وفلسفاتها وأحلامها وتاريخها، لا يمكن بحال أن نفصل هذه الشعرية الإنسانية الحضارية عن ذاتية عفيفي وهمّه الوطني والقومي والإنساني، إن قارئ مدونة عفيفي الشعرية سوف يقابل العالم كله في شخوصه المقدسة وغير المقدسة، في فلاسفته ومفكريه، في شعرائه وفنانيه، في زعمائه وطغاته، في سحرته ومخادعيه، في مناضليه ومتخاذليه، إن عفيفي رائد لزمن شعري، لا لجيل من الشعراء، هو زمن البكارة والجدة، وزمن النضج والاكتمال الذي لا نسأل فيه: ماذا قال هذا الشاعر؟ وإنما سؤالنا الأول: كيف قال ما قال؟" هكذا كتب محمد عبدالمطلب عن عفيفي مطر.
يعتبر مطر من أبرز شعراء جيل الستينيات في مصر، وقد تنوّعت مجالات عطائه بين المقالات النقدية وقصص الأطفال وترجمة الشعر، ومن دواوين عفيفي مطر "الجوع والقمر" الذي صدر في دمشق عام 1972، "ويتحدث الطمي" الذي صدر في القاهرة عام 1977، ورباعية "الفرح"، وصدر في لندن عام 1990، واحتفالية "المومياء المتوحشة"، وصدر في القاهرة عام 1992م، ولم يقتصر نشاط مطر على الشعر بل كانت له مساهماته النثرية منها "شروخ في مرآة الاسلاف" و"محمود سامي البارودي (دراسة ومختارات)" و"اوائل زيارات الدهشة" الى جانب قصص للأطفال بعنوان "مسامرات الاولاد كي لا يناموا"
كما قدم أعمالا في الترجمة الشعرية كما هي الحال مع ترجمة الاعمال الكاملة للشاعرة السويدية إديث سودر جران مع عدد من المترجمين الآخرين وكذلك مختارات من شعر الشاعر اليوناني إيليتيس وتراجم أخرى.
وهو في رأي الفلسطيني عبدالفضيل ادراوي: "وقد وجدنا الشاعر يمضي مضي الواثق من نفسه، محققا تراكما شعريا اتخذ القصيدة الحرة صيغته في القول، ومنفتحا على أشكال وصيغ تعبيرية أخرى، إذ كتب قصيدة النثر، وكتب القصيدة العمودية، وعبر كل الصيغ، لم يكن أسير ذاتية ضيقة، ولا رومانسية حالمة، بل ظلت هموم الواقع العربي، ومعاناة الإنسان في هذا الوطن المتحول، المكون الأبرز والمهيمن في كل كتاباته، والمتتبع لعالم عفيفي الشعري، يلمس بلا شك انفتاحه على الواقع الإنساني الممتد الفسيح، وعلى واقع الأمة العربية التي أنهكتها المآسي وكبلتها الأزمات. وتحولت من معسكر التحرر الوطني، إلى معسكر التبعية والاستسلام والارتهان للآخر، طوعا أحيانا، وكرها أحيانا أخرى. فكانت أعمال مطر جميعها بقيت وفية لهموم الشاعر التحررية، وطافحة بنزعته التغييرية الإصلاحية، المعبرة عن الإحساس بالغربة والضياع، ليس بوصفه ذاتا مفردة متحققة هنا والآن، ولكن بوصفه الشاعر الإنسان الذي يمثل كل الناس، ويعبر بلسانه بديلا عن ألسنتهم العاجزة. وبعبارة أخرى، لقد ظل عفيفي مطر يمارس دوره السياسي من خلال القول الشعري، مترجما مقولة الروائي العالمي ماريو باركاس يوسا : "ما فعلته هو أني اعتقدت أنه يجب علينا دائما أن نشارك في الحياة السياسية، خصوصا إذا رأينا أن الأمور حولنا ليست على ما يرام. إذا رأينا أن المجتمع انحرف، ووقع في الفساد وفي الاحتكار، وإذا طغى الظلم، أو رأينا ناسا يرضخون قهرا، في حالات كهذه، علينا أن نقوم بشيء مفيد، هذا ما أسميه السياسة"
فيما يراه الشاعر الفلسطيني المتوكل طه:" لقد استطاع محمد عفيفي مطر أن يقدم صيغة مبدعة لعلاقة الشاعر/ المثقف بالسلطة وإفرازاتها وهيمنتها وما تضعه حولها من نخب تتبنى وتردد أطروحاتها، خالقة بذلك "ظلاماً " كثيفاً يمنع الرؤيا ويقتل الرؤية ويغتال البصيرة والحياة. إنّ مفردة "الظلام" التي يستعملها الشاعر محمد عفيفي مطر هي من أكثر المفردات تكراراً في دواوينه الظلام الذي يعيشه الشاعر ليس فقط، في زنزانته التي يسميها "جحيماً" وإنما في لحظته المعيشة وفي تاريخه. إن ما يعانيه ويكابده الشاعر جعله يرى الأشياء من جديد ويقرأ التاريخ بعيون وروح جديدة، أو لنقل، بنظرية جديدة هي نظرية "الخوف من الخوف". وما بين "الظلام" و"الخوف" يكون الموت، وفي هذه الكآبة، والقتامة، تلد قصيدة الشاعر محمد عفيفي مطر، قصيدة تضجّ بالألم والفزع والكوابيس والرؤى المقتولة والأماني المغدورة ووجوه الأحبة الموتى والمدن التي يسكنها الأشباح كما أنها قصيدة مُركّبة تستند إلى الأسطورة التي يُعيد إنتاجها بلغة حداثية فلسفية، تؤكد أن صاحبها شاعر رجل يستحق الاحترام.
ربما علينا أن نستمع لصوت أحد الشعراء الحقيقيين الذين رأوا في صوت مطر ما لم يره الكثيرون صوت رفعت سلام: "ولأنه صوت "الأنا" الأولية الإنسانية، فهو "الراوي" الذي يقدم عذابات مسيرها، وتفاصيل حلمها المؤجل أبدًا، وهو "الشاهد" الذي رأى الملك عاريًا، ويعرف ملابسات الجريمة، وملامح القتلة ودم الضحية، وهو "القاضي" الذي يحكم بالإدانة والبراءة، وهو "النبي" الذي يلقي برسالته إلى الجموع، ويعرف ما تخبئه الأقدار لهم، وهو - في الوقت نفسه - الضحية الذي تخبط بين المطرقة والسندان.
ولهذا غيَّبته التواريخ الرسمية، ومحاضر النقاد البررة، ومجالس السلاطين والملوك. فهو الصوت غير المرغوب فيه. كلماته حوشية، خشنة، كالأحجار البدائية، غامضةٌ داكنة وبيلة، من الطبقات الأولى للغة التي تستكن بعيدا في تلافيف الذاكرة، لا اللسان. وخيال مسكون بتحولات العناصر الأولى للكون والوجود، في لحظة السديم الأولى قبيل التشكُّل، لكنه خيال تندفق فيه الصور بعرامة نادرة، كطوفان مفاجئ بلا مقدمات، تتوالد فيه الصور من بعضها بعضـاً، وتأخذ فيه بخناق بعضها بعـضاً، متزاحمة، متشاجرةً، متصارعةً على حقها في الوجود.
فللقصيدة أن تأخذ حقها كاملاً منه أو منا، بلا حدود. وله أن يستسلم لفيضها أو فيضانها كقديس يتلقى الوحي بلا سؤال أو تساؤل. ولها أن توقظ الأسئلة الشائكة، عن الوجود والشعر، التاريخ والأسطورة، الزراعة والترحال، الوعي والغيبوبة، والحضور الإنساني الصامد في الكون في وجه العذابات اللانهائية.