أحمد طالب الأشقر يكتب: زلزال تركيا وسوريا .. سوق للتكسب أم ضرورات ملحّة ؟!

profile
أحمد طالب الأشقر كاتب وصحفي سوري
  • clock 21 فبراير 2023, 3:46:08 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مما لا شك فيه أنّ الحاجة ملحّة في كسب الثقة في مجال الأعمال الإغاثية و التطوعية، لأن العملية برمّتها تدور استناداً على مبدأ الوسيط ذي المصداقية والشفافّية العالية، الذي يستطيع اخبار المتبرعين أين ذهبت وتذهب أموالهم وتخبر المستحقين أين صرف الدعم؛ وتخبر الجهات الرقابية  بالوثائق والصور والسجلات على ماذا صرفت هذه التبرعات، فكل هذا عامل مشجع للمساهمين الجدد من جهة، ونشر لثقافة التكافل المجتمعي والعمل الإنساني الخيري من جهة أخرى.

أخذت العديد من الجمعيات والمنظمات والفرق التطوعية العريقة على عاتقها عهود ومواثيق شرف ومعايير محددة وصارمة، لتجمع بمهنية بين مايلزم لاستمرار تدفق الإسهامات النقدية والعينية والتبرعات والهبات من قبل المانحين، وبين الحفاظ على آدمية الإنسان وكرامته وصوناً لعزّة نفسه؛ الأمر الذي أدى إلى تزايد نشاطاتها الخيرية وتنوعها وانتشارها إلى شريحة أكبر في كل مرّة افقياً وعمودياً، ولم تحرم أحد من المساهمة الفعّالة   وكسب الشعور الإيجابي بكونه المواطن الصالح المتكافل مع أبناء جلدته.

في ظروف الكوراث والحوادث العظام، تنكسر القواعد المتّبعة ويضعف الأخذ بالمعايير الصارمة وتقل الشفافية نظراً لأولوية الإغاثة على حساب التوثيق؛ وانطلاقاً من هذا المبنى الطارئ وكمثال عليه زلزال تركيا وسوريا الأخير، حيث دخلت في التنافس العديد من الفرق التطوعية الجديدة جنب إلى جنب مع الفرق القديمة وانتشرت في المدن المنكوبة تعمل على إحصاء المتضررين وإرسال نداءات عاجلة عبر البث المباشر والمسجل لاغاثتهم بالاساسيات من خيام ومطابخ ميدانية وفرش وغيرها من الاحتياجات.

جاءت الفرصة مواتية لفرق وجمعيات مشهورة قديمة ومستحدثة، لركوب موجة الإغاثة والتربح المعنوي والتكسب المادي و استثمار الأموال المتأتّية لمصالح شخصية تارةً، أوسرقتها كاملة تارةً أخرى، طبعاً هذا جنباً إلى جنب مع المحاولة لسرقة الأضواء واستجلاب المزيد من الدعم، عبر التركيز على الحالات الأشد ضعفاً وتصويرها بمظهر لا إنساني مذلٌ ومشين بحجة إبراز الحاجة الشديدة؛ مستهدفين الأطفال بصور وفيديوهات ممنتجة بحرفية عالية يظهرونهم فيها مرتجفين حفات الأقدام على انقاض الركام يستنطقوهم بحديث لايحترم انسانتيهم.

من جهة أخرى، كان للمؤثرين والمشاهير العالميين دور في مثل هذا النموذج الحديث من التسويق للأعمال الخيرية لكن بمعايير معتمدة ومدروسة، حيث تقوم هذه المؤسسات الإغاثية الكبرى بتقديم الدعم للمحتاجين في أماكن متضررة في مناطق متفرقة من العالم مع الحاجة لاظهار الوجه القبيح للفقر والجوع والعوز .. حوّل بعض المشاهير المحليين - المنكوبين من الزلزال - إلى مادة دسمة ووسيلة لكسب المزيد من الشهرة والشحاذة عليهم، بإثارة الرأي العام بأساليب مستفزّة للمشاعر ومخالفة لقيم مجتمعنا؛ أي أنهم طوّعوا هذه القضايا الإنسانية إلى عدّادات لايكات ومشاهدات، الأمر الذي يزيد في جعلهم "ترند" وحديث الساعة بين روّاد التواصل الإجتماعي والإعلام، ضاربين بعرض الحائط أي معاني إنسانية سامية.

هذا الاستغلال والتجارة "الغير شرعية" بآلآم الناس وحاجاتهم وكرامتهم خلق صور قبيحة عن العمل التطوعي والأعمال الإغاثية، صنعوا منه مسخ وانموذج غير تقليدي للعمل الإنساني بحجة تطور الأدوات مع تقدم الزمن وتغير الاحتياجات؛ هذا الأمر وضع المنظرين للعمل الإنساني أمام مفترق طريق لاعادة تقييم المستجدات الطارئة في هذا المجال، لصياغة فلسفة جديدة تجمع مابين القيم والمعايير الثابتة في أساسيات العمل الإنساني ومابين مواكبة الأدوات الحديثة في التسويق والتوثيق والإنتشار.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)