- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
أحمد موفق زيدان يكتب: المسلمون في الهند.. خطر الإبادة بعد التهميش
أحمد موفق زيدان يكتب: المسلمون في الهند.. خطر الإبادة بعد التهميش
- 3 يناير 2022, 4:13:29 م
- 415
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مهرجان الجماعات الهندوسية المتطرفة الأخير بمدينة هاريدوا الواقعة 150 ميلاً شمالي العاصمة الهندية نيودلهي، التي هددت فيه هذه الجماعات بإبادة المسلمين، وتحويل الهند إلى هندوسية خالصة، فتح الأبواب كلها على تكهنات ومستقبل غامض ليس للمسلمين فقط، وإنما لما عُرف بأكبر ديمقراطية عالمية!
واللافت أن المشاركين والمنظمين للمؤتمر يحظون بعلاقة قوية مع حزب جاناتا بارتي الهندوسي، الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي نارندرا مودي، المتهم أصلاً بمجازر ضد المسلمين في ولاية كوجرات عام 2002 يوم كان كبيراً لوزراء الولاية، والتي راح ضحيتها حينها 2000 قتيل من المسلمين بعضهم قضا حرقاً، ومع هذا تمكن هو وحزبه بعد سنوات من الفوز برئاسة وزراء أكبر دولة ديمقراطية في العالم.
بدأت القصة بتهديد منظمي المؤتمر بقتل كل المسلمين، وتحويل الهند من دولة علمانية، إلى دولة هندوسية، ودعا أحد المشاركين إلى قيام مائة مسلح هندوسي بقتل مليوني مسلم، وأن يستعد كل من يُقدم على هذا الفعل بأن يذهب إلى السجن، ونادى أحدهم باستنساخ النموذج البورمي في التعاطي مع المسلمين، من خلال حرقهم وطردهم، لتغدو الهند هندوسية خالصة.
ولم يقتصر التهديد على المسلمين بعد أن صرخ أحد قادة المؤتمر بأنه يأمُل أن يقتل رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ لأنه سيخي، فهو لا يريد الهند لأحد إلاّ للهندوس، فزاود عليه أحد المنظمين بالقول إنه طلب من فنادق هندية عدة في المنطقة ألاّ تقبل عروض المسيحيين عليها بعقد حفلات أعياد الميلاد في فنادقها.
اللافت للمراقبين والمحللين هو ردّة فعل الحكومة تجاه مقطع فيديو المؤتمر، الذي راج على صفحات التواصل الاجتماعي، والذي هدد بإبادة المسلمين، حيث قوبل كل ذلك بصمت مطبق، مما فُسر على أنه حماية حكومية للمؤتمر وللمنظمين!
وخاصة أن الشرطة المحلية لم تفتح تحقيقاً في الحادث إلا بعد مرور أربعة أيام عليه، حين أحدث ضجة داخلية وعالمية، ومع هذا فقد اكتفت بتسجيل الأمر ضد مجهول، على أن من يثبت عليه التهمة من المنظمين سيُسجن لخمس سنين بتهمة ترقية النعرات الدينية والطائفية.
المسلمون في الهند يبلغ عددهم 176 مليون مسلم، ويشكلون 14.2 % من ديانات هندية يصل عددها إلى 900 ديانة، ونظراً للتاريخ الدموي الهندوسي مع المسلمين، والذي يعود إلى بواكير انفصال شبه القارة الهندية وما خلفته من مآسٍ يومها، يخشون نكأ الجراح.
ويشعرون بالقلق الكبير إزاء مثل هذه الحوادث وهو ما دفع أحد نوابهم في البرلمان الهندي للتعليق على هذا التحريض بقوله: (إنه تحريض على المجازر)، لكن هندوسية الهند التي يريدها المتطرفون، ومن بينهم حزب جاناتا بارتي بقيادة مودي نفسه، محل خوف وقلق هندوسي دائمين مع اعتناق بعض أفراد الطبقات الدنيا الهندوسية للدين الإسلامي وحتى المسيحي، بما يُقلق قادة الأحزاب الهندوسية المتطرفة على مستقبل هندوسية الهند على المدى البعيد.
ولذا نراهم يختلقون أعذاراً أحياناً من أجل قمع المسلمين، وشدّ العصب الهندوسي بين الهندوس أنفسهم بالقول إن العمال المسلمين يُغوون الفتيات الهندوسيات في أماكن العمل وحتى في الشوارع على الزواج منهم لتحويلهن إلى الإسلام، وهو ما وجه كاتهام أيضاً للمسيحيين بأنه يتم إغراء الهندوس بالمال، مقابل التخلي عن الهندوسية واعتناق المسيحية.
اللافت الذي لحظته نيويورك تايمز هو ما نقلته عن أساتذة في العلوم السياسية بجامعات هندية بأن قلة من السياسيين يرون اليوم حاجة لبقاء الهند دولة علمانية، كما أراد لها مؤسسوها الهنود قبل قرن من الزمان!
ويقول أستاذ في العلوم السياسية إن حزب جاناتا بارتي الذي يقوده مودي ربما لديه الكثير من التحديات، لكنه بالتأكيد كسب رهان الحرب الثقافية، بعد أن انعكست إستراتيجية التحريض الافتراضية على الواقع يوم تعرّض الباعة المتجولون المسلمون للضرب والإهانة وحتى إلى سرقة ممتلكاتهم من قبل هندوس متطرفين.
لعل الأشد التفاتاً هو ليس صمت السياسيين الهنود إزاء ما يجري من تغيير هوية وحمض نووي البلد الذي تشكل لمائة عام تقريباً، وإنما ما يُقلق ويثير الدهشة والاستغراب هو صمت منظمات وقوى ديمقراطية هندية على هذه الممارسات التي ستُطيح بهوية الدولة، بعد أن خفّضت مؤسسة فريدم هاوس الديمقراطية تصنيف البلد العام الجاري إلى منزلة (حر جزئياً)، بينما صنّفتها مؤشرات ديمقراطية أخرى على أنها (ديمقراطية معيبة)، وذهبت مؤسسات أخرى أبعد من ذلك بكثير حين قالت عنها إنها لم تعد ديمقراطية بالمرّة.
* د. أحمد موفق زيدان كاتب وإعلامي سوري