- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
أشرف الصباغ يكتب : ان تأتي متأخرا
أشرف الصباغ يكتب : ان تأتي متأخرا
- 26 يونيو 2021, 7:50:34 م
- 827
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
التلكؤ خير من عدم المجئ.. الصقور موجودون في أي قضية والحمير موجودون أيضا..
من الواضح أن أحد أوجه الصراع في قضية سد النهضة هو الصبر وقوة الاحتمال. ومن الواضح أيضا أن صبر الإدارة الأثيوبية قد نفد في ظل أزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المستعصية، وفي ظل الصدامات العرقية التي تهدد بنية الدولة نفسها، وتجعل أثيوبيا قنبلة موقوتة في شمال شرق القارة الأفريقية، يمكنها أن تهدد أمن واستقرار وحياة الكثير من شعوب أفريقيا في حال انفجارها.
لا شك أن الصقور المصريين في قضية سد النهضة هم أنفسهم صقور الحرب في ليبيا، وصقور أي مصيبة، يريدون الحرب والنضال والضرب بالنووي، ولديهم دائما أسرار وأفكار وحسابات دقيقة وخطط حربية لا تخر الماء. وهؤلاء عادة يتم استخدامهم في أغراض أقرب إلى ورق التواليت في حال وجود أزمات للتغطية عليها. ولكن حسابات الدولة الدقيقة لا يمكن أن تسمح بأي حرب لا في ليبيا ولا في أثيوبيا. والإدارة المصرية تعرف ذلك جيدا، لكنها تترك الصقور والحمير يعبرون عن رأيهم الذي يحمل رسائل ما ويخفف الضغط نوعا ما من عليها، ويغلوش على بعض المشاكل الداخلية ويشبع الذوات المتضخمة التي ترى أن مصر يمكنها أن تغزو الصين ونيبال والأندلس بضربة واحدة!!
مقابل صقورنا وحميرنا، هناك في أثيوبيا صقور وحمير وبغال أيضا، يرون أحقيتهم ليس فقط بمياه النيل، بل وبمياه العالم كله. ويرون حقهم في قيادة البشرية من الظلام إلى النور . هكذا هم الصقور والحمير والبغال في كل مكان في العالم، بما في ذلك في أوروبا وأمريكا أيضا. لكننا نعود دوما إلى الحسابات الدقيقة، وحساب الخسائر والأرباح على كل المستويات، العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. وأعتقد أن الإدارة المصرية واعية تماما لهذه الحسابات وواعية بها وبأبعادها. ومن ثم، فهي لا تمارس البلطجة أو الحنجوري أو الاستقواء واستعراض العضلات. قد تكون تركت هذا الدور لوسائل الإعلام أو لبعض أصحاب الكرامات في برامج التوك شوك، وربما أيضا للصقور وإخوانهم الحمير. لكن الدبلوماسية المصرية لا تزال تعمل وفق منظور معين في هدوء وصبر وتأني، ولا ترتكب حماقات أو تطلق تهديدات وشتائم وسبابا..
المثير هنا أن الإدارة الأثيوبية طوال السنوات الأخيرة هي التي تعمل بكل الطرق على استفزاز ليس فقط مصر، بل وأيضا السودان. وليس خافيا على أحد أن الأمور بدأت بتلاسنات في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي بين الصقور والحمير في البلدين، وتهديدات وتحذيرات من جانب الموظفين الصغار والحلقات الوسطى في نسق السلطة في البلدين. وكانت الإدارة الأثيوبية حريصة على تأجيج هذه الحملات لأسباب كثيرة داخلية معروفة للجميع. إضافة إلى وجود مصالح لبعض الدول التي تريد مقايضة ملفات بملفات أخرى، وعلى رأسها دول الخليج وروسيا والصين. وهذه الأطراف تحديدا تلعب لعبة مزدوجة، بل وأحيانا تصدر تصريحات معينة، وتفكر بطريقة أخرى تماما، وتخطط بطريقة ثالثة، وتنوي تنفيذ أمور مختلفة تماما عن ما تصرح به أو تفكر فيه أو تخطط له. هكذا هي السياسة الكبرى، وهذه هي سياسة الدول "الضباع".
تأرجحت حركة الصقور والحمير في مصر بين الصعود والهبوط والاشتعال. بل وبدأت تشكل ضغطا على الإدارة المصرية نفسها، وتلعب دورا سلبيا في دعم المفاوض المصري. وبالطبع هم يتصورون أنهم يدعمون مفاوضهم بكلامهم عن الحرب وتلويحهم بالدمار والصواريخ والمقاتلات وسفن الفضاء. ولكن ذلك في حالة الإدارة الأثيوبية يلعب لصالحها، لأنها ببساطة هي التي بحاجة إلى ورقة الحرب ولو حتى إعلاميا لكي توظفها سياسيا ودبلوماسيا. ولكنها تستفز كل الأطراف، وعلى رأسها مصر والسودان لكي تتحدث هي عن الحرب والتحضير العسكري والحل العسكري. ومع كل ذلك، كانت الإدارة المصرية أكثر صبرا واحتمالا وعقلانية ولم تنزلق إلى مستنقع التهديدات والحل العسكري. وتركت الأمر بعيدا عن المسؤولين الرسميين.
والآن، الآن فقط يخرج إلينا مدير إدارة الهندسة في وزارة الدفاع الأثيوبية، الجنرال بوتا باتشاتا ديبيلي، يوم أمس الجمعة، ليقول إن بلاده مستعدة لسيناريو الحل العسكري لقضية سد النهضة مع مصر والسودان، رغم أنها لا تسعى إليه.
ففي رده على سؤال حول مدى احتمال حل أزمة سد النهضة عسكريا قال ديبيلي: "بالنسبة لبلدي، لا يجوز أن يكون ملف المياه سببا للحرب، ولذلك، الحل لا يمكن أن يكون عسكريا، والطريقة المثلى هي المناقشة من خلال الاتحاد الأفريقي". وقال: "كل بلد مستعد للدفاع عن الوطن، ونحن مستعدون لصد أي عدو يحاول تقويض سيادتنا، نحن جاهزون للدفاع".
رد المسؤول العسكري الأثيوبي مراوغ، والرجل يلف ويدور. ولكن الرد مع ذلك يحمل رائحة البارود والنار والدمار. المسؤول العسكري الأثيوبي يرد على أوهام وأشباح في رأسه هو فقط، وفي أسئلة الصحفيين ووسائل الإعلام، وبالذات وسائل إعلام الدول التي تريد مقايضة ملفات بملفات أخرى. وأعتقد أنه ليس من الصعب تحديد هذه الدول، أو رصد توجهات وسائل الإعلام في هذه الدول، أو متابعة التقارير الحكومية في نفس هذه الدول.
أثيوبيا الآن هي الطرف الذي يتحدث عن الحل العسكري وعن الحرب. وهذا مؤشر لا لبلطجة الإدارة الأثيوبية في ملف المياه مع شقيقاتها مصر والسودان فقط، بل مؤشر على ما هو أخطر بكثير. إن ذلك مؤشر على استفحال الأزمات السياسية والاقتصادية في الداخل الأثيوبي، واقتراب انهيار المعادلة الفيدرالية والعرقية في البلاد. إن الأزمة لم تعد في سد النهضة وحرب المياه التي أعلنتها الإدارة الأثيوبية للتغطية على الكوارث الداخلية وتحويل نفسها إلى ورقة للتلاعب وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية مع مصر والسودان، بل في أثيوبيا نفسها التي حولتها الإدارة الحالية إلى قنبلة موقوتة ضد نفسها، وضد مصر والسودان، وضد دول أفريقية تسعى إلى بناء نفسها واستقرار أمنها ورفاهية شعوبها، لكن ممارسات الإدارة الأثيوبية تعرض أمن واستقرار هذه الدول للخطر.