د.أشرف الصباغ يكتب : حظ الفلسطينيين العاثر

profile
  • clock 28 مايو 2021, 4:43:19 ص
  • eye 1091
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

منذ عدة أيام افتتح أحد الأصدقاء مقاله بالآتي: "إن التصعيد العسكري من جانب حماس تم تجربته عدة مرات منذ سنة 2000، ودائما بدون أية نتائج إيجابية. ليس لدىَّ حلول جاهزة أو مقترحات، ولكنني شاهدتُ مشاهد الرقص في شوارع غزة في أعقاب الهجمات الإرهابية في سبتمبر 2001، ونفس الرقص عقب غزو العراق للكويت، موضوعيا رقصت غزة والفلسطينيين عموما لأسوء فصول التردي العربي".. 

أعتقد أن هذا الكلام ينطبق أيضا على فتح، وعلى الجهاد، وعلى بقية الفصائل مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وغيرها. أي ببساطة، ينطبق على كافة الفصائل بدرجات متباينة. ولا يمكن أن نتجاهل تبعية كل فصيل لأحد أجهزة الاستخبارات العربية أو غير العربية، وربما يكون هناك فصيلان أو ثلاثة تعمل مع نفس جهاز الاستخبارات. وأيضا يمكن الحديث عن شخصيات قيادية تعمل لصالج أجهزة بعينها. هذا الكلام ليس جديدا، وليس سرا. وهناك تندرات ونكات كان ياسر عرفات نفسه يطلقها بهذا الصدد.

حظ الفلسطينيين عاثر للغاية، لأنهم عادة ما يأخذون قرارات إما متأخرة، أو ليست في وقتها، أو خاطئة، او غير دقيقة، أو قاتلة من حيث التوقيت والظروف والمسوغات. إضافة إلى تلاعب دول الخليج وروسيا وتركيا وإيران بهم.

هل حماس فعلا معنية بمظاهرات القدس، أم معنية بمعادلات إقليمية أخرى، تشارك فيها، وعليها أن تقوم بالتمهيد لأمور معينة وإجراءات ستحدث قريبا؟!

في هذا التوقيت من كل عام تحدث مثل هذه "الهوجة" لأسباب مختلفة في كل مرة. وبعد ذلك تهدأ الأمور، وتبدأ أطراف خليجية وإيرانية تحديدا، شريكة لحماس من جهة، ولفصائل فلسطينية أخرى من جهة ثانية، تبدأ العمل على ملفات ذات صلة بالملف الفلسطيني الأوسع الذي يمثل جوهر القضية وصلبها. ولم يكن عبثا أن أطرح على صفحتي الشخصية في الفيسبووك ما حدث أيام 9 و10و11 مايو 2018، عندما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو روسيا ليشارك صديقه الرئيس فلاديمير بوتين احتفالاته بأعياد النصر الروسية على النازية في الحرب العالمية الثانية. وأقول بكل ثقة أن ما حدث آنذاك يتكرر بحذافيره وبكل تفاصيله هذه المرة أيضا، لدرجة أن التصريحات تتشابه، والتحليلات تتشابه. بل تتشابه المصطلحات من قبل "نقلة نوعية غير مسبوقة" و"إثارة الرعب لدى الإسرائيليين" و"إرعاب الإسرائيليين" ومصطلحات كثيرة ليست جديدة إطلاقا على البلاغة العربية، والحنجوري العربي...

إننا ببساطة أمام مشهد يضم إسماعيل هنية من جهة، ومحمد دحلان من جهة أخرى، ومحمود عباس من جهة ثالثة!!! وهؤلاء الثلاثة يعملون بقلب ورب على تصفية الملف الفلسطيني الأوسع لصالح الإجراءات والنشاطات والخطط الإقليمية الجديدة، والعمليات الاقتصادية والمالية الجديدة الجارية في المنطقة، بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معها...

في الحقيقة، هناك عملية إرساء أمر واقع جديد في المنطقة، وفي الداخل الفلسطيني، وبين الفلسطينيين أنفسهم، لقبول ما سيترتب على هذا الأمر الواقع الجديد. وأعتقد أن القارئ الكريم يعرف عن ماذا أتحدث. علما بأن العمليات الخطيرة الجارية لا تتحقق بين يوم وليلة، وإنما هي عمليات طويلة الأجل وتحتاج لطول نفس. وأعتقد أن عمليات مماثلة بدأت مثلا في عام 1947، وتحققت تدريجيا (بين مد وجزر) بعد بعشرين أو ثلاثين عاما، وهكذا....

أعتقد، وهذا الكلام ليس سرا، إن الأمريكان والإماراتيين والقطريين والسعوديين من جهة، والإيرانيين والأتراك والروس من جهة أخرى، استطاعوا أن يؤسسوا لحالة ما أو لأمر واقع معين يجعل الأطراف الفلسطينية (هنية ودحلان وعباس، وبقية الفصائل الديناصورية المتكلسة) يتسابقوا من أجل إيجاد أماكن لأنفسهم في المعادلات الإقليمية الجديدة. وإسرائيل تعرف ذلك جيدا، لأنها أحد الأطراف الفاعلة في هذا السيناريو. وهي أيضا تعمل عليه بطريقتها: تضرب بقسوة، وتربت وتمرر بعض الدعم.. تقوم بحملات دعائية وصعبانيات ومظلوميات، ثم تضرب مرة ثانية وثالثة ورابعة.. أما الجانب الفلسطيني، فهو ليس فقط محلك سر، بل في حالة تراجع وانقسامات وتشظي، وتبعية لدولة ما أو لجهاز استخبارات ما. كل طرف وفصيل فلسطيني يبحث بالكاد لنفسه عن مكان في الواقع الذي يتم التأسيس له، والذي هو في الحقيقة ليس لصالح الفلسطينيين إطلاقا ولا لصالح الملف الفلسطيني، ولا القضية الفلسطينية برمتها...


للأسف الشديد، ليس لدى أي رؤية جاهزة أو حل جاهز. ولكن الملف الفلسطيني يتم تصفيته بأيدي الفلسطينيين هذه المرة، ويتم تقليص القضية الفلسطينية إلى حدها الأدنى على أيدي الإمارات وقطر وإيران والسعودية من جهة، وعلى نار الصراع الأمريكي الروسي من جهة ثانية، حيث تلعب روسيا نفس الدور الذي لعبته في إقامة دولة إسرائيل ولكن بآليات أخرى وعبر مناورات مغايرة نسبيا. أما الولايات المتحدة فهي اللاعب الأكبر، شئنا أم أبينا، ولديها القدرة على الاستفادة من كل هذه الأطراف، والاتفاق معها خلف الأبواب الموصدة، وتكليفها بمهام معينة مقابل مكافآت معينة...

إنهم يحولون "القضية الفلسطينية" بكل جوانبها، وعلى رأسها الجانب الإنساني، إلى مجرد مكلمة وبكاء على الحليب المسكوب، ويفعلون نفس الأشياء التي فعلوها في السابق وينتظرون نتائج مغايرة!!! 

لقد حولوا "الملف الفلسطيني الأوسع" بكل مرفقاته وتفاصيله إلى "مناحة" و"مكلمة" واسترجاع للتاريخ. إنهم يفعلون ذلك منذ طالبت روسيا في مجلس الأمن بإقامة الدولة الإسرائيلية واعترفت بها، ومنذ خيَّبت إسرائيل آمال روسيا وذهبت لتتعاون مع الغرب وتحصل على أسلحته ودروعه وقوانينه وحمايته إلى أن تقوم هي بصناعة أسلحتها ودروعها، ومنذ أعلنت روسيا والولايات المتحدة أنهما مسؤلتان عن ضمان أمن إسرائيل، ومنذ ومنذ ومنذ.... ومنذ كل الهزائم العربية، سواء التي تم الاعتراف بها وإطلاق أسماء مخففة عليها، أو تلك الهزائم التي حولناها إلى انتصارات بالرقص والغناء والدبكة واسترجاع التاريخ المجيد للأمتين العربية والإسلامية...

التعليقات (0)