أمجد إسماعيل الآغا يكتب:"قوى واستثمارات ".. الوقائع الشرق أوسطية والمفاهيم الجديدة

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 22 أكتوبر 2024, 7:14:43 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لا جدال بأن ما يحدث في المنطقة سيكون سبباً رئيساً لـ إنقلاب الكثير من المفاهيم السائدة المتعلقة بمآلات الشرق الأوسط ونموذجه الجديد، فـ الحدث في لبنان وقبله في غزة وجُملة المشاهد المعقدة في جغرافية الإقليم، كل ذلك كان مدعاة لـ الحديث عن شرق أوسط جديد، وأن بوادر هذا الشرق الجديد بدأت وسيتم هندستها بناءً على نتائج الميدان في غزة وجنوب لبنان، لكن في العمق فإن الحديث عن شرق أوسط جديد لا يتسق وكمّ المعطيات الإقليمية والدولية التي وسمت المشاهد في المنطقة بصبغة المصالح ومناطق النفوذ، وبالتالي لا يمكن القول بأن الشرق الجديد ستُبنى محدداته بناء على نتائج الحرب في لبنان أو غزة، وبالتوازي فإن ما تشهده المنطقة من تطورات وتوترات لا يعدو عن كونه جُزئية من صراع بدأ في أوكرانيا وإنتقلت عنوانيه إلى المنطقة، وبين هذا وذاك فإن هناك قوى تستثمر ما يحدث في غزة مروراً إلى لبنان، لـ تبقى المنطقة رهينة صراع القوى الكُبرى وصولاً إلى مرحلة التسويات الجديدة.

في المفاهيم الخاطئة ثمة من يقول بأن ما يحدث بين إيران وإسرائيل هو حرب مباشرة بين الطرفين، لكن وفق منظور واقعي فإن ما يحدث بينهما ليس إلا إستهدافات متبادلة لغايات وأهداف محددة، وبمعنى آخر فإن ما يحدث بينهما لا يمكن وضعه إلا في إطار القصف الموسمي والذي يأتي رداً على استهداف كل منهما جغرافية البلدين بشكل مباشر، إذ أنه من المعلوم بأن إيران لم تستهدف إسرائيل بشكل مباشر إلا عندما قامت الأخيرة باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، وعندما تم إغتيال إسماعيل هنية في طهران، لكن حتى ذلك جاء تنسيقاً مع القوى الإقليمية والدولية خشية الوقوع في المحظور، وهذا ما يفتح واسعاً باب التساؤلات حيال الغايات الإيرانية وكذا الإسرائيلية من القصف الموسمي فيما بينهما، وإنعكاسات ذلك على المنطقة وتحديداً في لبنان وفلسطين وسورية.

كل ما يحدث في لبنان وغزة وما تفعله آلة القتل الإسرائيلية من جرائم ومجازر، لم يكن سبباً لـ دخول إيران مباشرة إلى ميدان القتال، فـ إيران تقرأ مسار مصالحها بطريقة براغماتية وتُسقط رؤيتها على الفصائل المرتبطة بها؛ نتيجة لذلك فقد إكتفت إيران بدعم فصائلها لـ مواجهة إسرائيل لكن بعيداً عن الجغرافية الإيرانية، وحتى ذاك الدعم الإيراني المباشر لـ الفصائل التي تواجه إسرائيل، لم يكن سبباً في دفع إسرائيل إلى مهاجمة العمق الإيراني، وهذا ما يؤكد بأن ما بين إيران وإسرائيل يحكمه ضابط عنوانه الولايات المتحدة، فـ أمريكا تضبط إسرائيل عند حدود أسقف محددة لأي رد على إيران، والهروب الإيراني من أي مواجهة مباشرة مع أمريكا يضبط ردها تُجاه إسرائيل، وبذلك تبقى المعادلة العسكرية ثابتة بينهم، لكن يقابلها معادلات سياسية وإستراتيجية تتمظهر في المشاهد الساخنة حالياً.

المرشد الإيراني علي خامنئي قال في وقت سابق مخاطباً الفصائل المرتبطة بـ إيران "قاوموا"، وهذا ما يعني بأن إيران لا يمكن لها التخلي عن إستثماراتها بـ "فصائل المقاومة"، وهذا أيضاً ما يؤكد بأن الحرب المباشرة ليست بين إيران وإسرائيل، بل بين الأخيرة وفصائل إيران في المنطقة، وفي جانب آخر فإن ما تؤديه تلك الفصائل التي تنتمي إلى إيران يتجسد في مقاومة إسرائيل لـ تشكيل خط دفاع عن طهران ومشروعها الإقليمي، وهذا ما يُعيدنا إلى ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن "محور المقاومة يمثل أهم مكون لقوة الجمهورية الإسلامية".

بهذا المعنى فإن طهران تعجز عن لعب أي دور إقليمي دون فصائلها، ولولا الدور الذي تلعبه تلك الفصائل ستبقى إيران دولة عادية، ولعل ما قاله وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت يشرح ما سبق حين وصف حرب إسرائيل مع فصائل إيران بأنها "أذرع أخطبوط رأسه في طهران"، الأمر الذي دفع غالانت إلى المطالبة بضرب إيران مباشرة، وبالتوزاي فإن نتنياهو أعلن مراراً بأن ما تقوم به إسرائيل في غزة ولبنان، سيكون سبباً لـ تغيير وجه المنطقة وسيتردد صداه في الشرق الأوسط لـ أجيال متعددة.

ضمن ما سبق فإن رؤية نتنياهو الحالية لا تختلف عن رؤية شمعون بيريز ولا عن رؤية كونداليزا رايس، حين تحدثوا في حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل عن الشرق الأوسط الجديد،  حتى خامنئي أعلن عن شرق أوسط جديد "إسلامي" بعيد عن أمريكا وإسرائيل، وهو طبعاً سيكون تحت قيادة إيران، لكن كل ذلك لم يحدث، ولن يحدث عقب إنتهاء الحرب في لبنان وغزة، وهنا لابد من التذكير بما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت أيام حرب 2006 هو أن "الهدف الحقيقي للحرب كان تأكيد قوة الردع وليس تدمير حزب الله"، وبالتالي قد يظن البعض بأن عدم ولادة الشرق الأوسط الجديد جاءت نتيجة فشل إسرائيل عسكرياً أو لأن النصر الإلهي لـ فصائل المقاومة حال دون ذلك، لكن تبقى تلك المفاهيم خاطئة في تقديراتها حيال الشرق الأوسط الجديد، والتي تتجاوز جغرافية لبنان وفلسطين وعموم المنطقة.

حقيقةً فإن تغيير الشرق الأوسط لا يبدأ من جغرافية لبنان أو فلسطين وما يحدث فيهما، ولا يبدأ من رغبات نتنياهو بالقضاء على حماس وحزب الله، ولا ينتهي بقطع أذرع إيران في المنطقة، إذ يبقى العامل الأهم في الشرق الأوسط الجديد هي مجموعة تأثيرات تصدر من القوى الإقليمية والدولية وحالة التنافس بينهما لـ السيطرة على المنطقة؛ فـ المشهد الحالي يمكن إختزاله عبر الصراع الإقليمي أو التنافس بين إيران وإسرائيل وتركيا على النفوذ والدور في المنطقة، وفي قلب ذلك ثمة تنافس روسي وصيني مع أميركا، للحد من الدور الأميركي الواسع في المنطقة ضمن الصراع على نظام دولي تعددي مكان نظام الأحادية الأميركية.

وهنا يحضر قوياً ما قاله مدير الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز الذي رأى أن "عصر ما بعد الحرب الباردة انتهى لحظة الغزو الروسي لأوكرانيا"، وبالتالي فإن نتائج الحرب في أوكرانيا وأهداف الناتو حيال ذلك، سيكون سبباً في تحديد صورة النظام العالمي الجديد، وهذا ما سينعكس بشكل مباشر وعميق على صورة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، حينها يمكن القول بأن هناك شرق أوسط جديد بملامح واضحة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)