الحاج عبدالمعطي شيخ ناحية بأحد القري البعيدة..يمت لي بصلة قرابة ما .. 

مطلع ستينات القرن الماضي.. ايام كان للعمد والمشايخ وأعيان البلاد اقدار ..قبل ان يتخطاهم الزمان وتبول عليهم ثعالب القفار ..

 قريبنا الغالي أمضي صباه وشبابه متنقلا بين مواخير الغوازي

..بنات الليل..عشش تجار الأفيون المغشوش  .. باعة البوظة والخمر  الرديئة.. اكشاك الدجالين..تجار الانساب ..باع كل ماورثه عن المرحوم والده( المحسن الكبير ) علي نزواته..

 عندما تقدمت  السنون.. حج بماتبقي من املاكه بيت الله الحرام ليغفر الرحمن  ماتقدم من ذنبه وماتأخر .. رسم باخرة الحجاج علي مدخل بيته المتصدع القديم..أقام ليلة ذكر صوفي أحياها أحد كبار المداحين منفقا آخر قرش في ولائم لحوم الكباش الكبيرة للمدعوين من كبار فطاحل البلاد  .. 

بعدها لم يتبقي سوي مسبحة كهرمان..يحافظ عليها كعينيه --تضئ في الظلمة-- بعداد بمائة حبة.. هجرته الزوجة الصابرة لبيت اهلها بعد ان فقدت وحيدها ..لم يتبق من المجد التليد سوي الشيخ عبدالمعطي نفسه ..قفطانه المتهرئ وصماخه..ثم لاشئ سوي حماره الاسناوي الاصيل ببردعتة ولجامه الحريري المشغول وعصا جده المعوجة وصورته معلقة علي الحائط المتهدم ثم جلد غزال قديم يثبت نسبه العالي ..

 كلهم  شهود اثبات علي عصر فات والمجد الذي  كان..

بينما الحمار الصبور ( لا ماء ولا كلأ) يمارس عليه العم سلطاته وجبروته ومجده القديم.. إذا أبطأ في خطواته نتيجة الجوع.. انهال عليه بالعصا.. ان أسرع للحاق بعربة كارو محملة بالبرسيم او بعض التبن ..انهال عليه بالعصا..اذا نهق.. انهال عليه بالعصا..

الي ان كان اليوم المشهود ..الشيخ يتهادي بالحمار بجوار النهر ..متذكرا املاكه وعزه القديم.. عندما اندفع الحمار ملقيا عمنا الغالي من عليائه..ملقيا نفسه في النهر  منتحرا والشيخ يصرخ : ارجع ياحمار..ارجع ياحمار يابن عمي..ارجع ياحمار يابن الكلب..ماتموتشي علي دين الكفر يا واد ..الحمار يلقي بنفسه في عزم وإصرار مطلقا نهقته الاخيرة كأنه يستغفر السماء او كأنه اخر ملوك الاندلس المهزومين  .. الشيخ يكرر النداء متوسلا: ارجع والنبي عمري ما ح اضربك تاني يابن عمي..انا ماليش غيرك ياحبيبي.. انت ماليكش غيري ياخويا .. الشيخ يبكي كطفل صغير غادرته امه.. يقسم: احنا مالناش غير بعض ياحمار .. سايبني لمين بعدك ياغالي..الحمار يندفع غير مبالي..غائصا في قرارة النهر..منتحرا..

دنيا ..رحم الله حمار عمنا العظيم !!

دنيا غرورة.. لكن.. ان مات حمار العم  عبدالمعطي ..فكلنا حمير الشيخ  عبدالمعطي وكلنا علي الدرب سائرون..دنيا المتغطي بيها عريان ياسيادي !!