إبراهيم نوار يكتب: ولتعلموا أيها «الحيوانات البشرية» أي مصير ينتظركم: الكرامة أو الهزيمة.. فاختاروا

profile
  • clock 11 أكتوبر 2023, 8:43:42 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

إنها ليست مجرد معركة، إنها نهاية فاصلة لحرب بين نهجين: واحد يقول إنها حياتي أو حياتك، أرضي أو أرضك، أنا أو أنت. والنهج الآخر يقول: إنها حياة تتسع لنا، أنت وأنا، وأرض تتسع لنا، أنت وأنا، إنها ليست خيارا بين الحياة والموت. لكن هؤلاء الذين يقفون على الجانب الآخر، الذين جمعوا لكم كل عناصر الخوف، لكي تخشوهم، يحاولون أن يفرضوا عليكم خيارا واحدا: الانكسار والقبول بالعار.
ولأن الحرب وحشية وقذرة في طبيعتها وأساليبها، فليس عليكم اليوم إلا بين أن تختاروا البقاء مثل «حيوانات بشرية»، أو أن ترتقوا إلى مصاف الإنسانية. إنها الحرب التي فرضها عليكم أنصار الموت، يدفعونكم فيها للاختيار بين الانتصار، أو العار، بين الكرامة أو الهزيمة. لكنكم لن تكونوا أبدا «حيوانات بشرية».
رغم الحصار والحرمان من الماء والغذاء والدواء والوقود، فإنكم تقاتلون، وإنكم بإذن الله لمنتصرون. فلتنتصب كل مئذنة بشموخ روح المقاومة، ولتنتفض كل قبة بنبض رفض المساومة، وليكن طريقكم طريقا إلى الحياة وليس الموت. سيأتيكم المدد بالماء من جيرانكم أصحاب الماء، وسيأتيكم المدد بالغذاء من فضلات جيرانكم أصحاب الغذاء، وسيأتيكم المدد بالوقود من جيرانكم أصحاب الوقود، فإن لم يأتكم مدد فتضرعوا إلى الله بالدعاء، وقاتلوا دفاعا عن أنفسكم؛ فدماؤكم هي المدد.

غزة وأهلها قدموا الدليل على أن القوة هي حرية الإرادة، وليست التفوق النوعي العسكري وأن دبلوماسية الهيمنة عقيمة، وأن روح المقاومة يمكن أن تهزم عقيدة القوة الغاشمة

إن غزة وأهلها قد كُتب عليهم القتال، فليقاتلوا، لكن لا تخذلوهم يا من أنتم تقفون حولهم.. كونوا معهم. فإنكم إذا تخاذلتم ستكونون طعاما للذئاب جيلا وراء جيل، حتى يأتي جيل يعيد بعث الكرامة من الهزيمة. وليكن شعاركم هو الحياة وليس الموت. هو التعايش وليس القتل. هو القبول بالآخر وليس العزلة. واذكروا أن أزهي عصور الحضارة البشرية هي عصور التعايش والتعاون والخير للجميع. إن أولئك الذين يتخاذلون اليوم قد اختاروا الموت، اختاروا الهزيمة، اختاروا الذل.
غزة وأهلها كُتب عليهم القتال، لأنهم أُخرِجوا من ديارهم، وقُتلوا وهم الأبرياء بلا ذنب، وهم الآن لا يدافعون عن أنفسهم فقط، بل هم اختاروا طريقا يجب أن يكون أيضا طريقكم. اختارت غزة وأهلها طريق المقاومة، طريق الكرامة، فانصروهم وكونوا معهم. لا تهربوا من ثقوب مفتوحة لكم إلى الذل طلبا للبقاء، فما بقيت حياة في ذل، ولا انتصرت إرادة في هروب من مواجهة من أجل الحق. وإنكم إذا ألقيتم اليوم بالفلسطينيين غذاء للذئاب البربرية المتوحشة، ستكونون غدا الغذاء. غزة وأهلها قدموا الدليل على أن القوة هي حرية الإرادة، وليست التفوق النوعي العسكري. إنهم قدموا الدليل على أن احتكار السلاح النووي بلا قيمة، وأن دبلوماسية الهيمنة عقيمة، وأن روح المقاومة يمكن أن تهزم عقيدة القوة الغاشمة. لقد اعتقدت الصهيونية الدينية المتطرفة أنها يمكن أن تسيطر بالقوة، وأن يكون جبروت القوة هو دستور شرعية وجودها، فأسقط «طوفان الأقصى» كل ذلك. ربما لا يدرك مقاتلو كتائب القسام والأقصى والجهاد دلالات ما حققوه في ساعات قليلة: إنهم أسقطوا أركان نظرية الردع الإسرائيلي إلى غير رجعة. أسقطوا هيبة الدولة التي فرضت شرعية وجودها حتى الآن بالقوة، وليس بأي شيء آخر، ولذلك فإن سقوط هيبة ما جمعته من قوة قد وضعها وجها لوجه أمام جريمتها التاريخية، لأنها دون هيبة القوة لا شرعية لها. دون القوة لا شرعية لقتل الأبرياء، ولا مصادرة الأراضي، ولا حرمان المصلين من الصلوات آمنين داخل مقدساتهم. لكن يا أهل غزة ويا أنصارها في كل مكان احذروا.. احذروا من الاعتقاد بأن هناك طريقا إلى السلام والأمان غير طريق التعايش، وإن الدفاع عن الحقوق والمقدسات لا يعني الاعتداء على حقوق ومقدسات غيركم. نعم إن الحرب وحشية قذرة، ولكنكم يجب أن تكونوا حريصين على إضاءة شموع النبل والإنسانية في ظلام الحرب وظلماتها.
لقد جمع لكم تجار الحرب ما جمعوا قبالتكم في البر والبحر والجو، وإنكم بإذن الله لمنتصرون. جمعت أمريكا لكم، وأرسلت كبرى حاملات الطائرات في العالم مدججة بأحدث الطائرات والصواريخ والقذائف لكي ترهبكم، وإنكم والله لا تَرهَبون القوة الغاشمة، وقد انتصرتم عليها مهما كان مدد الأعداء كثيرا، ومهما كان حرمانكم من الماء والزاد والوقود والبارود. إنكم عليهم بإذن الله لمنتصرون. وسيكون نصركم من أجل الحياة والتعايش والرخاء، وليس من أجل الموت والخراب والفناء. إن حاملة طائراتهم الأكبر في العالم ستغرق، كما أغرق الله جنود فرعون وعجلاتهم، وإن حصارهم لكم في أرضكم سينقضي، وسيفشل أعداؤكم وتذهب ريحهم، فهم الباغون، وعلى الباغي تدور الدوائر، فلا تهنوا ولا تحزنوا لأن الله معكم. إنكم بما فعلتم حتى الآن لم تدفنوا فقط نظرية الردع الإسرائيلي في قبر سحيق، لكنكم أيضا تقولون لكل قزم متجبر إنكم أقوى من جيوشهم التي لم تجلب معها غير عار الهزيمة معركة وراء معركة، باستثناء ما فعله أهلكم في مصر قبل خمسين عاما. إنكم تثبتون اليوم أن جماعات مسلحة بإرادة المقاومة يمكن أن تبلي أحسن البلاء في حرب الكرامة والمقاومة. صحيح إنكم تصنعون دروعكم وأسلحتكم في ورش صغيرة للحدادة والميكانيكا في شوارع غزة الخلفية، أو بين الأنفاق المظلمة، لكنكم أثبتم بها أنكم قادرون على تحقيق انتصارات، عجز عن تحقيقها أصحاب صفقات السلاح بعشرات المليارات. إنكم تصنعون سلاحكم بإرادة المقاومة ولا تستوردونه إرضاء للغاصب أو حلفائه، وطمعا في عمولة هنا، ونفاق هناك. يا أهل غزة ومقاتليها، لقد أسقطتم أسطورة جيوش الطغيان، التي تجري عندما تجري كغثاء السيل، بلا قيمة ولا عزيمة، ولم تجلب وراءها غير عار الهزيمة، ولذلك فإنكم يجب أن تدركوا مقدار الغضب عليكم والخوف منكم، من جانب حكامكم الأقربين. إنهم يحيكون لكم المؤامرات، فتحوطوا لهم، ولا تخشوهم، فإنهم في أسفل السافلين إلى يوم الدين.
إن 7 أكتوبر 2023 هو يوم يفصل ما كان قبله، عما يجيء بعده، وإذا كان حاكم إسرائيل يقول إنه سيفعل بكم ما يجعل الشرق الأوسط من بعد غير ما كان من قبل، فإن هذا يعلي من شأن ما فعلتم، ويزيد من خطورة مسؤوليتكم وأنصاركم في جعل الشرق الأوسط الجديد امتدادا للسابع من أكتوبر، وليس على ما يريد غلاة قادة الصهيونية الدينية والمتطرفين المتعطشين إلى الدم. إنهم يريدون منكم الرحيل عن بيوتكم! فإلى أين ترحلون؟ هؤلاء الذين وصفوكم بـ»الحيوانات البشرية» لا مكان لهم بين البشر، لأن الحضارة لا تقوم على الدم، وإنما على التسامح والإخاء. عصابة الصهيونية الدينية المتطرفة تعود اليوم إلى استلهام تاريخ الاغتصاب الأول لفلسطين، لغرض تحقيق اغتصاب نهائي لكل الأرض الممتدة بين النهر والبحر، بما فيها الضفة الغربية والقدس وحتى غزة، التي يعدون العدة لاحتلالها. إن حلم هؤلاء إلى «الهيمنة» يتسع إلى كل ما بين النهرين الكبيرين، وما بين الخليج والبحر المتوسط. ولذلك فإنهم الآن يتحدثون أولا عن نزعكم من أرضكم، وإبادة هويتكم. وهم إذا تمكنوا من ذلك، فإن «الهيمنة» هي طريق مستقبلهم الذي يرونه لأنفسهم. وهم إذا كانوا يرددون دعوة إلى «دمج إسرائيل» في المنطقة، فإن المعنى المقصود من ذلك هو «الهيمنة» المتوحشة، التي تفرض على كل الشعوب الأخرى ما يحاولون فرضه عليكم أولا، ليكون ما يفرضونه عليكم المثال لما يجب أن تقبل به الشعوب الأخرى في المنطقة.
إنهم وقد أسقطوا من خطابهم السياسي مصطلح «الضفة الغربية» ليستخدموا بدلا منه «يهودا والسامرة» في خطابهم السياسي، فهم إنما يريدون دفع حقيقة «الاحتلال» خارج دائرة السياسة، وخارج ذاكرة التاريخ، حتى تستقيم لهم شرعية تجريد الفلسطينيين من أملاكهم، بل قتلهم، وتجريد المسلمين من مقدساتهم، وحرمانهم من صلواتهم، كما هم يبصقون على المسيحيين في صلواتهم. إن غايتهم أولا هي طرد كل من هو غير يهودي من أرض ما بين النهر والبحر، ولذلك فإنهم في خطابهم السياسي يذهبون الآن إلى ابتكار تسمية جديدة لأهالي الضفة الغربية بأن أطلقوا عليهم مصطلحا سياسيا جديدا هو «عرب المناطق»، فهم لا يطيقون ذكر «فلسطين»، لأنها كلمة تذكّر المجرم بجريمته، وهي حافظة من حوافظ الهوية التي لا تموت. لقد كُتب القتال على غزة وأهلها، كتب القتال على كل الفلسطينيين، كتب القتال على كل الشعوب، التي تحرص على حرية إرادتها وأن تقاتل ضد إرادة الهيمنة التي تحاول الصهيونية الدينية الدموية فرضها بالقوة. فليقف العالم كله ضد شرعية القوة التي تبرر القتل والاغتصاب. وقد كان من نصيب غزة وأهلها أن يكونوا في مقدمة الصفوف في هذه الوقفة، وهم يجب أن لا يكونوا وحدهم، فكونوا معهم.
كلمة أخيرة إلى هؤلاء الذين اعتقدوا أن الطريق إلى الرخاء والارتقاء هو الخضوع للمغتصب، أو نفاقه، والسعي إلى عقد الصفقات معه. نقول لهم إن هذه صفقات مع الشيطان، فاحذروا المقبل، لأن المقبل هو الطوفان. طوفان الأقصى سوف يقتلع جذور كل مستبد وكل مختال فخور، يعتقد أنه إله أو أنه ظل الله على الأرض. إن طوفان الأقصى حقيقة متعددة الأبعاد، فكونوا على يقين أن الباطل باطل وهو إلى زوال، وأن الحق حق، وهو الخلود وخير المآل.
كاتب مصري

 


 

التعليقات (0)