- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
إقتراب النهاية قراءة خاصة لفيلم (ساعة ونصف)
إقتراب النهاية قراءة خاصة لفيلم (ساعة ونصف)
- 29 يونيو 2021, 9:17:57 م
- 1325
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فيلم (ساعة ونص) نتاج راقي سينمائيا، وهادف لدرجة بعيدة.
وفي الأجواء الطبيعية يستحق أن يكون ضمن أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما المصرية.
ولكن بما أن المصريين تلوثت أجوائهم، وفقدوا جزء كبير من إنسانيتهم، كما ذكر الفيلم، فلن نجد أي تكريم لصناعه.
وقد سرد الفيلم، وشرح بشكل غير مباشر كل شيء عن مصر والمصريين، من خلال القطار، ومن يديرون شئون القطار من الخارج.
- فمن كان بداخل القطار : هم الشعب.
- ومن كان خارج القطار هم الشعب أيضا.
وأصحاب المسئولية عن سلامة القطار، كانوا بداخل وخارج القطار.
وكانت رسائل الفيلم الغير مباشرة كما فهمتها كالتالي :
أولا/ عرض لبعض الشخصيات داخل القطار (الشعب)
دور المثقف، صاحب الإطلاع الكبير، والعالم بكبار الأدباء والسياسيين، المحليين والدوليين، ففي أي بلد طبيعي يجلس من مثله على مقاعد وزارية أو حزبية، ولكن في مصر، فإن مثله يعمل في وظيفة لا يمارسها إلا جاهل، أو غبي.
** دور المصري الذي جذبته الحضارة الغربية، من خلال سفره لأوروبا، وعندما بات يتصرف بشكل حضاري، وجد نفسه متهم في بلده النامي الذي لا يعترف بالحداثة أو العلم، بل ويحرم كل ما هو أجنبي، فأصبح المصريون يطلقون إتهامات العمالة على كل من يأتي من الخارج، ويطلقون عليه لقب (عميل أمريكاني) حتى وإن سافر أوربا ولم تطأ قدماه أمريكا !.
دور رجل الأمن والسلطة، والذي يعم بداخله هموم لا حصر لها، ويعاني الحاجة والآلام النفسية الصعبة، فبات يكذب ويرتشي، لأنه يرى أن تلك أدوات العصر للتعايش، ولم يكتفى .. إنما يحض من كل من يقربه منه، على الكذب والإنحطاط بالأخلاق، من دون أن يعلم، أن ما يدعو إليه تعد أشياء ضد الأخلاق.
ـ دور الطبيبة العالمة، ذات الخبرة والمهارة، لكنها تعيش في بلد لا يحترم أو يقدر المرأة مهما وصلت من العلم، فهي مقيدة بسلاسل من جديد، لا ينفك أو ينقطع، وليس لها إلا أن ترضى بما يفرضه عليها من يقودها، وهو زوجها حتى وإن كان جاهلا.
ـ دور الجاهل زوج الطبية، صاحب القرار، وفي ذات الوقت ليس لزوجته الطبيبة، الحق في إتخاذ أي القرار، لأن المجتمع المصري لا تعترف بأي حق للمرأة أو العلماء.
ـ دور الأم والبنت، إذ كانت الأم تشعر بآلام نفسية، لشعورها بأن عمرها، سرقته منها الوحدة، والألم، والجفاء، فلم تسعد مع شخص تحبه ويحبها، وكانت البنت كأمها تزوجت وأنجبت، وتشعر بما تشعر به أمها، ولم تتغلب أي منهما على منغصات حياتها، ووصل بهما الحال إلى أن تتشابكا بالأيادي لأجل حفنة قليلة من المال لا تجدي نفعا لأيهما.
ـ دور الأم الجاهلة، التي أنجبت ولدا، ولم تعطه شيء كما تعطي بعض الأمهات، سواء علم أو مال، فكانت النتيجة أن أحس إبنها بثقل أمه على كاهله، فقرر الإستغناء عنها من دون مبالاة لمصيرها، أيا ما سيكون، فلا هو بات يعتد بعذابها أو حتى موتها.
ـ دور الشاب المصري الذي تعني له الحياة من وجهة نظره، أن يجد وظيفة براتب يكفي مطعمه ومشربه، وأن ينجب أبناء، لتكتمل سنة الحياة، طبقا للثقافة المصرية، بيد أنه غير مؤثر في أي شيء يخص مجتمعه أو بلده، مثله كمثل ملايين الشباب، يسعون للقليل من المال والبنون، من دون أن يفكروا في مصير من ينجبون.
ـ دور الشاب الشهم الذي قرر حماية أرواح الناس، فما كان منهم إلا أن دعموه بالمديح والثناء، وما أن لقي حتفه، إلا ونسيه الناس فورا، وعادوا يفكرون في مصالحهم الشخصية.
- طرح خيبة أمل الشباب في وطنهم مصر، وأنهم لم يجدوا طريق النور، لا في داخل الوطن أو خارجه، يشعرون بأن عمرهم قد سرق منهم من دون محاسبة.
ثانيا/ عرض لبعض الشخصيات من خارج القطار :
- صاحب السلطة، والمسئول عن أمن القطار أثناء عبوره من منطقته، هو صاحب وظيفته خطيرة، لأنه إن تغافل عنها، قد يموت العشرات أو المئات، وسلطته تقتضي اليقظة والحيطة، ولكن كيف ذلك، وهو في النهاية موظف لا يكفيه راتبه، وغير قادر على سد طلبات زوجته المادية والجنسية، فظل منشغلا بهمومه، حتى آثر رد إعتباره، على أرواح (الشعب)، المكتظ في القطار، فطغت المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
- زوجة المسئول عن أمن القطار في منطقته، ودورها كزوجة يفترض أن يأنس بها زوجها، وأن تكون سره، وحاضنته، ومأواه في آخر الرحلة، بيد أن كل ذلك غير موجود، فكانت خائنة، وكاذبة، وزانية، ولم تزني لأجل رجل يمنحها المتعة، وإنما لأجل شاب كريه الرائحة، بذيء اللسان، فكانت تخون زوجها ليس لأجل المتعة، وإنما تخون كما لو أن الخيانة فرض، أو أنها أداة من أدوات التعايش مع العصر.
- تمثيل الشباب الخارج عن القانون، والذي آثر المصلحة الشخصية على حساب كل شيء، حتى وإن كانت حياة الناس !، إنه منطق المفسدين في الأرض، يعيشون من خلال إرهاب الناس وتخويفهم، بينما مثلهم يجب أن يحاكموا، ولكن ها هو المجتمع قد قبل بهذه الحفنة العفنة، والتي مكانها السجون لا محالة.
- دور المصرية التي تدافع عن بلدها من دون إعمال عقلها، فترى مصر في أفضل حال، وترى الغرب المتحضر في موضع أقل من موضعها، وإن تحدثت في نقاش تتناقش بحدة، من دون تفكير، وتسيل الإتهامات والشتائم بلا مبرر، وفي المقابل تحاول الفتاة الغربية تلاشي عنفها المتوقع في أي لحظة، من دون رد على الإساءة.
- دور الأب المصري، الذي يعاني من الحياة وويلاتها، بيد أنه كباقي الذكور من المصريين، تزوج ثم أنجب ولدا، وبات هو وزوجته، يضعون آمالا عريضة على إبنهما المريض العائد من الخارج، معتقدين أنه سينتشلهما من الفقر المدقع الذي يعيشانه، غير مدركين أن ولدهما لم يتلقى التعليم المناسب، ولم يتلقى أي رعاية صحية، ولا يمتلك موهبة أو إبداع، تؤهلانه لأن يحقق أي مكاسب مالية، مثله كمثل ملايين الشباب.
فكانت نهاية الأب والأم أنهما بدلا من أن ينتظرا عودة إبنهما محملا بالمال، عاد إليهما جثة هامدة، محملة بالخيبة والندامة.
أكتفي بهذا القدر عن الحديث عن بعض الشخصيات التي وردت في الفيلم، وإن كانت كل شخصية تحتاج لأكثرمن مقال، سواء من ذكرتهم، أم من لم أذكرهم.
إلا أنني لا أستطيع أن أتغاضى عن النهاية، والتي بدت من وجهة نظر صناع الفيلم مؤسفة، بيد أنها منطقية، حيث أن القطار قد إنفجر، في حادث أليم .. كان سببه إنعدام الأخلاق، وإنتشار الرذيلة، والكذب، والخيانة، والغدر، وغياب الحق، والعدل.
وكان أصعب مشهد في النهاية هو : موت المثقف، إذ حط الناس أقدامهم على رأسه بعدما وقع على الأرض، فحاول أن يقاوم، إلا أنهم عادوا ودهسوا رأسه مرة ثانية بأقدامهم ليموت بتلك الطريقة.
ـ فكانت رأس المفكر مكمن مقتله.
وما بعد النهاية كان نذير الخطر، والرسالة الأهم :
- فقد تم ذكر الحادث الأليم في نشرة الآخبار، من خلال عرضه على لسان مذيع النشرة في سطر !، من دون سرد لأي أسباب.
- أما الصحف التي ذكرت بعض تفصيلات الحادث، فإن المصريون لم يقرؤها، وإنما إستخدموا أوراق الصحيفة لتكون قرطاسا يضعون فيه أكلتهم الشعبية : الطعمية (الفلافل).
في النهاية :
يرسل لنا الفيلم، أن المصريين إن تعرضوا للفناء في أية لحظة، فإن العالم لن يكترث أو يهتم لأمرهم، لأنهم لا يفيدون الإنسانية بأي شيء.