إيكونوميست: الأنظمة العربية تحاول إسكات السلطة الرابعة بالقمع والتدجين والاستحواذ.. فهل ستمنع انتفاضة جديدة؟

profile
  • clock 13 يناير 2023, 8:10:41 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريراً قالت فيه إن الحكام العرب حوّلوا الصحافيين إلى حاشية، فالاستفزاز والضغوط المالية تجعل من العمل الصحافي أمراً صعباً. وقالت إن إغلاق مؤسسة صحافية مستقلة كاف، في معظم أنحاء العالم، لكي يثير الغضب، ولكن ليس في الجزائر.

فلم يحضر سوى عدد قليل من الصحافيين المؤتمر الصحافي الذي دعا إليه، في 7 كانون الثاني/ يناير، محامو إحسان القاضي، الصحافي الذي اعتقل وأغلق الراديو الذي يديره على الإنترنت. وقام الأمن بمصادرة هاتفه النقال وأجهزة الكمبيوتر. وقالت ابنته هينان القاضي: “لقد صدم الناس وشعروا بالخوف من الاعتقال وامتنعوا عن نشر خبره”. وقالت هينان، المحللة المعروفة، إن الصحافة الجزائرية إما تم تدجينها أو أجبرت على الإغلاق.

إغلاق مؤسسة صحافية مستقلة كاف، في معظم أنحاء العالم، لكي يثير الغضب، ولكن ليس في الجزائر.

ولم يكن الوضع هكذا في العقود الماضية، فقد تحمل الحكام العرب الصحافة المستقلة بطريقة أو بأخرى. ورأى البعض منهم فيها شبكة أمان وطريقة للتعرف من خلالها على مواقف الرأي العام. وشددوا من القبضة على الصحافيين، لكنهم لم يملوا ما ينشرونه. ويتذكر صحافي سعودي التسعينات من القرن الماضي: “كتبنا عن صفقات السلاح الفاسدة، ودعم السكان المحليين للجهاديين، وقمع حقوق المرأة”.

ولم يعد الوضع كما كان، فبحسب منظمة مراسلون بلا حدود، فإن ثمانية من 15 دولة تنتهك الحريات الصحافية هي من الشرق الأوسط، وهو عدد أعلى مما كان عليه قبل عشرين عاماً. فالديكتاتوريون الذين أطاحت بهم ثورات الربيع العربي عام 2011 حولوا الصحافيين لمجرد بوق لهم. وفي عام 2019 التزمت كل صحف مصر بنشر 42 سطراً للإعلان عن وفاة محمد مرسي، الرئيس الذي أطاح به انقلاب عسكري. ويقول صحافي مصري مجرب، متحسراً: “رجل مخابرات يقوم بالإشراف على عملك، ولهذا فعليك التكيف والكتابة عن مشاريع الزعيم الكبرى، جسوره وشوارعه”. وبالنسبة للأنظمة العربية فالأخبار المسموح بها هي تلك الأخبار الجيدة. وفي الصيف الماضي، أغلقت الإمارات العربية المتحدة صحيفة “الرؤية” المحلية وطردت محررها، وعدداً من الصحافيين العاملين فيها، عندما نشرت أخباراً حول أسعار المحروقات الرخيصة في عمان.

 وشرح مسؤول: “لو كنت تعمل في مؤسسة حكومية فما عليك إلا أن تتبع الخط الرسمي”.

أغلقت الإمارات صحيفة “الرؤية” المحلية، وطردت محررها، وعدداً من الصحافيين العاملين فيها، عندما نشرت أخباراً حول أسعار المحروقات الرخيصة في عمان.

وتقوم الأنظمة بشراء شركات الإعلانات حتى تحرم الصحف الخارجة عن الخط من الموارد المالية. ومع جفاف الأموال، تقوم الحكومة، أو أصدقاؤها، بشراء هذه المؤسسات الإعلامية أو تترك لكي تموت. وقامت بعض الحكومات بتشريع قوانين تحظر نشر الأخبار التي تؤثر على النظام الاجتماعي. ويمكن مراقبة الصحافيين واختراق هواتفهم من خلال برمجية خبيثة، مثل بيغاسوس، النظام الإسرائيلي القادر على التنصت واختراق الهواتف النقالة.

واعتقل الكثيرون منهم، فمصر تعتبر ثالث دولة في العالم من ناحية سجن الصحافيين، وأخافَ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018 الكثير من الصحافيين الذين اختاروا الصمت، كما تقول منظمة حماية الصحافيين، وهي منظمة غير حكومية في نيويورك.

واليوم تهيمن ثلاث دول خليجية على الصحافة في العالم العربي: قطر والإمارات العربية المتحدة والسعودية. ولا تزال بيروت، التي كانت مركزاً للإعلام العربي، تستضيف أهم قناة تلفزيونية شيعية، ولكن العاصمة اللبنانية مكسورة مالياً لكي تستثمر في المؤسسات الإعلامية الكبرى.

 وكان الإعلام الغربي يقدم رؤية بديلة، ففي حرب حزيران/ يونيو 1967 قال الإعلام المصري إن الطائرات الإسرائيلية تسقط مثل الذباب من السماء، إلا أن بي بي سي نشرت تقريراً قالت فيه إن القوات الإسرائيلية تتقدم على كل الجبهات. إلا أن هيئة الإذاعة البريطانية أعلنت، في أيلول/ سبتمبر عن إغلاق القسم العربي بعد 84 عاماً من البث على الهواء، متعللة بالتكاليف المالية.

لكن هيو مايلز، مؤلف كتاب عن الإعلام العربي يرى أن بي بي سي “حيّدت” و”باتت خائفة من الهجوم على الأنظمة في الخليج”.

أخافَ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الكثير من الصحافيين الذين اختاروا الصمت.

وأعلنت مؤسسات إعلامية أخرى، مثل بلومبيرغ وسكاي نيوز، عن شراكات مع دول خليجية، مما حدّ من تقاريرها. وتقوم الأنظمة بتقييد عمل المراسلين الأجانب، وتقيد حصولهم على التأشيرات، وتحجب المواقع الإخبارية.

 وتقول المجلة إن الصحافيين العرب، وعلى مدى قرن، وجدوا ملجأ لهم في الدول الغربية، عندما كانت تسوء الأوضاع في بلادهم. فبعد الحرب الأهلية في لبنان، في سبعينات القرن الماضي، أصبحت العاصمة البريطانية مركزاً للإعلام العربي، إلا أن هناك إشارات عن ملاحقة الأنظمة العربية لهذه المؤسسات الإعلامية في المهجر. فصحيفة “العرب”، وقناة “الغد”، اللتان تمولهما الإمارات، انتقلتا أخيراً من لندن. وفي آب/ أغسطس قررت قناة “العربي الجديد”، المملوكة من قطر، نقل استوديوهاتها من لندن إلى الدوحة. وقال عبد الرحمن الشيال، الذي كان مديراً للقناة حتى وقت قريب: “التوظيف في معظم العالم العربي مرتبط بما يقال لهم”، و”يتصرف المحررون وكأنهم وزراء حكومة”.

وتحت ضغوط من الرقابة والملاحظات يقوم المحررون بنسخ ولصق البيانات الحكومية ونشرها كأخبار. ويشعر مذيعو التلفزة بالقلق من الانحراف عن الخط الرسمي وهم يقرأون نشرات الأخبار المرسلة إليهم عبر سامسونغ.

يشعر مذيعو التلفزة بالقلق من الانحراف عن الخط الرسمي وهم يقرأون نشرات الأخبار المرسلة إليهم عبر سامسونغ.

وتراجع عدد الصحافيين في السجن قليلاً، ففي 2021 كان عدد الصحافيين الذين سجنوا في العالم العربي هو 72 شخصاً، أي نسبة 25% من الحصيلة العالمية، وأقل من نسبة 32% عام 2020. وقلة العدد مرتبطة بتوقف الصحافيين عن نقد الحكومات في تقاريرهم. كما يتم التعامل مع التوزيع وعدد المشاهدين كأسرار دولة، وليس من الواضح إن ارتبط تراجع مشاهدة البرامج بتهدئتها.

وفي دراسة مسحية لمؤسسة استطلاعات إماراتية عام 2019، قالت نسبة 80% إنها تأخذ أخبارها من منصات التواصل، وهي نسبة أعلى من 25% عام 2016. وتشعر الحكومات العربية بالفرح من اهتمام مواطنيها بالرياضة والدراما، وقامت السعودية وقطر بالاستثمار، وبشكل كبير، في الرياضة. وتعرض “أم بي سي”، أهم مزود للمسلسلات الدرامية في العالم العربي، مسلسلات متتابعة. وربما ندمت الأنظمة العربية على إسكات السلطة الرابعة، كما يقول الصحافي السعودي عبد العزيز الخميس: “لو لم تحذر القادة من الغضب والمشاكل في المجتمع، فلربما فوجئوا بانتفاضة جديدة”.

كلمات دليلية
التعليقات (0)