- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
"الدفاع العقدي".. عدسة وبوصلة أمريكا في شرق آسيا
"الدفاع العقدي".. عدسة وبوصلة أمريكا في شرق آسيا
- 11 مارس 2023, 6:25:14 ص
- 415
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا صدفة في السياسة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأمن الدول الكبرى، فحينها يتحرك كل شيء وفق خطط معدة سلفا، عكف على صياغتها خبراء ومختصون، ونوقشت باستفاضة حتى اعتمدت في شكل قرارات وتوجهات تحكم السياسة الخارجية لدول ما.
ذلك الإطار يحكم سياسات معظم الدول، التي تتحرك في محيطها الخارجي وفق خطط مدروسة، وشراكات تعتمد على المكاسب المتبادلة، وتحقيق الأهداف المشتركة.
إحدى تلك السياسات كانت "نظام الدفاع العقدي" Nodal Defence System الذى اعتمدته قبل سنوات الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يعد قادرًا على تفسير أمور تبدو في ظاهرها منفصلة؛ لكنها في حقيقتها متصلة بشكل لا ينفرط.
وبدا ذلك النظام واضحًا، في التقارير الأخيرة التي تحدثت عن أن أستراليا تعتزم شراء ما لا يقل عن أربع غواصات تعمل بالطاقة النووية من طراز فرجينيا من الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار شراكة دفاعية ناشئة يعتقد أنها موجهة لتقويض الطموحات العسكرية الصينية في المحيط الهادئ.
وقبل نحو 18 شهرا، أعلن عن شراكة دفاعية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا فيما يعرف بمجموعة "أوكوس"، والتي بموجبها يتم مد أستراليا بتكنولوجيا صناعة الغواصات النووية، بعد أن فسخت كانبرا عقدها مع شركة فرنسية لشراء غواصات نووية.
فما هو هذا النظام؟
يقوم نظام الدفاع العقدي على إقامة تحالفات بشكل هندسي جغرافي، تعمل مع الوقت على حصار الجهات المعادية والمخاطر الإقليمية.
وتقوم التحالفات التقليدية على مفهومي المحور (واشنطن) والطرف (دولة ما)، حيث يتمتع الحلفاء المختلفون (الأطراف) بعلاقات استراتيجية ثنائية عميقة مع واشنطن (المحور) لكن ليس مع بعضهم البعض.
وتقوم الاستراتيجية العقدية على جمع تلك "الأطراف" (المتحالفون مع الولايات المتحدة بشكل منفصل) والتشبيك فيما بينهم، في إطار من التحالفات والشراكات؛ بحيث تكون تحالفاتهم مع الوقت (وان كانت لأسباب متعددة تقترب أو تبتعد عن أسباب تحالفهم الأصلي مع الولايات المتحدة) ركيزة أساسية في استراتيجية الولايات المتحدة الدفاعية في منطقة ما
ويجسد هذا النظام بشكل أفضل كيفية عمل أنظمة التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في أوروبا وشرق آسيا اليوم. وجاء نظام الدفاع العقدي ليحل محل التحالفات الثنائية التقليدية.
وكانت الولايات المتحدة، أنشأت بعد الحرب العالمية الثانية بوقت قصير، أنظمة تحالف إقليمي لمواجهة التحديات الأمنية الناشئة في أوروبا وشرق آسيا.
تلك الأنظمة إما اعتمدت الصيغة الثنائية مثل التحالف بين الولايات المتحدة ودولة ما، أو اعتمدت الصيغة الجماعية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهي النموذج القياسي للتعددية.
تهديدات إقليمية
وطوال فترة الحرب الباردة، كان الهيكل متعدد الأطراف لحلف الناتو موجهًا للدفاع عن أوروبا من التهديد السوفييتي الشامل، إلا أنه مع ذلك، تنوعت بيئة التهديد الإقليمي لاحقًا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بسبب الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وفقد نظام التحالف الإقليمي إحساسه الأصلي بالهدف وشهد مزيدًا من التشرذم.
وركز أعضاء الناتو بشكل متزايد على المزيد من التحديات "المحلية'' ومشاكلهم الخاصة، وتجمعوا حول مجموعات ثنائية وثنائية صغيرة مختلفة تركز على التهديدات الجزئية.
في الوقت نفسه، صاغت دول أوروبا الغربية والجنوبية سياساتها الدفاعية إلى حد كبير حول تحديات مثل عدم الاستقرار الإقليمي أو الإرهاب، وعلى الرغم من أن الناتو لا يزال موجودًا ويوفر بعض التماسك الموحد في الأمن الأوروبي، فقد أظهر التعاون الدفاعي تنظيمًا أكبر على المستويين الثنائي والصغير.
وفي شرق آسيا، وخلال الحرب الباردة، سمح نظام النقاط المحورية في التحالفات الثنائية للولايات المتحدة وحلفائها الأفراد بالتعامل مع تحديات أمنية متعددة؛ فتعامل كل حليف للولايات المتحدة في هذا النظام مع تهديد مختلف، سواء كان ذلك في مواجهة النفوذ السوفيتي في آسيا، أو ردع كوريا الشمالية عن مهاجمة الجنوب، أو الدفاع عن تايوان ضد الصين.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى وانتهاء الحرب الباردة والذي أعقبه صعود روسيا والصين، تطورت الاستراتيجية؛ إذ حفزت واشنطن بعض الأطراف على التفاعل والتماسك والتقرب أمام التطورات الإقليمية.
وشجعت الولايات المتحدة حلفاءها وشركائها الأمنيين بشكل متزايد من خلال قنوات ثنائية ومتناهية الصغر ومتعددة الأطراف متداخلة لمواجهة التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة بالتنسيق مع بعضهم.
تشابك تراكمي
ويتميز نظام الدفاع العقدي بالتشابك التراكمي للمبادرات الثنائية والمتناهية الصغر والمتعددة الأطراف. وتختلف الأدوار الوظيفية بين أعضاء نظام التحالف من أجل مواجهة تهديدات معينة. والتخصص الوظيفي هو الدرجة التي تركز بها الدولة على مهمة (أو دور) معين داخل نظام تحالف.
وبالعودة الى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، فيمكن عبر ذلك النظام العقدي النظر الى مساعي الولايات المتحدة للتقريب ما بين حلفائها وبعضهم؛ لكي يتجاوزوا خلافاتهم الثنائية لتنقية الأجواء البينية داخل تحالف استراتيجي واسع تقيمه الولايات المتحدة ضد الصين في المنطقة.
ومن بين هذه المساعي، يمكن النظر الى اتفاقيات التعاون والتقارب بين اليابان وأستراليا؛ ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت أستراليا واليابان اتفاقا أمنيا تاريخيا يهدف إلى مواجهة الصعود العسكري للصين ويقضي بتبادل المزيد من المعلومات الاستخباراتية الحساسة وتعزيز التعاون العسكري.
كما أعلن عن اعتزم الحكومة اليابانية تقديم ما قيمته 1.6 مليار دولار من صندوق الابتكار الأخضر لتسريع جهود أستراليا الرامية إلى إنتاج الهيدروجين من الفحم والكتلة الحيوية بغرض التصدير.
كما يمكن تفسير المساعي الأمريكية للتقريب بين كوريا الجنوبية واليابان اللتين تحملان عداء تاريخيا لعدة أسباب؛ أشهرها جرائم الاستعمار الياباني لكوريا.
وتحدثت تقارير عن توصل طوكيو وسول إلى اتفاق لإنهاء نزاع عكر صفو العلاقات بين البلدين في كل شيء؛ بدءا من التجارة وحتى الأمن.
ومن المقرر أن يزور الرئيس الكوري يون صوك يول اليابان خلال أيام، لعقد قمة ثنائية مع رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا.