- ℃ 11 تركيا
- 15 يناير 2025
الشيخ خالد سعد يكتب:العزة والحرية بين الإسلام وذل الشهوات: دروس في الكرامة الإنسانية
الشيخ خالد سعد يكتب:العزة والحرية بين الإسلام وذل الشهوات: دروس في الكرامة الإنسانية
- 15 يناير 2025, 11:29:53 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لقد كنا نحن العرب أذلَّ قوم، لا وزن لنا بين الأمم، ولا كرامة لنا في الأرض، مشتتين بين قبائل متناحرة وأطماعٍ شخصية، غارقين في الجهل والشرك والضعف. فلما أنزل الله علينا الإسلام، أعزنا به، وأخرجنا من ظلمات الذل والهوان إلى نور العزة والكرامة. صار العرب بالإسلام قادة الأمم، وسادوا الدنيا بكتاب الله وسنة نبيه، ونشروا التوحيد والعدل حيثما وطئت أقدامهم.
العزة لا تُطلب إلا في الإسلام، ولا تُنال إلا بطاعة الله. كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"إنا كنا أذلَّ قوم فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله."
هذا القانون الإلهي ثابت لا يتبدل: العزة لمن أطاع الله والتزم دينه، والذل لمن أعرض عن شريعته وركض وراء زينة الدنيا ومتاعها.
---
العبد يستمد عزته من عزة سيده
فنحن عبيد لله الواحد الأحد، الذي من أسمائه الحسنى "العزيز". وإن عزة العبد لا تأتي من نفسه، بل من سيده ومولاه. فمن كان عبدًا لرب العباد، العزيز الذي لا يُغلب، فإنه يستمد عزته من عزته سبحانه، فلا يقبل بالذل ولا يرضى بالمهانة.
إنه لا يجتمع في قلب المؤمن عبودية لله وعزة لغيره. فمن عبد الله وحده تحرر من عبودية الطغاة والشهوات، وصار عزيزًا شامخًا لا يرهبه ظلم، ولا تُضعفه محنة. قال الله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8].
وما أروع قول الإمام مالك رحمه الله حين قال:
"لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها."
---
تعس العبيد! بين ذل الشهوات وعزة الإيمان
خلق الله الإنسان ليكون حرًا عزيزًا، عبدًا لله وحده، رافعًا رأسه في طاعة خالقه، ساعيًا لتحقيق العزة والكرامة التي أودعها الله في فطرته. لكن ما إن تستبد الشهوات بالنفوس، ويخضع الإنسان لعبودية البطون والفروج، حتى ينحط من مقام الإنسانية السامي إلى درك الحيوانية الوضيع.
الحرية ثمنها غالٍ، لكن الذل أشد ضريبة
إن الحرية لها ثمن باهظ؛ فهي تتطلب التضحية بالراحة، وبذل النفس والمال، وقد يصل الثمن إلى تقديم الروح في سبيل الله، كما قال الشاعر:
"وللحرية الحمراء بابٌ... بكل يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ."
لكن مهما بلغت ضريبة الحرية، فإن ضريبة الذل أشد وأقسى. فالمذلة تُطفئ نور الروح، وتكسر الكرامة، وتجعل الإنسان يرضى بالدونية والهوان، حتى يصبح بلا قيمة ولا تأثير.
وهنا تظهر مأساة النفوس الضعيفة، التي يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة لا تطاق، فتختار الذل والمهانة هربًا من هذه التكاليف. لكنها لا تدري أنها بهذا الاختيار تدفع ضريبة أشد وأفدح من تكاليف الكرامة. هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة الذل كاملة: يؤدونها من نفوسهم، التي تُستهلك في الخوف والقلق والمهانة، ويؤدونها من أقدارهم، التي تتلاشى مع كل تنازل عن العزة، ويؤدونها من سمعتهم وكرامتهم التي تداس تحت أقدام الطغاة. بل وكثيرًا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون، كما وصفهم الله:
﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ [المنافقون: 4]،
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍ﴾ [البقرة: 96].
فالذليل لا يحيا حياة كريمة مطمئنة، بل يعيش عيشة تافهة، رخيصة، مفزعة، يحاصره الخوف والقلق من كل جانب، ويتجرع مرارة الذل في كل لحظة من حياته.
إن الحر الحقيقي يفضل الموت على حياة الذل والهوان، لأن الذل يقتل الروح، ويُضعف الإرادة، ويجعل الإنسان أسيرًا للخوف من الموت أو فقدان الدنيا، فيعيش حياته في قلق دائم بلا كرامة ولا طمأنينة. أما الحر، فإنه لا يهاب الموت، بل يرى في الشهادة في سبيل الله أعظم كرامة.
قال الله تعالى:
﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
قال الشاعر:
"وللحرية الحمراء بابٌ... بكل يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ."
لكن مهما بلغت ضريبة الحرية، فإن ضريبة الذل أشد وأقسى. فالمذلة تُطفئ نور الروح، وتكسر الكرامة، وتجعل الإنسان يرضى بالدونية والهوان. فالحر يَحيا حياة مليئة بالعزة والكرامة، أو يموت موتًا عظيمًا يُغيظ الأعداء. كما قال القائل:
"وأما حياة تسر الحبيب... وأما مماتٌ يغيظ العدا."
---
عبيد البطون والفروج: سبب كل شر
عبر التاريخ، كانت الفئة التي استعبدت نفسها لشهواتها ومصالحها الذاتية هي السبب وراء كل فساد يصيب المجتمعات. فهؤلاء لا يرون إلا بطونهم وفروجهم، ولا يهمهم سوى تحقيق رغباتهم الدنيئة، حتى لو كان ذلك على حساب دينهم أو كرامتهم أو أوطانهم.
يحاول هؤلاء التافهون أن يقنعوا الناس أن الذل والخنوع والخضوع هي غاية الحياة، لكنهم في حقيقتهم أشباه بشر، بلا ضمير ولا شرف، يبيعون أنفسهم للطغاة ويزينون للناس الخضوع والمهانة.
قال الله تعالى:
﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ﴾ [البقرة: 204].
---
الإسلام دين العزة والكرامة
الإسلام جاء ليحرر الإنسان من عبودية الشهوات والطغاة، ويجعله عبدًا لله وحده. فالعبد لله هو الحر الحقيقي، لأنه لا يخضع لأحد سوى خالقه. يقول النبي ﷺ:
"لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه" (رواه الترمذي).
الإسلام يرفض الذل بكل صوره، ويدعو المسلمين إلى العزة والكرامة، كما قال الله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8].
---
الفرق بين الحرية والذل
1. الحرية تكلف، لكنها تصنع مجدًا: الحرية تحتاج إلى تضحية، لكنها تجلب العزة والشرف، وتجعل الإنسان يعيش حياة مليئة بالقيمة والمعنى.
2. الذل أقصر طريق إلى الهلاك: الذليل يرضى بالدونية، ويقبل المهانة، فيصبح عبئًا على نفسه وعلى مجتمعه، ولا ينتج إلا الانكسار والهزيمة.
3. الشرف الحقيقي في مواجهة الباطل: الوقوف في وجه الظلم والطغيان هو أعظم صور الحرية، وهو الطريق إلى تحقيق رضا الله والنصر في الدنيا والآخرة.
فإما حياة تسر الحبيب وإما ممات يغيظ العدا
الإنسان الحر يعيش حياته متطلعًا إلى ما هو أسمى من متاع الدنيا الزائل، مستعدًا للتضحية في سبيل الله ودينه وكرامته. فإما أن يحيا حياة مليئة بالعزة والمجد، وإما أن يموت ميتة يُغيظ بها أعداءه. أما العبد لشهواته، فهو ميت وإن كان يمشي بين الناس، لا قيمة له في الدنيا ولا ذكرى له في الآخرة.
فلنرفع رؤوسنا عالية بعزة الإسلام، ولنتشبث بطاعة الله، فإن العزة كل العزة في طاعته، والهوان كل الهوان في معصيته والحيد عن طريق شريعته .