- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
الطاف موتي يكتب: أوروبا أو الموت.. كيف بات الغرق أفضل من البقاء في الوطن؟
الطاف موتي يكتب: أوروبا أو الموت.. كيف بات الغرق أفضل من البقاء في الوطن؟
- 29 أغسطس 2023, 5:36:40 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
غالباً ما يُنظر إلى أوروبا على أنها أرض الفرص والحرية والازدهار من قبل العديد من الأفراد في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط؛ إذ يحلمون بالوصول إلى أوروبا للهروب من الفقر أو الحرب أو الاضطهاد أو العنف في بلدانهم الأصلية. ويأملون في إيجاد فرص حياة أو تعليم أو عمل أفضل في أوروبا؛ حيث يمكنهم تحقيق أحلامهم وأهدافهم في أوروبا. لكن الوصول إلى أوروبا ليس بالأمر السهل فهو مقامرة محفوفة بالمخاطر، حيث يغامر الشباب بحياتهم وكرامتهم وحقوقهم.
للوصول إلى أوروبا، يتعين على هؤلاء الأفراد عبور البحر الأبيض المتوسط، وهو أخطر طريق للهجرة في العالم. فوفقاً للمنظمة الدولية للهجرة ، توفي أكثر من 50000 مهاجر في جميع أنحاء العالم منذ عام 2014 أثناء محاولتهم الوصول إلى بلد آخر. وقد وقع أكثر من نصف هذه الوفيات على الطرق المؤدية إلى أوروبا وداخلها؛ حيث حصدت طرق البحر الأبيض المتوسط أرواح ما لا يقل عن 25104 أشخاص.
ولا يقتصر خوض هذه المخاطرة على الشباب فقط، بل تشمل رجالاً ونساء وأطفالاً من مختلف الأعمار والخلفيات، يضطرون جميعاً إلى ركوب قوارب مكتظة وغير آمنة، يدفعون فيها للمهربين آلاف الدولارات مقابل فرصة غير آمنة لعبور البحر. بالإضافة لذلك، عليهم تحمل الظروف الجوية القاسية والجوع والعطش والمرض، وكل ذلك بخلاف احتمالية مواجهتهم لخفر السواحل والقراصنة والميليشيات، وخلال ذلك ربما يشهدون على وفاة أو اختفاء أحد زملائهم المسافرين.
ويختار أغلبهم طرقاً عبر تركيا وليبيا كمحطة للوصول إلى أوروبا، نظراً للقرب الجغرافي للبلدان من القارة الأوروبية؛ حيث يقدم معابر بحرية أقصر وأرخص من الطرق الأخرى. ومع ذلك، فإن هذه المعابر خطيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها؛ حيث يواجه العديد من المهاجرين سوء المعاملة أو الاستغلال أو الاحتجاز من قبل السلطات أو الميليشيات أو المهربين في هذين البلدين.
ويسلك العديد طريقاً من تركيا إلى اليونان، إما عن طريق البر أو البحر. ويؤدي طريق غرب البلقان من تركيا أو اليونان إلى مقدونيا الشمالية أو صربيا، ثم إلى البوسنة والهرسك وكرواتيا وسلوفينيا وأخيراً إيطاليا أو النمسا.
ولا توفر تركيا وليبيا مسارات قانونية لهؤلاء المهاجرين للدخول إلى أراضيهما أو الإقامة فيها أو الانتقال إلى وجهات أخرى؛ إذ يعتبرون مهاجرين غير نظاميين أو غير شرعيين، فالعديد منهم ليست لديهم تأشيرات صالحة أو تصاريح عمل أو وثائق هوية. بالتالي يصعب عليهم الحصول على المساعدة القانونية أو الحماية الإنسانية في حالة تعرضهم للإيذاء أو الاستغلال أو انتهاك حقوق الإنسان الخاصة بهم. وهذا ما يدفع أغلب هولاء المهاجرين إلى المهربين أو الوثائق المزورة لعبور الحدود أو البحر باتجاه أوروبا.
تركيا وليبيا ليستا الطريقتين الوحيدتين اللتين يستخدمهما المهاجرون للوصول إلى أوروبا، فهناك طرق أخرى أيضاً يستخدمونها للوصول إلى أوروبا؛ مثل طرق غرب البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي؛ حيث يؤدي هذا الطريق من المغرب ودول أخرى في شمال غرب إفريقيا إلى إسبانيا، إما عبر مضيق جبل طارق أو جزر الكناري.
خيار يائس بين "أوروبا أو الموت"
رغم كل تلك المخاطر للوصول إلى أوروبا لا تضمن هذه المحاولة نهاية سعيدة لهؤلاء الناس؛ إذ يواجه الكثير منهم التمييز والرفض والإقصاء سواء من السلطات والمجتمعات الأوروبية. علاوة على ذلك يكافح المهاجرون من أجل العثور على وضع قانوني أو حماية أو اندماج في بلدانهم الجديدة. ويواجهون صعوبات في الحصول على التعليم أو الرعاية الصحية وفرص العمل؛ مما يجعلهم يشعرون بالوحدة والعزلة والقلق الدائم من المستقبل؛ إذ يطاردهم خوف دائم من الترحيل أو الاعتقال في أي لحظة.
مرة أخرى عاد أخطر طريق للهجرة إلى دائرة الضوء، على أشلاء أكثر من 500 شخص فقدوا حياتهم عندما غرق قارب مزدحم بالمهاجرين الحالمين بجنة أوروبا "القاتلة".
القارب المخصص للصيد انقلب وغرق في وقت مبكر من صباح الأربعاء، 14 يونيو/حزيران 2023، على بعد حوالي 50 ميلاً (80 كيلومتراً) من بلدة بيلوس الساحلية بجنوب اليونان، كان يحمل على متنه ما بين 400 و750 شخصاً مكدسين على متن قارب الصيد الذي يتراوح طوله ما بين 20 و30 متراً، بحسب روايات شهود العيان.
وأخرجت السلطات اليونانية 104 ناجين وجثث 78 غريقاً إلى الشاطئ في أعقاب الكارثة مباشرة، لكنها لم تعثر على أي شخص آخر منذ ذلك الحين، مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ المكثفة حتى السبت، لكن الآمال تضاءلت في العثور على ناجين آخرين.
صورة نشرتها السلطات اليونانية للقارب قبل أن يغرق/رويترز
عقبها دعت المنظمة الدولية للهجرة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية، كما حثت الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء على زيادة المسارات القانونية للمهاجرين واللاجئين وضمان حمايتهم وإدماجهم.
يفر أغلب المهاجرين من بلدان مزّقتها الحرب مثل سوريا وميانمار وغيرها دول لم تذق طعم الاستقرار؛ حيث يواجهون العنف والاضطهاد والنزوح. ويهرب البعض من البلدان التي تعاني من الفقر مثل غامبيا والسنغال ونيجيريا حيث لا يمكنهم الحصول على التعليم أو الرعاية الصحية و فرص العمل.
وباختلاف أسبابهم، فإن هؤلاء الأشخاص يشتركون في التصميم والمرونة المشتركة التي تتحدى الصعاب والتحديات التي يواجهونها. إنهم على استعداد لتحمل المشقة والمعاناة والخسارة للحصول على فرصة للوصول إلى وجهتهم. وقد حاول العديد منهم العبور عدة مرات من قبل، قبل أن يتم إعادتهم إلى تركيا أو ليبيا حيث يواجهون المزيد من الخطر واليأس بسبب وضعهم غير القانوني. لكنهم لا يستسلمون ، فهم يدخرون المال مرة أخرى ، ويجدون مهرباً آخر ويصعدون على متن قارب آخر بالقول "أوروبا أو الموت".
هل أوروبا هي حقاً الأرض الموعودة التي يأملون فيها؟
إن الواقع هناك غالباً ما يكون بعيداً عن توقعاتهم. فأوروبا ليست جنة لهؤلاء الناس، إنها قارة معقدة ومتنوعة، إذ تواجه أوروبا تحدياتها وأزماتها الخاصة في عدة ملفات؛ مما يجعل الكثيرين من السياسيين هناك يستغلون ورقة الهجرة غير الشرعية للوصول لأهدافهم، فنجد أوروبا منقسمة ومتضاربة حول سياساتها وممارساتها المتعلقة بالمهاجرين والهجرة؛ إذ تجد القارة العجوز صعوبة في تحقيق التوازن بين التزاماتها الإنسانية ومصالحها الأمنية، فيجد المهاجرين بمجرد وصولهم لأوروبا في قلب مشاكلها وضغوطها الاجتماعية والاقتصادية.
ومنذ صعود أحزاب اليمين المتطرف إلى قمة هرم السلطة في كثير من الدول الأوروبية، أصبح ملف الهجرة يحتل صدارة القضايا في القارة العجوز، وتنامت بشكل لافت المشاعر المعادية للمهاجرين وطالبي اللجوء. وفي هذا السياق، أصبحت أوروبا تواجه مأزقاً ضخماً بين ما ترفعه من شعارات أخلاقية وبين سعي السياسيين إلى كسب أصوات اليمين المتطرف.
إن الماهجرين ليسوا مجرمين أو غزاة، إنهم بشر لديهم آمال وأحلام، أظهروا شجاعة ومثابرة سعياً لتحقيقها، رغم العقبات والمخاطر التي حفّت طريقهم. لقد ضحوا بكل شيء من أجل الحصول على فرصة لعيش حياة أفضل. إنهم بحاجة إلى دعم العالم وتضامنه، وليس لا مبالاته وعداءه. وإنهم بحاجة إلى مساعدة الدول والمنظمات والمجتمعات، وليس إلى حواجز وقيود. وإنهم بحاجة إلى اعتراف وقبول، وليس رفض وإقصاء.