المسيرة العسكرية للفريق سعد الدين الشاذلي .. القائد الفذ صاحب خطة النصر في (73)

profile
  • clock 6 أكتوبر 2024, 10:16:10 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

المسيرة العسكرية للفريق سعد الدين الشاذلي .. القائد الفذ

صاحب خطة النصر .. والمنتصر الوحيد في هزيمة 1967

وضع خطة المآذن العالية التي  دشنت مسيرة النصر ومرغة انفس العدو في التراب

إدارة الشاذلي لمعركة العبور أسقطت اسطورة الجيش الذي لا يقهر 

 كتب – مصطفى إبراهيم – رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات 

مع ذكرى معركة أكتوبر المجيدة يتذكر الشعب المصري والعربي بل والعالم أجمع القائد الفذ الذي وضع خطة العبور، وصمم خطة المآذن العالية التي هزمت العدو الإسرائيلي ، ومرغت انفه في التراب، وأسقطت اسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وهو البطل العسكري المصري الفذ الفريق سعد الدين الشاذلي ، صاحب الكلمة العليا في نصر أكتوبر العظيم .. وفي السطور التالية نقدم لقرائنا المسيرة العسكرية للقائد الفذ سعد الدين الشاذلي. . ونكشف أيضاً تفاصيل الخلاف مع السادات الذي اتخذ قرارات غيرت مسار المعركة ومكنت العدو الإسرائيلي من استعادة توازنه وتطويق الجيش الثالث وحصار مدينة السويس ، حيث تصدى له أبطال المقاومة بقيادة الشيخ الراحل حافظ سلامة .. 

الفريق سعد الدين الشاذلي  ، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين السادس عشر من مايو عام ألفٍ وتسعمائة وواحد وسبعين حتى  الثالث عشر من ديسمبر  عام الفٍ وتسعمائة وثلاثةٍ وسبعين  ، ولد في في أبريل عام ألفٍ وتسعمائة واثنين وعشرين ، بقرية شبراتنا مركز بسيون في محافظة الغربية في دلتا النيل. ..هو الرأس المدبر للهجوم المصري الناجح على خط الدفاع الإسرائيلي بارليف في حرب أكتوبر عام الف وتسعمائة وثلاثة وسبعين   .

حظى بشهرة لأول مره في عام ألفٍ وتسعمائة وواحدٍ وأربعين أثناء الحرب العالمية الثانية بعدما رفض تنفيذ أوامر الانسحاب قبل أن يدمر   المعدات المتبقية حتى لا تغنمها  القوات الألمانية المتقدمة ، وتمر الأيام ليبزغ نجم الشاذلي     في هزيمة  عام ألفٍ وتسعمائة وسبعة وستين ، وذلك  عندما كان في مهمة كقائد لوحدة صغيرة  لحراسة وسط، وأدى انهيار الجيش المصري تحت وقع الهزيمة إلى قطع الاتصالات مع القيادة    المصرية ..فقرر الشاذلي   الهجوم على العدو ليس في الأراضي المصرية بل توغل بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بحوالي خمسة كيلو مترات  .. وبقي بقواته كاملة يومين داخل الأراضي الفلسطينية إلي أن تم الاتصال بالقيادة العامة المصرية التي اصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا.. فاستجاب لتلك الأوامر وبدأ انسحابه ليلاً وقبل غروب يوم الثامن من يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، وبدون أي دعم جوي وبالحدود الدنيا من المؤن،  واصل السير بقواته في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ، واستطاع بحرفية نادرة ومعارة فائقة  أن يقطع مائتي كيلو متر    من  شرق سيناء إلى الشط الغربي لقناة السويس  و نجح في العوده بقواته ومعداته إلي الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر تراوحت بين  عشرين وعشرين بالمائة فقط وهو معدل لايصدق في مثل تلك الظروف .. وكان اخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء  بالقوات كاملة وبخسائر لا تذكر صنع للشاذلي  سمعة كبيرة في صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، و كانت أول واخر مرة في التاريخ المصرى يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة الى قوة موحدة هى القوات الخاصة.

الشاذلي رئيساً للأركان

 وفي يوم 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصري، و سمى العملية  بـثورة التصحيح  قرر السادات تعيين الشاذلي رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، لأنه كان يدين بالولاء   لشرف الجندية ولمصر فقط ، وليس محسوبًا على أي من المتصارعين على الساحة السياسية المصرية  يعني ليس مع الناصريين ولا القوميين ولا اليساريين ولا مع حتى  السادات ونظامه الوليد، وكانت ثقة عبد الناصر وقناعته بقدرات الشاذلي      دفعته أن يستدعيه، ويتخطى حوالي أربعين لواء من اللواءات الأقدم منه في هذا المنصب "رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية" ،  مما أدخله في  خلافات مع الفريق محمد أحمد صادق وزير الحربية آنذاك حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء، فالفريق صادق  كان يرى أن الجيش المصري يتعين عليه ألا يقوم بأي عملية هجومية إلا إذا وصل إلى مرحلة تفوق على العدو في المعدات والكفاءة القتالية لجنوده ، وعندها فقط يمكنه القيام بعملية كاسحة يحرر بها سيناء كلها... وعلى النقيض من ذلك كان رأي الفريق الشاذلي أن هذا الكلام لا يتماشى مع الإمكانيات الفعلية للجيش، ولذلك طالب أن يقوم بعملية هجومية في حدود إمكانياته، تقضي باسترداد من عشرةٍ غلى اثني عشر  كيلو متراً في عمق سيناء.

بنى الفريق الشاذلي رأيه   على أن الإستراتيجية الحربية  القائمة على توظيف الإمكانيات المتاحة  واستغلال نقاط ضعف العدو هي الفيصل وليس التساوي مع العدو  في العدة والعتاد وهو أمر يكاد أن يكون مستحيلاً.. ولتوضيح وجهة نظره   سأل الشاذلي الفريق صادق : هل لديك القوات التي تستطيع أن تنفذ بها خطتك ؟ فقال له: لا . فقال له الشاذلي : على أي أساس إذن نضع خطة وليست لدينا الإمكانيات اللازمة لتنفيذها؟... فسكت الفريق صادق الذي أقيل بعدها بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات  وتم تعيين  الفريق أحمد إسماعيل وزيراً للحربية ، وكان فيه خلافات  قديمة بين  الفريق الشاذلي ووزير الدفاع الجديد الفريق أحمد إسماعيل  ،  والخلافات بدأت سنة 1960 عندما كان العقيد الشاذلي قائد الكتيبة المصرية ضمن بعثة الأمم المتحدة  للسلام في الكونغو حينها تم ارسال العميد  أحمد اسماعيل كرئيس للبعثة العسكرية المصرية لدراسة وسائل النهوض بجيش الكونغو.. لكن وقع انقلاب في اليوم التالي لوصول العميد أحمد اسماعيل ، والانقلاب كان مخالفا لسياسات النظام المصري ساعتها، وظلت البعثة برئاسة العميد أحمد إسماعيل بدون عمل، فحال العميد إسماعيل التسلط وإصدار أوامر للبعثة العسكرية  في الأمم المتحدة بقيادة العقيد سعد الشاذلي فرفض الشاذلي بشدة ورد بأن كل بعثة لهام مهام محددة مختلفة عن البعثة الأخرى، فأوشك القائدين أن يتعاركا ويشتبكا بالأيدي ،   و بعدها وبالتحديد في  10 مارس سنة 1969 عُين   عبد الناصر اللواء أحمد اسماعيل  رئيساً لأركان الجيش المصري بقرار اتخذه  عبد الناصر بعد استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، وساعتها توجه العميد الشاذلي الى مكتب الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية وقدم استقالته وتوجه الى منزله و بقى ثلاثة أيام بعيدا عن عمله. . لكن عبد الناصر  أرسل زوج ابنته اشرف مروان الى منزل الشاذلي و أقنعه بالعودة الى عمله  ونقل إلى الشاذلي وعد  عبد الناصر بعدم احتكاك أحمد اسماعيل به.. وبالفعل لم  يذهب الفريق أحمد اسماعيل طوال الشهور الستة التي قضاها رئيسا للأركان قاعدة أنشاص التي كان يعمل بها سعد الشاذلي قائدا للقوات الخاصة  التي تجمع بين الصاعقة والمظلات .. وفي العاشر من سبتمبر عام  ألفٍ وتسعمائة وتسعة وستين  أحال عبد الناصر اللواء أحمد اسماعيل على التقاعد اثر عملية الاغارة الاسرائيلية على الزعفرانة على خليج السويس. وفي ليلة الخامس عشر من مايو  عام ألفٍ وتسعمائة وواحد وسبعين    وعلى إثر تصفية الرئيس الراحل السادات لمجموعة مراكز القوى استعان الرئيس في وقت واحد بالغريمين لتدعيم مركزه وتثبيت حكمه، فأسند الى سعد الشاذلي منصب رئيس الأركان خلفا للفريق محمد صادق الذي عينه السادات في تلك الليلة وزيرا للحربية وقائدا عاما للقوات المسلحة بعد الإطاحة بالفريق أول محمد فوزي، كما تم استدعاء اللواء احمد اسماعيل من التقاعد حيث  ليسند اليه منصب مدير المخابرات العامة..   لم يكن هناك احتكاك مباشر   بين مدير المخابرات العامة ورئيس الأركان  لكن العلاقة بين الرجلين ظلت على حالها من حيث البرودة والكراهية المتبادلة. 

المحطة الأخيرة

 

 وجاءت المحطة الأخيرة للعلاقة بين الشاذلي وأحمد إسماعيل  في عصر السادات الذي أخبر الشاذلي بقرار تعيين الفريق إسماعيل كوزير للحربية ، قبل توقيع القرار بعدة ساعات، فذكر الشاذلي للسادات العلاقة السيئة مع الفريق إسماعيل، وفكر في الاستقالة لكنه تراجع عنها لسببين أولهما أنه خاف أن يظن أنه متضامن مع الفريق صادق وزير الحربية المقال ضمن مراكز القوى، والثاني إنه خاف ايضاً ان يوصف أو يتهم أنه يخشى الحرب وهذا عكس الحقيقة لأن الشاذلي كان منتظرا الحرب والانتقام من الصهاينة بفارغ الصبر .. وبصفة خاصة بعدما بذل جهدا مضنيا وعملا شاقا متواصلا في سبيل اعداد القوات المسلحة لهذه المعركة المصيرية ...ساعتها السادات طمأن  عن مستقبل العلاقة مع الفريق أحمد إسماعيل ، وهكذا  اصبح الشاذلي وإسماعيل وجها لوجه في مقر وزارة الدفاع، فالمكتبان  متجاوران وظروف الإعداد للحرب تحتم التعاون بين  أعلى قائدين   وأرفع منصبين في الجيش المصري،   ورغم التحسن الذي جرى في الظاهر في العلاقات بين احمد اسماعيل وسعد الشاذلي، فان الكراهية العميقة بين الرجلين ظلت على حالها  ،  لكن الشاذلي واصل العمل على تنفيذ خطته للانتصار على الصهاينة، وهي خطة المآذن العالية    وتتلخص في القيام    بعملية  هجومية محدودة ،  تتمثل  في عبور القناة وتدمير خط بارليف و احتلال من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة"...

تفاصيل الخطة كما يلي : هي أول خطة هجومية تضعها القوات المسلحة المصرية بعد هزيمة عام 1967. طبقت الخطة في حرب أكتوبر خلال عملية بدر بعد أن عدل اسمها إلى «خطة بدر» في سبتمبر 1973 أي قبل نشوب الحرب بشهر. 

الهدف الأساسي لخطة المآذن العالية هو عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف واحتلاله، ثم اتخاذ أوضاع دفاعية على مسافة تتراوح بين 10 – 12 كم شرق القناة وهي المسافة المؤمنة بواسطة مظلة الصواريخ المضادة للطائرات، وتتألف القوة المهاجمة من خمس فرق مشاه بإجمالي قوات يصل لـ 120 ألف جندي. وتتمسك القوات المرابطة في شرق القناة بالأرض وتصد هجمات العدو وتكبده أكبر خسائر ممكنه في حين تبقى فرقتين ميكانيكيتين غرب القناة إضافة إلى فرقتين مدرعتين على بعد 20 كم من غرب القناة كاحتياطي تعبوي لفرق المشاة الخمس فضلا عن احتياطي القيادة العامة المؤلف من 3 ألوية مدرعة وفرقة ميكانيكية. وقد روعي في فرقة مشاة أن تكون قادرة على صد فرقة مدرعة إسرائيلية من 3 ألوية مدرعة.

 فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل مقتلين : المقتل الأول هو عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرًا لقلة عدد أفرادها. .والمقتل الثاني هو إطالة مدة الحرب، فهي في كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر؛ لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة  ثماني عشر بالمائة  من الشعب الإسرائيلي وهي نسبة عالية جدًّا تتسبب في شل  الحالة الاقتصادية   داخل الكيان المحتل إسرائيل، يكون معظم الذين يعملون في هذه المؤسسات في النهاية ضباطا وعساكر في القوات المسلحة ؛ ولذلك كانت خطة الشاذلي تقوم على استغلال هاتين النقطتين.

 

الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية يقول عنهما الشاذلي:

«عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق (10) (12) كم شرق القناة بطول الجبهة (حوالي 170 كم) سأحرم العدو من أهم ميزتين له»:

  • الميزة الأولى : تكمن في حرمانه من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر المتوسط في الشمال، وعلى خليج السويس في الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التي ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحًا".
  • الميزة الثانية : يتمتع العدو بميزة مهمة في المعارك التصادمية، وهي الدعم الجوي السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التي تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالاستعانة بالدعم الجوي، وهو ما سيفقده لأني سأكون في حماية الدفاع الجوي المصري، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلي خلال المعركة.

 

 

 

 

وفي يوم 6 أكتوبر 1973 في الساعة 14:05 شن الجيشان المصري والسوري هجوما كاسحا ضد إسرائيل، على طول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري خطة “المآذن العالية” التي وضعها الفريق الشاذلي بنجاح مبهر…  وهكذا سارت المعركة في أيامها الأولى طبقاً للخطة   التي  تم تنفيذها بشكل جيد في الأيام الأولى للمعركة .

 

 

   وقال الشاذلي عن ذلك إنه    في أول أربعٍ وعشرين  ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أي أمر لأي وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدي مهامها بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدي طابور تدريب تكتيكي.. وهذا التصريح الرائع لهذا القائد عظيم يظهر إلى أي  الدرجة وصلت التدريبات وتحفيظ الجنود المهام والتكليفات والتصرفات المطلوبة ساعة الصفر، والتصريح يكشف السر في النصر الكاسح الذي تحقق في الساعات والأيام الأولى لحرب أكتوبر العاشر من رمضان ، ويوضح الفرق بين إعداد الجش والجنود والضباط  في جيش جيل   أكتوبر، وبين الجيش وقت  هزائم وانكسارات حروب 48و56 و67، وتزداد قيمة هذا التصريح بمعرفة من قاله وهو القائد العظيم والفريد ..الفريق سعد الدين الشاذلي .

تغير المسار

 

 

 

 ووسط هذا التفوق والاكتساح من الجانب المصري في الأيام الأولى للحرب اتخذ السادات قرارات وخطوات غيرت مسار المعركة ،  وتم ذلك عقب قيام  القيادة العسكرية السورية  بإرسال مندوب للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا، فأصدر إسماعيل أوامره بتطوير الهجوم  صباح يوم 12 أكتوبر... 

جاءت أوامر المشير أحمدإسماعيل التي عبر عنها بصراحة قائلاً : ”طور الهجوم نحو المضايق“.. كانت تلك إذن الجملة التي لا يود الجنرال الشاذلي سماعها أبدا، وهو يعلم خطورتها و“كارثتيها“.. سمعها يوم ١١ أكتوبر، وحاول إقناع وزير الدفاع إسماعيل بغض الطرف عنها بتذكيره بمضمون خطة المآذن العالية، واتفاق ما قبل اندلاع الحرب، ثم مخاطرها.. وذكره بمأساة أحد ألوية الجيش في اليوم الذي سبق مطلبه ذلك.

 

كان ذلك يوم 10 أكتوبر، عندما اجتهد قائد لواء مصري وتجاهل أمر القيادة له بالانتقال من مكانه إلى مكان آخر ليلا تفاديا لرصده من طرف الطيران الإسرائيلي ثم تدميره. فحاول القائد استغلال ضوء العشية، وتنقل بلوائه قبل أن يسدل الليل أستاره، لكن عسكر إسرائيل رصده حتى خرج من مظلة الدفاع الجوي المصري، فانهال عليه بالقصف الجوي حتى شتته.. وكان في ذلك عبرة، تذكر بأن حرمان الاحتلال من استغلال تفوقه الجوي الساحق من أسس نجاح خطة العبور.. لكن أحمد اسماعيل عاد في اليوم الموالي (12 أكتوبر) يكرر طلبه بتطوير الهجوم..

 

الفريق الشاذلي عارض   بشدة أي تطوير خارج نطاق الـ12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي ، و قال إن اي أي تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي.

هكذا رفض الجنرال الشاذلي الطلب، ودخل في خلاف شديد مع رئيسه اللدود، الذي نجح في فرض موقفه باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، فتخلى الشاذلي عن خطته، وطالب أحمد اسماعيل بإعداد خطة هجوم وتطوير بديلة، لأنه أصبح الآن منفذا، . حتى إن الخطة الجديدة مخالفة حتى لخطة ”غرانيت“ الشكلية التي تضمنت خطة شكلية لتطوير الهجوم نحو المضايق ( في حدود 50 كيلومترا شرق قناة السويس).. رفض قائد الجيش الثاني عبد المنعم خليل (عوض سعد الدين مأمون الذي أصيب بنوبة قلبية يوم 14 أكتوبر)، وقائد الجيش الثالث عبد المنعم واصل، خطة تطوير الهجوم بعدما وصلتهما، واعترضا عليها أمام رئيس الأركان الشاذلي الذي حاول استثمار هذا الرفض لإقناع القائد العام أحمد اسماعيل بعدم جدوى تطوير الهجوم..

 

وعقد الجميع (الشاذلي وقائدي الجيشين الثاني والثالث) لقاءا دام ساعات طويلة لمناقشة التفاصيل، لكن وزير الدفاع كان يردد لازمة واحدة: إنه قرار سياسي ويجب تنفيذه! وأجبر رئيس الأركان وقائدا الجيشين الثاني والثالث على خوض حرب التطوير إجبارا، تنفيذا لأمر عسكري.. صار رئيس الأركان وقادة الجيوش منفذون لأمر عسكري يرفضونه ويعرفون نتائجه، في حرب تحتاج من الإرادة أكثر ما تحتاج للتقنية والسلاح!.

 

العبور تم باقتناع القيادات والجنود بصحة الخطة وبتدريب عال، وبمعنويات مرتفعة تحت صيحات الله أكبر، لكن تطوير الهجوم يوم 12 تم بتخطيط من أحمد اسماعيل تنفيذا لأمر السادات، ورفض من كل القيادات العسكرية الأخرى! فبدأ تطوير الهجوم بالدبابات (!!!)، وفشل بمجرد أن بدأ، لأن الجيش الإسرائيلي طار فرحا بالخطوة المصرية، فشتت الجيش بطائراته، وانطلق يدمر ويقتل ويمارسه لعبته القديمة الجديدة، بطرب المؤخرة والأجناب، وقطع أوصال الجيش المعادي، وعبر إلى غرب القناة. وبغض النظر عن الخسائر البشرية الهائلة، فإن من أكبر آثار قرار تطوير الهجوم، انتقال زمام المبادرة للاحتلال الإسرائيلي الذي استغل الفرصة وعبر بدوره قناة السويس غربا، ووطأ أقدامه بها.

وهنا وقع المقتل الثاني في حرب أكتوبر، وهو عدم موافقة السادات وأحمد اسماعيل على خطة المناورة بالقوات العسكرية، وهي مبدأ من مبادئ الحرب. وتبقى أسباب رفض السادات لتلك الخطوة مجهولة، على الرغم من إشارة البعض أنه كان يريد الاحتفاظ بوضع القوات العسكرية على ما هي عليه على أساس أن يُعلن وقف لإطلاق النار بموافقة دولية، فتبقى قوات مصر شرق القناة وغربها، بينما ثغرة الدفرسوار التي اقتحمها الاحتلال تسمح له بالبقاء غرب القناة، وجل قواته في الشرق.. لكن ذلك لم يكن مضمونان ببساطة لأن الحرب خدعة، وهذا ما حدث إذ أن أميركا بادرت لحث إسرائيل على عدم قبول أي مبادرة لوقف إطلاق النار قبل أن تتغير الأوضاع العسكرية عل الأرض لفائدتها..

 

الفريق الشاذلي كان يريد سحب أربعة لواءات فقط من النسق الثاني شرق القناة، ليست على احتكاك بالعدو ولن تؤثر البتة على موازين القوى في الحرب في سيناء، ثم استغلال لتدمير الثغرة نهائيا، وإقبار لواءات الاحتلال فيها. لكن الخطة رفضت، وأصر السادات على إبقاء الوضع على ما هو عليه، فتغلغل الاحتلال بلواءاته وفرقه العسكرية في الثغرة، وبدأ طيرانه يصول يجول مرة أخرى غرب القناة، قبل أن يغلق طريق السويس نهائيا ويستعيد السيطرة الجوية مجددا، ويحاصر الاسماعيلية والجيش الثالث بأكمله (نحو 45 ألف عسكري وضابط)..

 

 هكذا  للأسف تم تنفيذ أوامر احمد إسماعيل والسادات وبناء على أوامر تطوير الهجوم شرقًا هاجمت القوات المصرية في قطاع الجيش الثالث الميداني (في اتجاه السويس) بعدد   لواءين،  في اتجاه ممر الجدي، وواتجاه ممر "متلا". 

وفي قطاع الجيش الثاني الميداني (اتجاه الإسماعيلية) هاجمت الفرقة 21 المدرعة في اتجاه منطقة "الطاسة"، وعلى المحور الشمالي لسيناء هاجم اللواء 15 مدرع في اتجاه "رمانة".

وكما توقع الفريق الشاذلي كان الهجوم غير موفق  وانتهى بفشل التطوير، مع اختلاف رئيسي، هو أن القوات المصرية خسرت 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودات من بدء التطوير للتفوق الجوي الإسرائيلي... وكما توقع الشاذلي فشلت عملية تطوير الهجوم ، وهو ما تسبب في  نقل المبادأة والمبادرة إلى جانب القوات الإسرائيلية التي استعدت لتنفيذ خطتها المعدة من قبل والمعروفة باسم "الغزالة" للعبور غرب القناة، وحصار القوات المصرية الموجودة شرقها خاصة ان القوات المدرعة التى قامت بتطوير الهجوم شرقا هى القوات التى كانت مكلفة بحماية الضفة الغربية ومؤخرة القوات المسلحة وبعبورها القنال شرقا وتدمير معظمها في معركة التطوير الفاشل ورفض السادات سحب ما تبقى من تلك القوات مرة اخرى الى الغرب ، وأصبح ظهر الجيش المصرى مكشوفا غرب القناة. فيما عرف بعد ذلك بثغرة الدفرسوار.

 في تلك الأثناء اكتشفت طائرة استطلاع أمريكية لم تستطع الدفاعات الجوية المصرية اسقاطها  لأن سرعتها كانت ثلاثة أضعاف سرعة الصوت و ارتفاعها الشاهق – اكتشفت  وجود ثغرة بين الجيش الثالث في السويس والجيش الثاني في الإسماعيلية، وقام الأمريكان بإبلاغ إسرائيل ونجح إريل شارون قائد إحدى الفرق المدرعة الإسرائيلية بالعبور إلى غرب القناة من الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث، عند منطقة الدفرسوار القريبة من البحيرات المرّة بقوة محدودة ليلة 16 أكتوبر، وصلت إلى  ستة ألوية مدرعة، و ثلاثة ألوية مشاة مع يوم 22 أكتوبر..واحتل شارون المنطقة ما بين مدينتي الإسماعيلية والسويس، ولم يتمكن من احتلال أي منهما وكبدته القوات المصرية والمقاومة الشعبية خسائر فادحة.

تطويق الجيش الثالث

   الخسائر الفادحة التي تكبدها العدو الصهيوني لم تمنعه من استغلال الواقع الجديد وهو تطويق الجيش الثالث بالكامل في السويس، ووصلت القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكرى بالنسبة لها غرب القناة خصوصا بعد فشل الجنرال شارون في الاستيلاء على الاسماعيلية و فشل الجيش الاسرائيلى في احتلال السويس مما وضع القوات الاسرائيلية غرب القناة في مأزق صعب و جعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية و الاستنزاف و القلق من  هجوم مصري وخاصة لمعرفتهم بقدرات الفريق الشاذلي الذي  طالب بتدارك الموقف  وسرعة الهجوم على القوات الصهيونية الموجودة شرق القناة ، عن طريق بسحب عدد  أربعة ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب  ليزيد من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة في الغرب، والقضاء عليها نهائيًّا ، وهذا يعتبر من وجهة نظر الشاذلي تطبيق لمبدأ من مبادئ الحرب الحديثة ، وهو "المناورة بالقوات"، علمًا بأن سحب هذه الألوية لن يؤثر مطلقًا على أوضاع الفرق المشاة الخمس المتمركزة في الشرق.

لكن السادات وأحمد إسماعيل رفضا هذا الأمر بشدة، بدعوى أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الانسحاب للغرب منذ نكسة 1967، وبالتالي رفضا سحب أي قوات من الشرق للغرب،

 

 هكذا استغلت إسرائيل غولدا مائير الوضع أبشع استغلال، فاستخدمت حصار الجيش الثالث لحرق كل أوراق مصر، وإجبارها على إطلاق سراح الأسرى والجواسيس وفتح مضيق تيران وصنافير (التي تخلى عنها السيسي مؤخرا للسعودية فخلق ممر دولي لفائدة إسرائيل فيها) أمام السفن لتزويد إسرائيل بالمؤن والوقود، وإذلال عنق مصر لتوقيع معاهدة وقف إطلاق نار وبدأ مسلسل تسوية بشروط تل أبيب.. وهنا وصلت الأمور بينهما وبين الشاذلي إلى مرحلة الفراق ما بين الشاذلي والسادات والتي  وقت بالفعل في الثالث عشر من ديسمبر  عام الفٍ وتسعمائة وثلاثة وسبعين ، و في قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر تم تسريح الفريق الشاذلي من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات و تعيينه سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال وتم تجاهله في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر و التي سلمهم خلالها الرئيس أنور السادات النياشين و الاوسمة ، فقط أرسل إليه السادات المبعوث العسكري في البرتغال ليسلمه نجمة سيناء بدلاً من أن يسلها له بنفسه في احتفال تكريم القادة.

فض الاشتباك

وبعدها تم توقيع اتفاقية فض الاشتباك في الكيلو 101 وتم التفريط في إنجاز 6أكتوبر بعودة كل القوات المصرية التي عبرت القناة، وفي سنة 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة كامب ديفيد و عارضها علانية مما جعل الرئيس السادات يأمر بنفيه من مصر فاستضافته الجزائر.

وفي المنفى كتب الفريق الشاذلي مذكراته عن الحرب و التي اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين أثتاء سير العمليات على الجبهة أدت إلى وأد النصر العسكري و التسبب في الثغرة و تضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة و تدمير حائط الصواريخ و حصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، كما اتهم في تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر و الموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك الأولى و أنهى كتابه ببلاغ للنائب العام اتهم فيه الشاذلي  الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته  و الإهمال الجسيم  بمعارضته للتوصيات التي أقرها القادة العسكريون، وقد ترتب على هذه القرارات الخاطئة  نجاح العدو في اختراق مواقعنا في منطقة الدفرسوار ليلتي الخامس والسادس عشر من أكتوبر عام ثلاثة وسبعين ، وكان بالإمكان   منع حدوث هذا الاختراق تمام.

 إضافة إلى فشل قواتنا في تدمير قوات العدو التي اخترقت مواقعنا في الدفرسوار، في حين أن تدمير هذه القوات كان في قدرة قواتنا لو تم تصفيتها في مراحلها الأولى كما أوصى القادة العسكريون ، ونتج عن قرارات السادات الخاطئة   نجاح العدو في حصار الجيش الثالث يوم  الثالث والعشرين  من أكتو ، و كان من الممكن تلافي وقوع هذه الكارثة.

كما اتهم الشاذلي السادات بأنه زيف التاريخ بنشره الأكاذيب في مذكراته التي سماها " البحث عن الذات " ، وكذلك مارس السادات الكذب على مجلس الشعب وكذب على الشعب المصري في بياناته الرسمية وفي خطبه التي ألقاها على الشعب   المليئة بالأكاذيب  التي لخصها الشاذلي في ادعاء الرئيس الراحل   أن العدو الذي اخـترق في منطقـة الدفرسوار هو سبعة دبابات فقط واستمر يردد هذه الكذبة طوال فترة الحرب..  -و ادعاؤه  أن الجيش الثالث لم يحاصر قط في حين أن الجيش الثالث قد حـوصر بواسطة قوات العدو لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.

ادعاء باطل

 بالإضافة الادعاء الباطل بأن الفريق الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية قد عاد من الجبهة منهارا يوم التاسع عشر من اكتوبر  عام ثلاثة وسبعين وانه أوصى بسحب جميع القوات المصرية من شرق القناة، في حين انه لم يحدث شيء من ذلك مطلقا. 

  وطالب الشاذلي في خطابه للنائب العام بإقامة الدعوى العمومية ضد الرئيس أنور السادات نظير ارتكابه تلك الجرائم ونظرا لما سببته هذه الجرائم من أضرار بالنسبة لأمن الوطن ونزاهة الحكم، واذا لم يكن من الممكن محاكمة رئيس الجمهورية في ظل الدستور الحالي على تلك الجرائم، فإن اقل ما يمكن عمله للمحافظة على هيبة الحكم هو محاكمة الشاذلي لأنه تجرأ  واتهم رئيس الجمهورية بهذه التهم  وإذا كان السادات يتهرب من محاكمة الشاذلي, على أساس أن المحاكمة قد تترتب عليها إذاعة بعض الأسرار، فقد سقطت قيمة هذه الحجة بعد لأن الشاذلي نشر مذكراته في مجلة "الوطن العربي"   للرد على الأكاذيب والادعاءات الباطلة التي وردت في مذكرات السادات، و اطلع على هذه المذكرات واستمع إلى محتوياتها عشرات الملايين في الوطن العربي ومصر       ، وتمت محاكمة  بطل أكتوبر  ، وتم الحكم  الغيابي على الشاذلي بالسجن  ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة بتهمة إفشائه أسرارا عسكرية.. ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية .

كما تمت عدة محاولات لاغتيال الشاذلي في منفاه الاختياري بالجزائر الذي ظل به أربعة عشر سنة ،  سنتان في عصر السادات واثنتا عشر   في عصر مبارك، الذي زور صور حرب اكتوبر ووضع نفسه مكان رئيس الأركان الفريق الشاذلي، وفي عام ألفٍ وتسعمائة واثنين وتسعين قرر الشاذلي العودة إلى  مصر

و فور وصوله مطار القاهرة  أجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة رغم ان القانون المصرى ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابياً لابد أن تخضع لمحاكمة أخرى   مثل أمامها الشاذلي  وكانت أعلى محكمة مدنية هذه المرة وهي المحكمة الدستورية لينجح  محاموه  في الحصول على حكم قضائى  ينص على أن الإدانة العسكرية السابقة غير قانونية وأن الحكم العسكرى الصادر ضده يعتبر مخالفاً للدستور. وأمرت المحكمة بالإفراج الفورى عنه . .رغم ذلك، لم ينفذ هذا الحكم الأخير وقضى بقية مدة العقوبة في السجن ، وخرج بعدها  ليكون أول ظهور له كشاهد على العصر في قناة الجزيرة ، و أصيب  الشاذلي بعدها بعدة أمراض منها الزهايمر حتى كانت وفاته يوم تنحي مبارك في الحادي عشر من فبراير عام ألفٍ وتسعمائة وأحد عشر ... وصلى عليه الملايين في ميدان التحرير .. من الثوار الذين  ثاروا و طالبوا بخلع مبارك ... رحم الله الفريق سعد الدين الشاذلي رحمة واسعة .

 

التعليقات (0)