انسحاب “موسكو”: أبعاد تعليق روسيا المشاركة في اتفاقية تصدير الحبوب

profile
  • clock 20 يوليو 2023, 7:13:56 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في إطار أزمة الغذاء العالمية الراهنة التي تواجهها الاقتصادات العالمية، أعلنت روسيا، في 17 يوليو 2023، تعليق مشاركتها في اتفاقية “مبادرة حبوب البحر الأسود” لتصدير الحبوب الأوكرانية؛ نظراً إلى عدم التزام الدول الغربية بنصوص الاتفاقية التي تقضي بتخفيف العقوبات الاقتصادية وتذليل العقبات التي تُواجِه صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة؛ ما يسهم في تعطيل الإمدادات الغذائية، ويُنذِر بأزمة غذائية طاحنة للدول المستوردة التي تعتمد على الصادرات الأوكرانية، فيما أكدت الحكومة الروسية عودتها إلى الاتفاقية شريطة موافقة الدول الغربية على مطالبها، وتذليل العقبات التي تواجه صادراتها؛ حيث إن القيود المفروضة على الشحن والتأمين عطَّلت صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة.

سياق معزز

مع احتدام الحرب الروسية–الأوكرانية، واضطراب سلاسل توريد الحبوب من جراء الحصار الروسي لموانئ التصدير الأوكرانية، طرحت الأمم المتحدة وتركيا مبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود؛ للسماح بتصدير الحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية؛ للتخفيف من وطأة الأزمة الغذائية الناجمة عن ذلك الصراع؛ حيث تم التوقيع عليها بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة في يوليو 2022، وتضمنت تأمين صادرات الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، وهي أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، عبر ممر إنساني فتحَه الأسطول الروسي في البحر الأسود لمعالجة نقص الغذاء العالمي؛ حيث يتم فحص السفن في طريقها من الموانئ الأوكرانية وإليها في قاعدة تركية من قبل فريق خاص من المفتشين يضم خبراء روساً وأتراكاً وأوكرانيين ومن الأمم المتحدة، شريطة إتاحة وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى السوق.

وفي 29 أكتوبر 2022، علقت روسيا مشاركتها في الاتفاقية بعد أن شنت أوكرانيا ضربات في سيفاستوبول على السفن الروسية، ثم استأنفت مشاركتها في الاتفاقية في الثاني من نوفمبر بعد حصولها على ضمانات أمنية لسفنها، وقد تم تمديد الاتفاقية ثلاث مرات تنتهي في الثامن عشر من يوليو 2023.

وتعزى أهمية الاتفاقية إلى موقع أوكرانيا في سوق الحبوب العالمية؛ إذ تعد واحدة من أكبر موردي الحبوب والمنتجات الغذائية؛ حيث كانت أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح على مستوى العالم، وتمثل 10% من صادرات القمح العالمي، و15% من سوق الذرة، و13% من سوق الشعير، إضافة إلى دورها الأساسي في سوق زيت عباد الشمس، فيما يعتمد نحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الحبوب الأوكرانية، فضلاً عن أهمية الموقع الاستراتيجي للبحر الأسود؛ حيث لا يتاح أمام أوكرانيا طريق لتصدير حبوبها إلى أوروبا والاتصال بطرق التصدير الأخرى، إلا عبر مضيقَي الدردنيل والبوسفور التركيين.

ومنذ تنفيذها، سمحت مبادرة الحبوب بتصدير ما يقرب من 33 مليون طن متري من المواد الغذائية من أوكرانيا، من خلال عبور نحو 1600 سفينة عبر البحر الأسود، كما شحن برنامج الأغذية العالمي نحو 725 ألف طن لدعم العمليات الإنسانية في بعض المناطق الأكثر تضرراً في العالم، بما في ذلك أفغانستان وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان واليمن، ومن ثم أسهمت الاتفاقية وممرات التضامن الأوروبية الداعمة للصادرات الأوكرانية، في خفض أسعار المواد الغذائية بنحو 20%؛ حيث وصلت أسعار القمح إلى أدنى مستوى لها منذ يوليو 2021.

وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية لاتفاقية الحبوب، شهدت الأشهر الأخيرة انخفاض كمية المواد الغذائية التي يتم شحنها، وعدد السفن المغادرة من أوكرانيا؛ حيث أغلقت روسيا أحد الموانئ الثلاثة المفتوحة، وزادت أوقات فحص السفن بالتدريج، ليصل معدل التخليص إلى أقل من سفينة واحدة يومياً في النصف الأول من شهر يونيو 2023، ولم تحصل أي سفينة جديدة على الموافقة للانضمام إلى صفقة الحبوب منذ أواخر الشهر، حتى أعلنت روسيا في 17 من يوليو الجاري عن عدم تمديد الاتفاقية مرة أخرى. وبررت موسكو هذا القرار بمجموعة من المبررات تتمثل فيما يلي:

1– دفع روسيا باستمرار الضغوط الغربية عليها: فقد استاء الجانب الروسي من عدم تلبية مطالبها بشأن تذليل العقبات أمام صادرات المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية من جراء استمرار سريان العقوبات الغربية منذ بدء غزوها لأوكرانيا؛ حيث اشترطت روسيا لتمديد اتفاقية الحبوب أن يلبي الغرب خمسة مطالب؛ من بينها إعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت العالمي للتحويلات المالية، واستئناف تزويد روسيا بالآلات الزراعية وقطع الغيار، وإلغاء القيود على لوجستيات النقل والتأمين، والسماح بالوصول إلى الموانئ، واستئناف خط أنابيب الأمونيا تولياتي–أوديسا، فضلاً عن إلغاء تجميد أصول وحسابات الشركات الروسية التي تعمل في تصدير الأغذية والأسمدة. ونظراً إلى عدم الوفاء بهذه المطالب، لم تقم روسيا بتجديد اتفاقية مبادرة البحر الأسود لتصدير الحبوب من أوكرانيا.

2– الإخفاق في تحقيق الأهداف الرئيسية للاتفاقية: هدفت اتفاقية الحبوب إلى تخفيف وطأة أزمة الغذاء الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية على الدول النامية، وتسليم الحبوب إلى الدول الفقيرة في القارة الأفريقية؛ حيث ترغب روسيا من جراء ذلك في كسب تأييد تلك الدول لعمليتها العسكرية في أوكرانيا، من ثم إنهاء عزلتها الدولية جزئياً. ولم يتحقق ذلك؛ حيث سيطرت الدول المتقدمة على الحبوب المشحونة عبر الممر، فتم نقل 40% إلى أوروبا، و30% نحو آسيا، و13% إلى تركيا، و12% إلى أفريقيا، و5% إلى الشرق الأوسط، فيما لم تتلقَّ، بحسب بعض التقارير، الدول الخمس الأكثر فقراً – وهي: إثيوبيا واليمن وأفغانستان والسودان والصومال – سوى 2.6% من الحبوب التي جرى شحنها.

3– اعتقاد موسكو بعدم تحقيق مكاسب من الاتفاقية: حيث أسهمت الاتفاقية في سهولة توصيل الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية، من جراء تفضيل التجار القمح الأوكراني على الروسي؛ بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الروسية مقابل نظيرتها الأوكرانية؛ نتيجة ارتفاع سعر صرف الروبل الروسي، والضرائب الجمركية الروسية المرتفعة؛ ما أسهم في تراجع تنافسية المنتجات الزراعية الروسية، ومن ثم تراجع صادرات روسيا من القمح منذ بداية الاتفاقية؛ حيث تراجعت صادرات الحبوب الروسية في شهري يوليو وأغسطس 2022 بنسبة 22% عن مستوياتها في الفترة ذاتها من عام 2021، إلى 6.3 مليون طن؛ حيث رفضت موانئ البلطيق التي يمر عبرها نحو ثلث صادرات شركة أورالكالي المتخصصة في إنتاج وتصدير أسمدة البوتاس الروسية، العمل مع الشركات الروسية؛ وذلك رغم عدم خضوع القطاع للعقوبات الغربية.

4– الرغبة الروسية في توفير أسواق تصديرية لمنتجاتها: إذ ترغب روسيا في جعل نفسها بديلاً عن السوق الأوكرانية، وتصريف جزء من إنتاجها للخارج. وفي ذلك الإطار، أعلنت روسيا عن استعدادها لاستبدال الحبوب الأوكرانية بالكامل، مع توريد ما يصل إلى 500 ألف طن من الحبوب إلى البلدان الفقيرة في الأشهر الأربعة المقبلة. ومن المتوقع ارتفاع حصاد محصول القمح الروسي خلال العام الجاري إلى نحو 94.7 مليون طن متري، مقارنةً بمحصول عام 2022 البالغ 90.9 مليون طن متري، لترتفع الإمدادات العالمية إلى 1059.6 مليون طن متري، وبزيادة 3.6 مليون طن متري عن موسم العام الماضي، مقابل نقص مساحات التخزين. ومن ثم، ستواجه روسيا أزمة تخزين إن لم تتمكن من محاصرة القمح الأوكراني.

5– الارتباط بين القرار الروسي والتطورات العسكرية في أوكرانيا: يبدو أن القرار الروسي بالانسحاب من اتفاقية الحبوب، مرتبط – بشكل أو بآخر – بالتطورات العسكرية في أوكرانيا؛ فالقرار جاء بعد أيام قليلة من موافقة واشنطن على تزويد كييف بالذخائر العنقودية، كما أن القرار الروسي جاء بعد الهجوم الذي تعرَّض له جسر القرم الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم، واتهمت موسكو كييف بتنفيذه.

تداعيات محتملة

يُحتمَل أن يؤدي القرار الروسي بتعليق المشاركة في اتفاقية الحبوب إلى عدد من التداعيات الرئيسية، وهو ما يُمكن توضحيه على النحو التالي:

1–ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالمياً: يتسبَّب القرار الروسي في توقف شركات الشحن العالمية عن نقل الحبوب الأوكرانية من موانئها الحيوية على البحر الأسود إذا لم تحصل على موافقة روسية؛ ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة تأمين السفن الأوكرانية، في ظل ارتفاع المخاطر التي تواجهها مع وجود السفن الحربية الروسية في البحر الأسود والألغام البحرية العائمة. وينعكس ارتفاع تكلفة الشحن على ارتفاع أسعار الحبوب، وقد انخفضت الصادرات الغذائية الإجمالية بموجب الاتفاقية بنحو ثلاثة أرباع في مايو 2023 مقارنةً بمعدلات أكتوبر 2022. ويُعزَى ذلك إلى تجنُّب شركات الشحن لخطر إرسال سفن عبر طرق محفوفة بالمخاطر؛ ما يؤدي إلى نقص الإمدادات من الحبوب الغذائية، واستمرار ارتفاع أسعارها.

كما يسهم توقف صادرات الحبوب في اضطراب الإمدادات العالمية من الحبوب والمنتجات الغذائية، ومن ثم أسهم في رفع أسعارها عالمياً، وارتفاع أسعار المواد والمنتجات الغذائية، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم، خاصةً في الدول التي تعتمد على الواردات الغذائية من أوكرانيا. وقد ارتفعت أسعار القمح والذرة في أسواق السلع العالمية بعد القرار الروسي بإيقاف الاتفاقية روسيا، وارتفعت العقود الآجلة للقمح بنسبة 3٪ لتصل إلى 6.80 دولار للبوشل، كما ارتفعت العقود الآجلة للذرة بنسبة 0.94% لتصل إلى 5.11 دولار للبوشل؛ حيث يخشى التجار من أزمة وشيكة في المعروض من المواد الغذائية الأساسية.

2– تهديد الأمن الغذائي العالمي: أسهمت مبادرة حبوب البحر الأسود في التخفيف من حدة أزمة الأمن الغذائي العالمي؛ حيث نجحت في منع 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من الوقوع في فقر مدقع، ومن ثم فإن توقفها سيحول دون تصدير الحبوب والأسمدة الأوكرانية التي تشتد الحاجة إليها لمعالجة أزمة الغذاء العالمية؛ ما يتسبب في نقص حاد في الإمدادات الغذائية في الأسواق العالمية، ويزيد من الفجوة الغذائية عالمياً؛ ما قد ينذر بأزمة غذاء عالمية، خاصةً في الدول الأفريقية، ويزيد من حدة أزمة الجوع وانعدام الأمن الغذائي التي طالت نحو 258 مليون شخص في 58 دولة حول العالم، بالإضافة إلى إمكانية معاناة نحو 47 مليون شخص من أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد بحسب تصريحات منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”. وبحسب التقرير السنوي للأمم المتحدة عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، فإن ما يقرب من 725 مليون شخص واجهوا الجوع المزمن في عام 2022، مقارنةً بنحو 613 مليون في عام 2019، ويُتوقَّع أن يعاني ما يقرب من 600 مليون شخص من نقص التغذية المزمن في عام 2030.

3– قطع موارد للنقد الأجنبي لأوكرانيا: يسهم توقف الصادرات الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود في تكدس الإنتاج الزراعي غير المستهلك محلياً؛ ما يؤدي إلى حرمان أوكرانيا من جزء كبير من عائداتها من الصادرات التي تعد المصدر الرئيسي لتوفير النقد الأجنبي لديها، ومن ثم يحد من قدرتها التمويلية على مواجهة روسيا عسكرياً. وعلى المدى الطويل، يدفع تصدُّع لوجستيات التصدير المزارعين الأوكرانيين إلى خفض إنتاج الحبوب؛ حيث توقعت وزارة الزراعة الأوكرانية انخفاض محصول الحبوب في 2023 إلى 46 مليون طن، بنسبة تتراوح بين 35% و45%، مقارنةً بنحو 53 مليون طن في عام 2022 ونحو 86 مليون طن في عام 2021؛ بسبب انخفاض المساحة المزروعة، والعمليات العسكرية المستمرة، ونقص السيولة لدى المزارعين الذين لم يتمكنوا من شحن جزء كبير من محصولهم.

4– محاولة كييف تحدي القرار الروسي: يُحتمَل أن تسعى كييف إلى تحدي قرار الانسحاب الروسي من اتفاقية الحبوب، والبحث عن آليات جديدة لتصدير الحبوب. ولعل هذا ما ظهرت مؤشراته مؤخراً مع تأكيد الرئيس الأوكراني “زيلينسكي”، في تصريحات نقلها المتحدث الرسمي للرئاسة “سيرجي نيكيفوروف” على فيسبوك، أن بلاده مستعدة لمواصلة صادراتها من الحبوب عبر البحر الأسود، رغم إعلان موسكو تعليق مشاركتها في اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية. وأضاف “زيلينسكي” أنه بعث “رسالتين رسميتين إلى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” والأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، يقترح عليهما مواصلة الصادرات، معتبراً أن “أوكرانيا والأمم المتحدة وتركيا يمكن أن تضمن بشكل مشترك تشغيل ممر الغذاء وتفتيش السفن”.

هذا التوجه تزامن مع توجيه اتهامات من كييف لموسكو بالاستهداف المتعمد في ضرباتها لمواقع تُستخدَم لتصدير الحبوب الأوكرانية؛ وذلك فيما حذرت موسكو من التوصُّل إلى اتفاق بشأن تصدير الحبوب بدون مشاركة روسيا؛ حيث صرَّح المتحدث باسم الكرملين “دميتري بيسكوف” بأن “هناك مخاطر معينة دون الضمانات الأمنية ذات الصلة؛ لذلك إذا جرى التوصل إلى أي صيغة نهائية دون روسيا، فيجب النظر في هذه المخاطر”.

5– إمكانية تخفيف الدول الغربية ضغوطها على موسكو: ربما يدفع القرار الروسي الدول الغربية إلى إعادة التفكير في المطالب الروسية، والعمل على تخفيف بعض الضغوط على موسكو. وهنا تجدر الإشارة إلى دعوة الأمم المتحدة إلى أهمية بدء العمل التحضيري لنقل الأمونيا الروسية عبر أوكرانيا، باعتبار ذلك جزءاً من جهود إنقاذ الاتفاقية للسماح بتصدير الحبوب بأمان في البحر الأسود، في الوقت الذي يدرس فيه الاتحاد الأوروبي مقترحاً للبنك الزراعي الروسي لإنشاء شركة فرعية تتيح له إعادة الاتصال بالشبكة المالية العالمية كحافز يشجع روسيا على تمديد الاتفاقية.

تكلفة البدائل

وأخيراً، وعلى الرغم من التداعيات المحتملة لتوقف اتفاقية الحبوب عبر البحر الأسود، فقد يتوقَّف مدى تأثيرها وتهديدها للأمن الغذائي العالمي على المدى الزمني لتعطُّل الإمدادات؛ فمن المحتمل ألا يكون للقرار الروسي تأثير فوري على الإمدادات العالمية. ويُعزَى ذلك إلى ضمان أمن الإمدادات من الحبوب الغذائية من موردي الحبوب الآخرين؛ حيث تعمل أوروبا والأرجنتين والبرازيل على زيادة شحنات القمح والذرة المُعَدَّة للتصدير، فيما رفعت روسيا إنتاجها من القمح؛ حيث صدَّرت نحو 45.5 مليون طن متري في عام 2022–2023. ووفقاً لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية، من المتوقع ارتفاع حجم الصادرات الروسية من القمح إلى نحو 47.5 مليون طن متري خلال 2023–2024، فضلاً عن طمأنة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الأسواق العالمية وتأكيدهما تعزيز الأمن الغذائي العالمي واستقرار أسعار الغذاء العالمية، من خلال دعم التسليم المستقر لجميع السلع، وخاصةً المنتجات الزراعية إلى الأسواق العالمية من خلال ممرات التضامن بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا.

فيما قد يُخلِّف القرار الروسي عدة تداعيات آنية لا يمتد تأثيرها على المدى الطويل، لا سيمَّا في ظل إعلان روسيا العودة إلى الاتفاقية شريطة موافقة الدول الغربية على مطالبها، والسماح بتصدير منتجاتها من الحبوب والأسمدة دون عقبات، ومن ثم عودة العمل بالاتفاقية، والسماح بالمرور الآمن للسفن الأوكرانية. ويعتمد ذلك على الفترة التي تتخذها ردود الفعل الأوروبية في الاستجابة للمطالب الروسية.

وربما تستمر التأثيرات على المدى الطويل من جراء محاولة أوكرانيا إيجاد بدائل لتوريدات الحبوب الأوكرانية، من خلال اعتمادها على طرق التجارة البديلة واستخدام طرقها البرية والنهرية للتصدير عبر نهر الدانوب والدول المجاورة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي؛ حيث تُواجِه تلك البدائل تحديات لوجستية ومالية، فلا يوجد عدد كافٍ من عربات الشحن اللازمة لتصدير جميع الحبوب الأوكرانية براً، ناهيك عن اختلاف مقاييس السكك الحديدية بين الدول، ومن ثم تنعدم القدرة على تشغيل القطارات من شبكة إلى أخرى دون انقطاع؛ ما يرفع تكلفة النقل ويحد من القدرة التصديرية للدولة، فتنخفض أرباح المزارعين الأوكرانيين؛ ما يدفعهم إلى تخفيض حجم الموسم الزراعي القادم؛ ما يضع مزيداً من الضغط على الإمدادات في المستقبل.

ومن ثم لن يكون خيار التصدير براً بديلاً عن التصدير عبر البحر الأسود، فيظل الأخير هو الخيار الأفضل؛ نظراً إلى توافر البنية تحتية المتطورة وانخفاض التكاليف اللوجستية؛ وذلك ما دفع أوكرانيا إلى مطالبة تركيا والأمم المتحدة بالضغط على موسكو من أجل التوقف الفوري عن تقويض الاتفاقية واستخدام الغذاء سلاحاً، وضرورة تمديد اتفاقية الحبوب حتى دون مشاركة روسيا، مع تحملها تغطية أي أضرار تلحق بالسفن في مياهها الإقليمية بصندوق ضمان بقيمة 500 مليون دولار.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)