- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
انقلاب دبلوماسي.. ماذا وراء تحول سياسات الصين تجاه الشرق الأوسط؟
انقلاب دبلوماسي.. ماذا وراء تحول سياسات الصين تجاه الشرق الأوسط؟
- 21 يوليو 2023, 11:30:00 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سلط أستاذ العلوم السياسية، فرانسوا جوديمينت، الضوء على ما وصفه بـ "الانقلاب الدبلوماسي" في سياسات الصين تجاه الشرق الأوسط خلال الشهور القليلة الماضية، مشيرا إلى أن هذا الانقلاب ركز على شعارين، هما: "الحياد السياسي" و"التنمية الاقتصادية"، خاصة بعد وساطة الصين بين السعودية وإيران.
وذكر جوديمينت، في تحليل نشره بموقع "ذا دبلومات" وترجمه "الخليج الجديد"، أن التحول يرتبط بمخططات الصين الكبرى لدورها العالمي، وسط فراغ في الشرق الأوسط، بسبب تراجع دور الولايات المتحدة به ونفوذ أوروبا المحدود فيه.
وأضاف أن الصين أصبحت قوة مرجعية عظمى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وأن الخبراء الصينيين ابتعدوا عن موقفهم السابق المتمثل في عدم المشاركة في صراعات المنطقة العديدة، والذي طالما عبروا عنه في دراسات معهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة (CICIR)، وهو مركز الفكر الجيوسياسي الرائد في الصين، الخاضع لإشراف وزارة أمن الدولة.
وعبر عن هذا التحول، نيو شينتشون، أحد أبرز خبراء المعهد، الذي قال إن الصين لديها "قيم مشتركة ومصالح مشتركة" مع العالم العربي، وتنبأ بـ "حقبة جديدة لم يسبق لها مثيل" في العلاقات الصينية العربية.
ومع تعميق شراكات مع دول، مثل المملكة العربية السعودية، تمضي الصين إلى أبعد من ذلك، عبر إنشاء مصانع لإنتاج الطائرات المسيرة ونقل تكنولوجيا الصواريخ، وتستند بالأساس إلى ادعاء مفاده أنها "شريك محايد وعادل".
حياد شكلي
ويشير جوديمينت إلى أن بكين تحاول تحقيق هذا الأساس عبر "خطط سلام غامضة بشكل ملحوظ"، والوساطة بين المتصارعين الإقليميين ورفع شعار دعم التنمية المستقبلية، لكنه يرى أن سجل الصين الفعلي بمجال الوساطة من أجل السلام متواضع، ولا يمكن اعتباره خاليا من الانحياز.
فالوساطة الصينية بين إيران والسعودية، على سبيل المثال، والتي أسفرت عن توقيع الخصمين على اتفاقية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية في مارس/آذار الماضي، كانت تتويجا لمحادثات في بغداد منذ فترة طويلة، ولم يتم قبولها إلا لرفض إيران قبول المساعي الحميدة لـ "الشيطان الأكبر" الأمريكي أو مساعده الأضعف، أوروبا.
كما ساهم في تعزيز الوساطة الصينية نأي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بنفسه عن الولايات المتحدة، وتقاربه مع روسيا، راعية إيران، على أساس المصلحة المشتركة في أسعار النفط.
لكن جوديمينت يلفت إلى أن الاتفاق الروسي السعودي بشأن النفط آخذ في التدهور، وأن الصين هي أول من يستورد النفط الروسي، ما يجعل فكرة "حياد" بكين بعيدة التصور.
وبعد استضافة الصين للمحادثات الصينية الإيرانية، تم إرسال المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط بخطة سلام إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، مرددا أصداء مقترح سبق أن قدمته الصين، ويشبه إلى حد بعيد اقتراحها المكون من 12 نقطة لحل "الأزمة الأوكرانية".
ويصف جوديمينت هذه الاقتراحات بأنها "منحازة في المحتوى ومحايدة في الشكل"، مشيرا إلى أن الصين تسعى إلى جلب الدعم من السلطة الوطنية الفلسطينية وجامعة الدول العربية في جميع قضاياها الأساسية، بما في ذلك قمعها للمسلمين في إقليم شينجيانج.
تنمية ذاتية
أما قوة الوساطة الصين الثانية فتتمثل في جاذبيتها التجارية والتقنية المتزايدة بشكل كبير لجميع دول الشرق الأوسط، ما يجعلها "شريكا لا مفر منه، له القدرة على المكافأة أو العقاب"، حسبما يرى جوديمينت.
وفي هذا الإطار، يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإجراء زيارة إلى بكين، محاولا الموازنة بين مصالح إسرائيل الأمنية وعلاقاتها التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
لكن تركيز الصين العام على التنمية باعتبارها مفتاح حل الأزمات لا تتبعه مساعدات كبيرة حتى في فلسطين، بحسب جوديمينت، مشيرا إلى أن المساعدات الأمريكية أكبر منها بنحو 500 مرة.
وفي المقابل، تستغل الصين نفط الشرق الأوسط في دعم حملة تصدير تتجه نحو دول منبع هذا النفط، وباستثمارات تمولها المنطقة نفسها، وهو ما يصفه جوديمينت بأنه "نموذج مختلف عن الحزام والطريق، المستخدم في الماضي القريب مع العراق، حيث تمول القروض الصينية المشاريع التي شيدتها بكين.
وفي ذروة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني إلى أوروبا، استخدمت الشركات الصينية سوق اليورو وأسعار الفائدة المنخفضة، واليوم، تستفيد بكين من مشترياتها الطاقة الضخمة من السعودية لتمويل مجموعة من المشروعات الضخمة، من البنية التحتية إلى الرقمية، ومن الأسلحة إلى الطاقة البديلة، وجميع الصناعات التي ستربط المملكة بالصين في عصر ما بعد النفط.
وهناك صفقات مماثلة جارية مع دول الخليج، حسبما أوردت مجلة "كايكسين" الاقتصادية الصينية، لافتة إلى أن مستثمري الشرق الأوسط يتعاونون مع الشركات الصينية في إطار مشروعات محلية داخل الصين.
وفي إطار التطورات الجيوسياسية المتعلقة بهذه القوة الاقتصادية، تتدفق دول المنطقة، بما في ذلك تركيا، العضو في الناتو، إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وهي مجموعة تقودها الصين وتركز على التعاون الأمني، لا سيما على مكافحة الإرهاب.
وفي غضون ذلك، انسحبت الإمارات العربية المتحدة في مايو/أيار 2023 من تحالف الأمن البحري للشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب مطالبة إيران بتشكيل "تحالف بحري" مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي يونيو/حزيران، قال قائد البحرية الإيرانية إن التحالف البحري الثلاثي لإيران وروسيا والصين، الذي يجري تدريبات سنوية، آخذ في التطور.
ومن المحتمل أن تكون مزاعم إيران مبالغ فيها، حسبما يرى جوديمينت، مشيرا إلى أنه "لا يمكن للمنطقة أن تثق بطهران فيما يتعلق بأمن الخليج".
لكن عدم وجود نفي تصريح قائد البحرية الإيرانية يمثل علامة على أن منطقة الخليج توازن بين الاعتماد الحقيقي المستمر على القوات الأمريكية وبين التحركات الدبلوماسية المصممة لتقليل مخاطر التحدي الإيراني.
وفي هذا السياق، تتمتع الصين بنفوذ كبير، إذ تزيد مشترياتها من النفط والغاز الطبيعي المسال من روسيا بأسعار منخفضة، مستغلة العقوبات الغربية على الطاقة الروسية، حتى أصبحت روسيا أكبر مورد للنفط إلى الصين في أوائل عام 2023.
وفي نفس الوقت الذي تكتسب فيه تأثيرًا كبيرًا على الشرق الأوسط، يمكن للصين أن تخفف من مخاطر إمدادات الطاقة الخاصة بها باستخدام موارد روسيا.
ويخلص جوديمينت إلى أن ضرورة انتباه الغرب إلى أن القوة المتزايدة لبكين يستند إلى الانقلاب في دبلوماسيتها تجاه الشرق الأوسط.