- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
بكر صدقي يكتب: نظام الأسد يرسّخ تموضعه الاستراتيجي
بكر صدقي يكتب: نظام الأسد يرسّخ تموضعه الاستراتيجي
- 30 مارس 2023, 4:55:09 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أثناء زيارته إلى موسكو قبل أسبوعين، برز بين اللغو الكثير الذي أدلى به بشار الأسد، كلامه عن المستوى الجديد لعلاقة نظامه مع نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد أكد على انحيازه التام لموقف موسكو من الحرب في أوكرانيا، وقال إن هذا الانحياز لا ينبع فقط من شعور نظامه بالامتنان تجاه روسيا بسبب دورها الحاسم في «القضاء على الإرهاب» في سوريا، بل بسبب الانقسام الدولي الحاد الذي تشكّل في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا. وقال ما معناه أن ساحات الحرب المباشرة ليست كافية بالنسبة للدول العظمى، بل هي في حاجة لنشر نفوذها العسكري (والمقصود هنا روسيا) خارج حدودها لمواجهة النفوذ الغربي. وكان ذلك في إطار رده على سؤال إعلامي روسي بشأن احتمال زيادة عدد القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
نعم، كلام صريح من بشار بأنه اتفق مع زميله الروسي بوتين على وضع سوريا (بالأحرى مناطق سيطرة نظامه من الجغرافيا السورية) في خدمة الانتشار العسكري الروسي خارج الحدود في مواجهة الغرب الأطلسي، في إطار الصراع الدولي القائم اليوم بين الطرفين انطلاقاً من أوكرانيا.
هذا جديد حقاً، يختلف عن العلاقة السابقة التي قامت على أساس تدخل عسكري روسي في سوريا لإنقاذ نظام الأسد من احتمال السقوط في الحرب الداخلية بين النظام ومعارضيه. فمن جهة أولى يشكل هذا التطور نوعاً من الاعتراف باكتفاء النظام بما حققه في حربه الداخلية إلى الآن، وما يتضمن ذلك من الإقرار بخريطة توزع النفوذ القائمة بين مختلف الدويلات السورية؛ ومن جهة أخرى إلحاق القسم الذي يسيطر عليه من البلد بمناطق الانتشار العسكري الروسي خارج الحدود بصورة نهائية؛ ومن جهة ثالثة القطع التام مع الغرب الأطلسي، بدلاً من محاولة كسب شيء من القبول في المجتمع الدولي ولو بمجرد الكلام، وعلى سبيل المثال التظاهر بأنه غير معترض على الحل السياسي في سوريا مع العمل الحثيث لإفشاله. لقد تخلى الأسد عن هذه الازدواجية بين القول والفعل باصطفافه الصريح مع موسكو فيما يسمى تلطفاً بـ«الحرب الباردة الجديدة». وهو موقف لم تتخذه الصين نفسها ـ إلى الآن ـ برغم إدراكها أنها مستهدفة من الغرب بدرجة أكثر من روسيا.
بهذا الاصطفاف ربما تكون «سوريا الأسد» هي الدويلة الوحيدة التي تعلن نفسها حليفاً عسكرياً استراتيجياً لروسيا بعد بيلاروسيا التي أعلن بوتين قبل أيام عن خطته لنشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضيها، بعدما فتحت أراضيها المتاخمة لأوكرانيا امام القوات الروسية منذ ما قبل بداية الحرب في شباط 2022.
ما الفائدة المرتجاة من تعويم النظام عربياً وهو الذي اختار اصطفافه بكل وضوح في الحرب الساخنة الجديدة بين روسيا والغرب؟
الدولة الثالثة المشاركة في الحرب الروسية على أوكرانيا هي إيران التي ساهمت من خلال طائراتها المسيرة في ضرب أهداف اوكرانية، وبذلك ينتهي الجدل القديم حول تعارض المصالح الروسية والإيرانية في سوريا، في الوقت الحالي على الأقل، لترتسم معالم تحالف عسكري روسي ـ إيراني في الحرب الساخنة ضد الغرب الأطلسي، مع مناطق نفوذ الدولتين في كل من سوريا وبيلاروس التابعتين. وقد شهدنا، قبل أيام، أول صدام عسكري بين طهران والولايات المتحدة في شرق سوريا، يختلف عن حوادث مشابهة في السنوات القليلة الماضية في أنها تندرج في إطار الصراع الدولي القائم بين روسيا والغرب. وحدث الصدام الجديد هذا بصورة متزامنة مع تصعيد القوات الروسية في منطقة باخموت شرق أوكرانيا.
في عودة إلى موقع النظام السوري من هذا التحالف، فهو لا يعدو كونه مجرد ساحة جانبية للصراع الدولي القائم، أي مجرد أرض للمواجهة بين روسيا وإيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية، في حين أن رأس النظام يحاول الظهور بمظهر «الحليف»! وساعده بوتين في هذا التظاهر من خلال الاستقبال الرسمي الذي نظم له في مطار موسكو، أو من خلال الاهتمام الإعلامي به.
أمام هذه اللوحة لا يسع المراقب إلا أن يستغرب التهافت العربي على نظام بشار، سواء من خلال زيارتيه إلى كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، أو ما تسرب أخيراً عن نية المملكة السعودية في استعادة التبادل الدبلوماسي مع النظام بعد 12 عاماً من القطيعة. لا يأتي الاستغراب من إدارة هذه الدول ظهرها بالكامل لآلام وتطلعات الشعب السوري التي لم تكن أصلاً مهتمة بها، بل بسبب العلاقات الاستراتيجية التاريخية لها مع الولايات المتحدة تحديداً. صحيح أن هذه الدول طورت علاقاتها الإيجابية في السنوات الأخيرة مع روسيا، بهدف تنويع مروحة خياراتها الدولية، وبخاصة بعد الفتور الذي اعترى علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها لم تصل بعد إلى نقطة تبتعد فيها عن واشنطن إلى حد الاصطفاف ضدها. وإذا كان تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع نظام الأسد، في السنوات السابقة يتم تبريره بالسعي لإبعاده عن طهران، فقد تغير الوضع الان إلى حد كبير. فمن جهة أولى يعلن رأس النظام في كل مناسبة أن تحالفه مع إيران ثابت واستراتيجي، وهو ما عاد إلى تأكيده أثناء زيارته الأخيرة لموسكو؛ ومن جهة ثانية خرج تحالفه مع روسيا عن إطاره المحلي (بهدف حماية النظام) وبات ملتحقاً بروسيا في صراعها الشامل مع الغرب. فما الفائدة المرتجاة من تعويم النظام عربياً وهو الذي اختار اصطفافه بكل وضوح في الحرب الساخنة الجديدة بين روسيا والغرب؟