- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
توران قشلاقجي يكتب: اكتشاف الأدب العثماني للأندلس
توران قشلاقجي يكتب: اكتشاف الأدب العثماني للأندلس
- 6 يوليو 2023, 6:26:11 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كانت الثقافة الغربية في مقدمة المصادر التي اعتمد عليها الأدب التركي بعد فترة التنظيمات (الإصلاحات) لدى الدولة العثمانية (1839-1876). لكن النخبة المثقفة العثمانية شعرت بازدراء كبير عندما رفض الغرب، الذي كانت من أشد معجبيه للقيم التي كانت تتبناها طيلة قرون طويلة. ولا شك في أن الإسلام يأتي في صدارة هذه المنظومة من القيم، ويعتبر بعض الكتّاب العثمانيين وجهات نظر الفلاسفة الغربيين اللادينيين المناهضة للدين على أنها مناهضة للمسيحية، ويدافعون عن أنفسهم ضد الاتهامات المتعلقة بالإسلام.
بدأت نظرة الدولة العثمانية الإسلامية تجاه الحياة تتغير إلى حد ما، بفعل التأثيرات الغربية، وعلى خلفية سعي الشعوب المسيحية التابعة للدولة العثمانية إلى نيل الاستقلال، شرعت تركيا في تعزيز علاقاتها مع العالم الإسلامي، وتحولت الوحدة الإسلامية خلال تلك الفترة إلى أيديولوجية سياسية. وأدى ذلك إلى بدء كتابة روايات ومسرحيات تتناول تاريخ الإسلام في الأدب التركي الحديث. وفي هذا الصدد، قدم نامق كمال، أحد أبرز الشخصيات في فترة التنظيمات، مثالا بارزا لهذا التوجه عبر مسرحيته «جلال الدين خوارزم شاه». وفي ما بعد، قام عبد الحق حامد وآخرون بكتابة مسرحيات تتناول تاريخ الإسلام أيضا.
شرعت تركيا في تعزيز علاقاتها مع العالم الإسلامي، وتحولت الوحدة الإسلامية خلال تلك الفترة إلى أيديولوجية سياسية
اكتشف الأدب التركي الأندلس من جديد وأولى اهتماما كبيرا بها خلال هذه الفترة في إطار مواجهة الغرب، وتعتبر ترجمة كتاب «تاريخ الأندلس وتاريخ محاكم التفتيش» للمؤلف الغربي لويس فياردوت، من قبل ضياء باشا، مصدرا مهما لمثل هذه المسرحيات. قدّم ضياء باشا الذي كان من رجال الدولة والمفكرين البارزين في الدولة العثمانية عملا أدبيا رائعا، عبر إضافة المزيد من المعلومات إلى الكتاب المذكور من مصادر عربية وفارسية وتركية. يستند الكتاب إلى فكرة المقارنة بين الحضارتين الإسلامية والغربية، ويمجّد الحضارة الإسلامية والعربية أمام الغرب. من الملاحظ في المشاهد المفعمة بالمعنويات العالية، مثل خطبة طارق بن زياد، التي تُقارن فيها الجبهة الإسلامية والجبهة المسيحية، أنها استخدمت أسلوبا أدبيا رائعا وأن النص يتصف بالصيغة الملحمية في بعض الأحيان. يلجأ ضياء باشا في هذا السياق إلى الحركات الصوتية والسجع والوصف. ومن ثم يتم الحديث عن الترتيب والقيم التي نقلتها الحضارة الإسلامية إلى الغرب، ويشكل كل ذلك دفاعا ضد المنتقدين للإسلام، وفي مقدمتهم المستشرق الفرنسي إرنست رينان. كتاب ضياء باشا حول «تاريخ الأندلس» يؤثر بشكل كبير في النخبة المثقفة في الدولة العثمانية. وكان تاريخ الأندلس أيضا موضوعا لخمس مسرحيات كتبها لاحقا عبد الحق حامد. وقد تبنى الكاتب في هذه المسرحيات المهمة، الأيديولوجية الإسلامية التي كان السلطان عبد الحميد يسعى إلى اتباعها في مواجهة البريطانيين. ويمكن رصد أصداء هذا الأمر في كتاباته الأخرى. ويركز في هذا الصدد على «المسألة المصرية» و»أيديولوجية الوحدة الإسلامية» و»تعريف الغرب بمعايير القيم الإسلامية» و»إظهار تأثير الإسلام على ثقافة الغرب وحضارته». وبين الكتابات المستلهمة من كتاب تاريخ الأندلس لضياء باشا؛ مسرحية «سيدي يحيى» التي ألفها شمس الدين سامي، وكذلك «موسى بن أبي الغسان أو الحمية» للمعلم ناجي، و»غرناطة» لسامي ﺑﺎﺷﺎ زادة ﺳﺰاﺋﻲ. وقد شهدت تلك الفترة ترجمة العديد من الكتب ومؤلفات الرحالة القديمة حول الأندلس. كما كتب العديد من الشعراء المشهورين مثل أحمد حمدي طانبينار ويحيى كمال قصائد شعرية رائعة عن الأندلس، تحول معظمها في فترات لاحقا إلى أغان من قبل فنّانين بارزين. وهكذا تبدأ أغاني الأندلس الحزينة بالعزف لكي تطرب مسامع العثمانيين.
علينا اليوم أن نعيد تناول هذا الاهتمام الكبير بالأندلس من قبل مثقفينا إبان القرن الأخير للدولة العثمانية، من خلال السينما والموسيقى والروايات. فالتاريخ الإسلامي مليء بقصص البطولات الملحمية العظيمة، من الهند وحتى مصر وافريقيا وعالم الملايو والمغرب والدولة العثمانية. يجب على الدول الإسلامية الآن أن تبدي اهتماما كبيرا بهذه المجالات حتى تساعد الشباب على اكتشاف وإحياء قيمهم الخاصة، فنحن اليوم بحاجة إلى هذا الأمر أكثر من أي وقت مضى.