- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
توفيق رباحي يكتب: هل تريد أمريكا حرق أوكرانيا؟
توفيق رباحي يكتب: هل تريد أمريكا حرق أوكرانيا؟
- 18 يوليو 2023, 3:44:35 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
خلال أسبوعين أبانت الولايات المتحدة عمَّا يغري بالقول إنها لا تمانع في حرق أوكرانيا، وفي أفضل الأحوال الزجّ بها في مستنقع من الخسائر السياسية والمعنوية. خلال أسبوع وافقت واشنطن، خارج أيّ إجماع داخل حلف شمال الأطلسي، على تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية. وفي الأسبوع الذي بعده عارضت انضمامها إلى الحلف بحجة أن شروط ذلك لم تتوفر بعد.
موافقة الإدارة الأمريكية على تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية يعني، ببساطة، دفعها نحو مرحلة أخرى من الحرب أخطر على الصُعد العسكرية والسياسية والأخلاقية.
بعد أن تبدأ أوكرانيا استعمال هذه الذخائر ستخرج من دائرة الضحية لتتساوى مع روسيا، الطرف المعتدي بموجب القوانين الدولية. كما أن استعمال أوكرانيا هذه الذخائر سيرفع الحرج عن روسيا إذا ما استعملتها. ومن المؤكد أن ما ستوفره أمريكا لأوكرانيا من هذه الذخائر لن ينافس المخزون الروسي.
خطورة الذخائر العنقودية يفسرها وجود اتفاقية لمنع انتاجها وتخزينها ونقلها واستعمالها (دبلن أيار/مايو 2008). انضمت إلى الاتفاقية حتى الآن 110 دول، مع 13 دولة أخرى وقّعت عليها دون أن تنضم. لو أنها سلاح ككل الأسلحة المباحة في الحروب، لَما أوجد لها العالم اتفاقية تحظر وجودها.
ضحايا الذخائر العنقودية دائما المدنيون العزّل. وأذاها يتجاوز لحظة إطلاقها ليعيش سنوات طويلة بعد انتهاء النزاعات، لأن نسبة كبيرة من الجزيئات المكونة للذخيرة لا تنفجر فورا. علاوة على امتداد انتشار الواحدة منها إلى ما يعادل مساحة ملعبي كرة.
عجزُ القوات الأوكرانية عن اقتحام الأراضي الروسية وراء الحدود، يعني أن استعمال الذخائر العنقودية سيكون غالبا في الأراضي الأوكرانية. القوات الروسية داخل أوكرانيا ليست في صحراء قاحلة مهجورة، بل في قرى ومساحات يسكنها مدنيون أوكرانيون سيدفعون ثمن استعمال هذه الذخائر. أما إذا نجح الأوكرانيون في التوغل داخل الأراضي الروسية ونشر تلك الذخائر، فأغلب الضحايا، مرة أخرى، سيكونون من المدنيين.
كل هذا سيضع الأوكرانيين أمام معضلة أخلاقية من السهل أن تتطور إلى ملاحقات قضائية دولية قد تطال حتى الرئيس الأوكراني ومساعديه لتحوّلهم من مقاومين ورموز إلى مجرمين مطلوبين لمحاكم جرائم الحرب الدولية.
رغم أن البيان الختامي لقمة فيلنيوس ذكر كلمة أوكرانيا قرابة خمسين مرة، إلا أنه لم يتضمن الجملة السحرية التي انتظرها العالم: انضمام أوكرانيا لتصبح العضو الثالث والثلاثين
في الأسابيع التي تلت الغزو الروسي تداول الإعلام الغربي أنباء عن أن الجيش الروسي استعمل قنابل عنقودية في مناطق بشرق أوكرانيا. آنذاك أقام العالم الغربي، وفي مقدمته إدارة الرئيس بايدن، الدنيا وتوالت الإدانات والاحتجاجات في كل العواصم الكبرى. بعد حوالي سنة ونصف السنة، تقرر الإدارة الأمريكية ذاتها التي احتجت على المزاعم عن استعمال الروس ذخائر عنقودية، تزويد أوكرانيا بالذخائر الممنوعة ذاتها. من حق أيّ عاقل أن يسأل لماذا؟
هناك معيار مرجعي أساسي على خطورة القرار الأمريكي: امتناع الحكومة البريطانية، شريكة واشنطن في كل المصائب، عن توفير ذخائر عنقودية لأوكرانيا. لو كان في توفير هذه الذخائر لأوكرانيا أيّ سند أخلاقي أو قانوني، وحتى سياسي، لا أحد كان سيسبق بريطانيا في تقليد القرار الأمريكي.
٭ ٭ ٭
قمة حلف شمال الأطلسي التي استضافتها العاصمة الليتوانية فيلنيوس سبقها وتخللها الكثير من الكلام والتوقعات عن أوكرانيا. لكنها في الواقع شهدت «جعجعة بلا طحين» في هذا الموضوع تحديدا. حتى وإن منحت قمة 2023 أوكرانيا أفضل مما منحتها قمة بوخاريست في 2008، وبغض النظر عما ورد في البيان الرسمي من مجاملات ودعم، المحصلة أن كييف لم تظفر بما كانت تتمناه، لا العضوية في الحلف ولا وضعا مشابها لوضع إسرائيل يتيح لها حماية استثنائية دون الحاجة للعضوية.
رغم أن البيان الختامي لقمة فيلنيوس ذكر كلمة أوكرانيا قرابة خمسين مرة، إلا أنه لم يتضمن الجملة السحرية التي انتظرها العالم: انضمام أوكرانيا لتصبح العضو الثالث والثلاثين. بل لم يتضمن أيَّة شروط محددة بوضوح وصراحة، ولا أيّ تلميح لتاريخ معيّن يضع حدا لانتظار مستمر منذ قمة 2008. فقط مدّد فترة بقاء أوكرانيا في صالة الانتظار. من هنا تفسير الشعور بالخيبة الذي عبّر عنه مساعدو الرئيس زيلنسكي.
يقولون إن «نعم نظريا» في السياسة هي «لا عمليا». وهذا ينطبق على أوكرانيا التي تدفع بهذا التأجيل المستمر ثمن أمنية الانتماء إلى الغرب وأذرعه دون أن تجني شيئا ملموسا في المقابل.
بالنسبة لأمريكا وحلفائها، لا مانع أن تصبح أوكرانيا عضوا في حلف الناتو إذا ما كانت كلفة ذلك أقل من كلفة بقائها خارجه. لكن لا أحد في الغرب يريدها فورا، لأن منحها العضوية تترتب عنه بالضرورة وبحكم قوانين الحلف الداخلية التزامات كثيرة مكلفة. وأكثر ما يعيق انضمامها الآن المادة الخامسة من معاهدة الحلف التي تنص على أن «الاعتداء على أي عضو هو اعتداء على الكل» ويتطلب الرد.
سيصبر الغرب حتى نهاية الحرب، فإذا ما انتصرت أوكرانيا تصبح عضويتها في الناتو مؤكدة. أما إذا انهزمت فعلى الجميع نسيان الأمر كله لأننا سنكون أمام واقع آخر لا يعلمه إلا الله.
هذا التحليل يتبعه استطرادا سؤال مؤلم: هل ستبقى أوكرانيا موحدة كما هي الآن بعد نهاية الحرب؟ ليس أكيدا. في أفضل الأحوال ستكون مبتورة من أجزائها الناطقة بالروسية. لكن هناك الأسوأ وهو أن تكون مقسَّمة إلى دويلات عبارة عن براميل بارود.
لهذا لا أحد، وبالذات أمريكا، يريد خوض حرب مكلفة من أجل أوكرانيا مع عدو نووي لا يؤتمن. حتى الأسلحة والمساعدات العسكرية الأخرى ستبقى شحيحة ومحسوبة، وتوفرها كثير من الدول بضغط أمريكي وليس حبا في أوكرانيا.
وزير الدفاع البريطاني بن والاس قال إنه قطع في الصيف الماضي إحدى عشرة ساعة بالسيارة للقاء مسؤولين عسكريين أوكرانيين، وعندما التقاهم أشهروا قائمة جاهزة باحتياجاتهم العسكرية، فردَّ بمكر السياسيين البريطانيين: أنا لست أمازون! في إشارة إلى موقع المبيعات الشهير عبر الإنترنت.
لمن أراد أن يفهم، هذه الواقعة تقول الكثير عن المزاج العام في الغرب عن الدعم العسكري لأوكرانيا وقصة انضمامها إلى الناتو.