- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
جمال زحالقة يكتب: تفاهمات على الطريق بين واشنطن وطهران
جمال زحالقة يكتب: تفاهمات على الطريق بين واشنطن وطهران
- 22 يونيو 2023, 4:34:14 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أكّدت مصادر كثيرة، خلال الأيام الأخيرة، قرب التوصّل إلى إطار تفاهم بين الولايات المتحدة وإيران، يشمل عددا من القضايا العالقة بين البلدين. ويجري الحديث عن تفاهمات، وليس عن إعادة إحياء الاتفاق النووي، الذي وقّع عام 2015، ولا عن اتفاق رسمي جديد. ووصف مسؤولون أمريكيون هذه الأخبار بأنّها غير دقيقة، ولكنّهم لم ينفوا أنّ هناك اتصالات حثيثة تهدف إلى التوصّل إلى «اتفاق صغير» أو ما يسمّى «لا اتفاق». أمّا في إسرائيل فقد تم تأكيد صحة ما يُنشر عن توافق أمريكي-إيراني غير رسمي، وشارك في التأكيد مسؤولون سياسيون وأمنيون ومختصون وصحافيون ولم يفصح أحد بالتشكيك في صحة الأنباء الواردة عن الموضوع.
وهذا في حد ذاته مؤشّر مهم إلى مصداقية الأخبار التي تنشر بهذا الخصوص في وسائل إعلام رصينة مثل «نيويورك تايمز» و»وول ستريت جورنال»، فإسرائيل مطلعة على ما يجري على خط واشنطن طهران المباشر وغير المباشر. ولأنّ إسرائيل تعرف أكثر من غيرها، بدأ مسؤولون أمريكيون يشكون ويشكّون بأنّها مصدر التسريبات الصحيحة وغير الصحيحة.
ما يقلق إسرائيل أن الشرق الأوسط يتغيّر بسرعة وليس في صالحها: تراجع أمريكي، زيادة في نفوذ الصين وروسيا، انفراج عربي إيراني وعربي تركي، برود في حمّى التطبيع
تفاصيل غير رسمية
يستدل مما جرى تداوله في وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية وكذلك الإيرانية بشكل غير مباشر، أنّ الحديث يجري عن تفاهمات بين الإدارة الأمريكية والقيادة الإيرانية حول نقاط محدّدة، وذلك بهدف نزع فتيل التصعيد، ومنع التدهور وخروج الأمور عن السيطرة، والتوصل إلى نوع من التهدئة. وتتلخّص التزامات إيران، التي طرحت على جدول الأعمال في الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، بما يلي:
تحتفظ إيران بما لديها من مخزون مواد مخصّبة وتمتنع عن تخصيب جديد بنسبة 60%.
تلتزم إيران بعدم تزويد روسيا بصواريخ بالستية.
تتعهد إيران بعدم التعرّض، هي وحلفاؤها، لقوات وأهداف أمريكية في المنطقة.
تقوم إيران بإطلاق سراح سجناء يحملون الجنسية الأمريكية.
تفتح إيران مرافقها النووية كافة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية.
في المقابل تأخذ الولايات المتحدة على عاتقها:
رفع عقوبات عن الكثير من الشركات والمؤسسات والبنوك الإيرانية.
تحرير أصول إيرانية محتجزة في سيول وبغداد وطوكيو بما يقارب 20 مليار دولار.
عدم تصعيد العقوبات المفروضة على إيران والامتناع عن فرض عقوبات جديدة.
إذا صحّت هذه التفاهمات فستكون مكسبا إيرانيا كبيرا، فهي تعني عمليا اعترافا أمريكيا ودوليا شبه رسمي بإيران كدولة عتبة نووية، حيث توافق الولايات المتحدة على بقاء المواد المخصّبة بنسبة 60%، ومن المعروف مدى سهولة وسرعة الانتقال منها الى تخصيب 90%، الذي تُنتج منه الأسلحة النووية. كما أن إيران ستحصل على أموال طائلة هي بأمس الحاجة لها، في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها، خاصة أزمة التقاعد غير المسبوقة. وإيران أيضا جاهزة لابتلاع الشروط الأمريكية لأنّها تنسجم وتعليمات المرشد الأعلى بخصوص الانفتاح على تفاهمات مع الغرب، شرط عدم المس بما هو قائم في المشروع النووي الإيراني، وقد جرى استيفاء هذا الشرط كاملا، بالإضافة لذلك، تعتبر التفاهمات الجديدة إنجازا مهمّا في إطار استراتيجية «الديتانت» والانفراج التي تتبعها الجمهورية الإسلامية مؤخّرا، والتي حملت معها تجديد العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وتسخين العلاقات مع دول الخليج ومع مصر.
الموقف الأمريكي
يبدو أن الإدارة الأمريكية هي التي تريد أن يبقى ما يجري الاتفاق عليه بين الطرفين تفاهمات غير رسمية وليس اتفاقا أو معاهدة تجري المصادقة عليها رسميا. والسبب هو أن تجنيد أغلبية في الكونغرس لدعم اتفاقية رسمية مع إيران غير مضمون بالمرّة، بسبب معارضة الجمهوريين، وبسبب الموقف المناوئ لإيران في صفوف الكثير من النواب الأمريكيين، تبعا لتورّطها في دعم ومساندة روسيا في حربها في أوكرانيا. وعليه فإن الحديث يجري عن وفاق على «لا اتفاق»، لأن هناك خلافا بين الإدارة والكونغرس، بغض النظر عن إمكانية أو عدم إمكانية التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران. الإدارة الديمقراطية تريد أن ترتاح من «الهم» الإيراني، خلال سنة الانتخابات، وتجميد المشروع النووي وعدم الانتقال إلى مرحلة أكثر توتّرا، هو مكسب لبايدن، الذي أصدر تعليماته بالسعي الحثيث للتوصّل إلى تفاهمات مع إيران. الولايات المتحدة تخشى أيضا، أن تقوم روسيا في خضم الحرب الأوكرانية بتبنّي الملف الإيراني، وتقوم بوضع شروطها وتوظّف الملف النووي الإيراني لصالحها، وهي تأمل كذلك بأن تؤدّي التفاهمات إلى دق الأسافين بين روسيا وإيران.
شرط الصواريخ الغريب
من الغريب فعلا، أن تشترط الولايات المتحدة على إيران عدم «تزويد» روسيا بالصواريخ البالستية، وروسيا أكثر من يمتلك مثل هذه الصواريخ في العالم، فهل حقّا تخشى أمريكا أن تؤثّر صواريخ إيران في مجريات حرب أوكرانيا؟ الجواب هو أن هذا هو شرط أوروبي أكثر منه أمريكيا، وهو يعكس خوفا من أن تستغل إيران الحرب في أوكرانيا لإجراء تجارب على صواريخ، يصل مداها إلى أوروبا، في معارك عسكرية حقيقية. وعليه لا تريد أوروبا والولايات المتحدة أن تقوم إيران بفحص عملي لمدى دقة هذه الصواريخ وقوّتها التفجيرية، وكذلك قدرة الدفاعات الجوية مثل منظومة «باتريوت» على إسقاطها. لقد اقتنع عدد من الأطراف في أوروبا، بأن هناك خطرا فعليا من تطوير صواريخ إيرانية يصل مداها إلى دول أوروبية، وهي تريد أن تمنع قدر المستطاع قيام إيران بتدقيقها وتحسين أدائها وتطويرها لتكون جاهزة لحمل رؤوس نووية. هذا الاقتناع الأوروبي هو صناعة إسرائيلية وهو جزء من حملة الدولة الصهيونية المستمرة ضد إيران، ولكن لا يبدو منطقيا أن الدولة الإيرانية تهدد أي دولة أوروبية، وهي لم تفعل ذلك منذ 2472 عاما، حين انتهت حرب فارس واليونان بعقد الصلح في شوش بين كالياس اليوناني وارتحششتا الفارسي عام 449 قبل الميلاد، وبموجبه تعهّدت الإمبراطورية الفارسية بعدم الاقتراب من بحر وبر أوروبا، وبقيت وفية لعهدها إلى يومنا هذا، وما من سبب لكي تغيّر إيران التزامها «التاريخي»، إلّا دفاعا عن نفسها، إن هي تعرّضت لعدوان أوروبي مباشر.
خلاف في إسرائيل
هناك تباين في المواقف بين المؤسستين الأمنية والسياسية، بكل ما يخص التفاهم الأمريكي الإيراني المحتمل. صحيح أنّه لم تصدر تصريحات مباشرة من قبل قيادة الجيش والموساد، إلّا أن بعض الجنرالات المتقاعدين يعبّرون إلى حد كبير عن المزاج العام في الأذرع الأمنية الإسرائيلية، خاصة إذا قالوا جميعا الكلام نفسه. وقد جاء في مقال للجنرال احتياط، تمير هايمان، القائد السابق لشعبة المخابرات العسكرية أنه مع التفاهمات الجديدة «يتوقّف النزيف وإسرائيل تربح وقتا ثمينا لتطوير الاستعداد العسكري لمواجهة محتملة.. وكذلك فإن إسرائيل ستحصل على تعويض عسكري كبير للمحافظة على تفوّقها لسنوات طويلة». الكلام نفسه جاء في مقال منفصل للجنرال احتياط عموس يدلين، الذي سبق هايمان في قيادة شعبة المخابرات العسكرية. في المستوى السياسي هاجم يئير لبيد زعيم حزب «يوجد مستقبل» ورئيس المعارضة، حكومة نتنياهو واتهمها بإلحاق ضرر بأمن إسرائيل، لأنها خرّبت العلاقة مع الولايات المتحدة وفقدت القدرة على التأثير في سياساتها الشرق أوسطية. ودعا نتنياهو إلى إلغاء مشروع «التغيير القضائي» والسفر إلى واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بعدم الدخول في تفاهمات مع إيران. نتنياهو من جهته حاول التقليل من شأن التفاهمات قائلا بأنها «اتفاق صغير»، وأن إسرائيل غير ملزمة به وستقوم بالدفاع عن مصالحها وعن أمنها. ما يهم نتنياهو فعلا أن التفاهمات غير رسمية ولن يصادق عليها الكونغرس، ويستطيع مواصلة الادعاء بأن الدولة الصهيونية تحتفظ بحقها في «الدفاع عن النفس»، والتفاهمات الجديدة بنظره لا تشوّش هذا المبدأ.
ولعل أكثر ما يحز في النفس الإسرائيلية هو أن الولايات المتحدة لم تأخذ رأي إسرائيل مسبقا، وأنّها تتصرّف بشكل مستقل ولا تأثير لإسرائيل عليها في مسار التفاهمات الجديد، ولكن ما يقلق إسرائيل أكثر بكثير هو أن الشرق الأوسط يتغيّر بسرعة وليس في صالحها: تراجع أمريكي، زيادة في نفوذ الصين وروسيا، انفراج عربي إيراني وعربي تركي، برود في حمّى التطبيع، وها قد جاء دور بداية انفراج أمريكي إيراني، وربما يحدث لاحقا انفراج عربي عربي شامل ووفاق فلسطيني فلسطيني مأمول.