- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
جيوبوليتكال: لماذا يحظى بوتين بشعبية لدى العرب رغم دوره في حرب سوريا؟
جيوبوليتكال: لماذا يحظى بوتين بشعبية لدى العرب رغم دوره في حرب سوريا؟
- 9 أبريل 2022, 7:15:18 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لدى العديد من العرب أسباب قوية تجعلهم يكرهون الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بما في ذلك الدور الحاسم الذي لعبته روسيا ضد السنة في الحرب السورية، ومنع انهيار نظام "بشار الأسد"، وقتل عدد لا يحصى من المدنيين بشكل عشوائي، وتدمير المدارس والمستشفيات.
وحتى الميليشيات الشيعية التي تجالفت مع الروس ضد المتمردين المناهضين للنظام، تعلم أن علاقات "بوتين" الوثيقة مع إسرائيل مكنت القوات الجوية الإسرائيلية من قصف أصول الميليشيات الإيرانية والشيعية في سوريا دون عقاب.
ومع ذلك، يحظى "بوتين" بشعبية مفاجئة بين كثير من العرب من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك قادة الدول الجمهورية والملكية على حدٍ سواء.
بحثا عن بطل
يبحث العرب باستمرار عن أبطال جدد، على أمل العثور على منقذ آخر مثل "صلاح الدين"، الزعيم المسلم الذي هزم الصليبيين في معركة حطين واستعاد القدس عام 1187.
وفي الخمسينيات، اعتقدوا أنهم وجدوا بطلهم في الرئيس المصري "جمال عبدالناصر" الذي وعد بتوحيد العرب وتدمير اسرائيل لكن الهزيمة الهائلة لجيشه في حرب الأيام الستة عام 1967 حطمت ثقتهم في الجيوش العربية التقليدية، وحولتها بدلاً من ذلك إلى حركات المقاومة الفلسطينية التي تعهدت بمواجهة إسرائيل.
وفي عام 1982، اجتاحت إسرائيل لبنان، وأجبرت منظمة التحرير الفلسطينية على المغادرة إلى تونس، وأجبرت رئيسها "ياسر عرفات" على السعي لتحقيق السلام مع إسرائيل، وشوهت صورة "عرفات" كزعيم للحركة الثورية.
وفي عام 1988، حقق العراق انتصاراً مكلفا على إيران بعد حرب استمرت 8 سنوات، وتم تصوير النتيجة باعتبارها انتصار على التوسع الفارسي.
تابع "صدام حسين" أنشطة طموحة في مجال أسلحة الدمار الشامل تضمنت برنامجًا نوويًا عسكريا.
وفي إشارة إلى تدمير إسرائيل لمفاعل "أوزيراك" النووي بالقرب من بغداد عام 1981، هدد "صدام" عام 1990 بتدمير نصف إسرائيل إذا حاولت مرة أخرى تفكيك المنشآت النووية العراقية.
وبعد أقل من 4 أشهر، غزا "صدام" الكويت، وأعلن أنها المحافظة العراقية التاسعة عشرة، وحصل على دعم من الجماهير العربية لبدء الوحدة العربية لكن الهزيمة المذهلة للجيش العراقي على يد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة سرعان ما غيرت التصور عن الزعيم العراقي من بطل عربي طال انتظاره إلى دكتاتور غير عقلاني.
وبعد أن ثبت أن بحثهم عن منقذ محلي مجرد وهم، لجأت الجماهير العربية إلى القادة غير العرب مثل الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" خاصة مع نبرة التحدي للغرب والخطاب المعادي لإسرائيل الذي جعله نموذجا يحتذى به في نظرالعرب، لكن تذبذبه وتحولاته السياسية المفاجئة جعلت الكثير من العرب يغيرون رأيهم.
في غضون ذلك، خلق "بوتين" الانطباع بأنه يمكن أن يكون بطلاً للعرب، بالرغم أنهم لم يعتبروه صديقًا.
وبالإضافة إلى امتلاك بلاده قدرات نووية هائلة، قام "بوتين" بتحديث الجيش الروسي بعد أن أصبح رئيسًا في عام 2000.
وشن حربًا ناجحة ضد جورجيا في عام 2008 وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014.
وتحدى الغرب وحلف شمال الأطلسي وتعهد بمنع أوكرانيا من العمل كمحطة ضد الاتحاد الروسي.
لقد طعن الهيمنة الأمريكية على السياسة الدولية وسعى إلى استبدالها بنظام متعدد الأقطاب.
ويقدم الرئيس الروسي نفسه كشخصية ذكورية.
إنه خبير فنون قتالية، يركب الخيول ويسبح في الماء البارد ويصطاد الحيوانات البرية.
هذه صفات ذكورية لا يجدها العرب في قادتهم. وينظر العرب عمومًا إلى "بوتين" على أنه زعيم قوي لا ينحني تحت الضغط ويريد استعادة مجد روسيا.
في الواقع، برزت روسيا كقوة عالمية في ظل حكم "بوتين"، الذي اختارته مجلة "فوربس" كأكثر الشخصيات نفوذاً في العالم لأربع سنوات متتالية بين عامي 2013 و 2016.
كما أن "بوتين" يحكم البلاد بطريقة مماثلة لتلك السائدة في المنطقة العربية، مستخدمًا القوة الغاشمة لإجبار شعبه على الخضوع.
وكلما أظهر "بوتين" قوته وعزمه في الحرب في أوكرانيا، زاد الإعجاب به.
وعلى عكس الحكام العرب غير الآمنين والمتوترين، ينضح "بوتين" بالهدوء والثقة، ويعكس صورة العزم والثبات.
وفي سوريا، أظهر "بوتين" في كثير من الأحيان القوة العسكرية الروسية بشكل مبالغ فيه وغير ضروري، بما في ذلك استهداف متمردين بصواريخ باليستية من السفن الحربية في البحر الأسود وبحر قزوين.
وغالبًا ما يشير الشيعة العرب إلى "بوتين" - الذي يظهر بجانب "الأسد" وزعيم حزب الله "حسن نصر الله" على الملصقات في كل مكان في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري - باعتباره الحاج "أبو علي"، أو رافع الظلم عن المظلومين، لدوره في سحق الانتفاضة السنية في البلاد.
وينظر العرب إلى "بوتين" على أنه زعيم دولة واسعة وقوية تتمسك بموقفها ضد الولايات المتحدة، التي لا ترغب في مواجهته وجهاً لوجه لأن روسيا قوة نووية.
التراث السوفيتي
يعامل العرب روسيا باعتبارها وريثة الاتحاد السوفيتي السابق.
وعندما يحكمون على أفعال "بوتين" اليوم، فإنهم ما زالوا متأثرين بسياسة الكرملين الخارجية خلال الحقبة الشيوعية ودعمه للقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ولدى معظم العرب عقدة من الغرب أصبحت جزءًا لا يتجزأ من وعيهم الجماعي.
وبالنظر إلى الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، يميل العرب إلى الانحياز إلى أي دولة تعارض السياسة الخارجية لواشنطن، بغض النظر عن شعورهم الشخصي حيال هذه المسألة.
ولا تزال قضايا الاستعمار والإمبريالية تشغل بال الشعب العربي الذي يتذكر دعم الاتحاد السوفيتي لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث.
ولا يزال العرب يحتفظون بهذه العقلية وينظرون إلى "بوتين" وفقًا لذلك، حتى لو كان ذلك غير صحيح.
وسيعتبر العرب انتصار "بوتين" في أوكرانيا انتصارهم حتى لو لم يستفيدوا منه.
وسيكون من دواعي سرورهم أن يروا الرئيس الأوكراني اليهودي المدعوم من الغرب، وهو صديق قوي لإسرائيل، يخسر أمام روسيا.
كما تشترك الدول العربية في روابط تاريخية مع روسيا.
ولا ينكر "بوتين" مكانة الإسلام في التاريخ الروسي، وقد شدد في كثير من الأحيان على الحاجة إلى تعزيز جودة المدارس الإسلامية في روسيا.
وقد دخل الإسلام في منطقة الفولجا الروسية والقوقاز في القرن السابع، أي قبل المسيحية بقرنين.
وأقامت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية علاقات وثيقة مع بطريركية أنطاكية (كانت سابقًا جزءًا من سوريا).
ويعد الإسلام ثاني أكبر ديانة في روسيا، حيث يشكل 20 مليون مسلم ما يقرب من 14% من السكان.
وكانت هذه الروابط واضحة في عام 1788، عندما أنشأت الإمبراطورة الروسية "كاثرين" العظمى جمعية أورينبورج وشجعت تعليم اللغة العربية في كليات ومدارس محددة.
وبالرغم من وجود تمييز ضد المسلمين في روسيا، إلا أنه يختلف عن الإسلاموفوبيا في الغرب.
ففي روسيا، يتخذ التمييز شكل تراتبية عرقية تفضل العرق الروسي.
تقارب القادة العرب مع بوتين
بالنسبة للحكام العرب، فإن التواصل مع روسيا أسهل بكثير من التواصل مع الغرب لأن موسكو لا تتدخل في شؤونهم الداخلية.
وعندما اندلعت الانتفاضات العربية، أدانتها روسيا ووصفتها بأنها مؤامرة أمريكية ضد الأنظمة القائمة.
وألقى "بوتين" بشريان نجاة للطغاة العرب من خلال سحق الثورة السورية، والتي كان من الممكن أن تغير الخطوط السياسية للشرق الأوسط إذا نجحت.
وفي عام 2018، عندما حضر ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" قمة مجموعة العشرين بعد فترة وجيزة من الاغتيال الوحشي للصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، كان معظم المشاركين يعاملونه على أنه منبوذ.
وقد تجاهله الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، وساءله الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" ورئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" بشأن مقتل "خاشقجي" لكن "بوتين" رحب به بحرارة عالية، وصافحه بقوة.
وعندما يستقبل "بوتين" الحكام العرب في موسكو يجلس إلى جانبهم، بدلاً من الجلوس على طاولة ضخمة كما يفعل عندما يلتقي بالقادة الغربيين.
ويحرص "بوتين" على تعزيز علاقات بلاده مع الدول العربية، خاصة خلال حرب أوكرانيا، التي تفرض عزلة على روسيا قد تمتد لشهور، إن لم يكن لسنوات.
وتعتبر روسيا أيضًا موردا رئيسيا للأسلحة بالنسبة للعديد من الدول العربية.
ومنذ الاستقلال في عام 1962، كانت الجزائر مستوردًا ثابتًا للأسلحة الروسية التي وصلت لنحو 80% من مشترياتها العسكرية.
وعادت مصر، ثالث أكبر متلق للمعدات العسكرية الأمريكية، إلى سوق الأسلحة الروسية بعد الانتفاضات العربية، وتستورد حاليًا من روسيا أكثر من 40% من مشترياتها العسكرية.
وحتى الإمارات، التي تعتمد تقليديًا على الأسلحة الغربية، فإنها تشتري الآن عتادًا عسكريًا روسيًا وصل إلى 6% من وارداتها العسكرية.
كما عرض "بوتين" بيع منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس400" لعدد من الدول العربية أبرزها السعودية.
في غضون ذلك، أصيبت واشنطن بخيبة أمل بسبب عدم إدانة القادة العرب للحرب الروسية على أوكرانيا.
والأسبوع الماضي، زار وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين" المنطقة لحشد الدعم العربي للمساعدة في إنهاء الحرب.
ومع ذلك، فإن الدول العربية ليست في وضع يمكنها من الضغط على "بوتين" للتخلي عن أهدافه الاستراتيجية في أوكرانيا.
علاوة على ذلك، فإن الأنظمة العربية غير مستعدة لتغيير نهجها تجاه روسيا، حيث تعتقد أن العلاقات مع "بوتين" ستخفف من انتقاد الولايات المتحدة لسياساتها المحلية، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية.
ويسعى "بوتين" للترويج لروسيا كملاذ من هيمنة السياسية الغربية ودرع أمني إذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة بالكامل.
لذلك من غير المحتمل أن يكون لنتيجة الحرب في أوكرانيا تأثير سلبي على علاقات روسيا مع الدول العربية.
المصدر | هلال خاشان/ جيبوليتكال فيوتشرز