حسن مدبولي : عروس النيل المصرية !!

profile
حسن مدبولي كاتب مصري
  • clock 13 مايو 2021, 1:22:20 ص
  • eye 1248
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عندما تحاصرنا الأحداث الأليمة والكوارث العظام  من كل جانب، دون رد فعل طبيعى كما يحدث من أى شعوب لديها الحد الادنى من الشعور بالمسئولية 

 ، فإعلم على الفور إننا فى كرب عظيم له مآلات فظيعة التصور أقلها إندثار الأثر وذهاب الريح؟

 فالألم مهما كان عميقا جارحا، يهون وتتقلص آثاره عندما ينتفض الجسد ثائرا مقاوما،لكن مرور  قضايا مصيرية،

وعلى رأسها عمليات سرقة نهر النيل وتدنيس المقدسات الإسلامية فى القدس، و نحن نعيش فى سبات عميق بدون أى تململ حتى ؟ 

فذلك يعنى فقدان الأمة لجيل يعرف قيمتها  ، ويعنى أيضا خلوها من أى زعامات سياسية أو نخبوية تمتلك من الإدراك ما يليق بخطورة ما يتم ، 

قياسا مع  زعامات حزبية ومستقلة سابقة كانت تزلزل  الأرض لأجل قضايا أقل كارثية ؟

 ويجعل المقارنة بين الماضى والحاضر أمرا مبكيا ، فلا يمكن أن نتصور مثلا أن المفكرة والزعيمة السياسية  الدكتورة نعمات أحمد فؤاد كانت ستصمت لو كانت تعيش عنفوانها 

 بيننا الآن ومر عليها ما يخص تيران وصنافير ؟ أو عاشت ما يحاك لنهر النيل من مخططات محمومة لتحويله من نهر دولى إلى بحيرة أثيوبية؟

 ويجعلنا نتسائل فى مرارة  عما إذا كانت ستكتفى بتويتة لإثبات الموقف من العدوان الهمجى المستمر  ضد ثالث الحرمين وأولى القبلتين وعلى الأطفال والنساء كما يحدث من بعض من ابتلينا بهم فى وقتنا الحالى ؟

فشتان الفارق بالفعل بين النخب الصامتة والمتراجعة فى وقتنا الحالى، وبين الكثيرين من المناضلين المكافحين المدافعين عن الشعب المصرى وحقوقه وثوابته وتراب وطنه الذين غادروا دنيانا ، 

ومن بينهم  هذه المفكرة المصرية الرائعة نعمات أحمد فؤاد التى ولدت بمغاغة بمحافظة المنيا فى يناير عام 1926،

 وحفظت القرآن الكريم في طفولتها،ثم انتقلت من مغاغة إلي ضاحية حلوان في القاهرة، لتلتحق بالمدرسة الثانوية الداخلية للبنات في حلوان،

 ثم إلتحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة، كما نالت درجة الماجستير في أدب المازني، ثم حصلت على درجة  الدكتوراة بعنوان "النيل في الأدب العربي".عام 1952، 

وإستمرت فى كفاح سياسى وثقافى وإجتماعى بل وإقتصادى لا يمل،حتى توفيت فى إكتوبر عام 2016، 

إن من عاصروا تلك السيدة العظيمة ،  سيتمنون بلا شك تواجدها فى وقتنا الراهن، فهى كانت ستغير بالتأكيد بعض المعادلات السائدة ،

 بل كانت ستقلب الدنيا رأسا على عقب خاصة أمام ما يحاك ضد نهر النيل ، ولا نقول ذلك طبقا لانحياز او هوى ،

 لكننا نستخرجه من مواقفها التاريخية التى إتخذتها بشجاعة وسط ظروف كانت أسوأ وأضل سبيلا؟

فهى لم تكتفى من الشجاعة بالإستئساد والشماتة فيما يقع لخصومها السياسيين ، لكنها تصدت بقوة لظلم السلطة وجنوحها وشططها ومحاولاتها إستعباد المصريين ،

 ولم تجزع أو تداهن أو تصمت ورفضت كل محاولات الإغواء بالمناصب والأموال ؟ 

 إننا لا نتكلم بشكل إنشائى عفوى ، فنعمات أحمد فؤاد  تعتبر أول سيدة فى التاريخ المصرى المعاصر تقتنص وتتولى أدوار الزعامة السياسية كتفا بكتف مع الرجال ،

 بل  وبالتقدم على هؤلاء الرجال بخطوات كبيرة ، كما إنها قد تكون السيدة الوحيدة  فى التاريخ المصرى حتى الآن التى تزعمت قوى المعارضة السياسية الرئيسية وقادت مؤتمراتها فى أحيان كثيرة ،

 وكان لها صولات وجولات نددت خلالها بالحكومات والرؤساء المحليين ، وبالأجانب المتربصين بخيرات شعب مصر ، بدون حسابات أو رهاب من أجهزة متربصة، ولا كتكتيك لنيل مكاسب ومناصب  ؟ 

كما إنها لم تكن ضد الحداثة أو التطوير والمعاصرة ،لكنها فى نفس الوقت  كانت ضد إستغلال تلك المفاهيم للإساءة للقيم والمقدسات،

أو لتسهيل التفريط فى الثوابت الوطنية والمقومات الإقتصادية العامة التى هى ملك للشعوب لا يحق لأى مسؤول مهما كان منصبه أن يتصرف فيها كما يحلو له؟

وتجلى أحد أهم  مواقفها الوطنية فى هذا الخصوص، عندما تصدت لمحاولات التغلغل الأجنبى للإستيلاء على جزء هام جدا من التاريخ المصرى،

 ورفضت قيام نظام الرئيس الراحل أنور السادات بالإعلان عن بيع  هضبة الأهرام لصالح مستثمر أجنبى ( من كندا )

 يدعى بيتر مونك والذى كان سيشترى  عشرة آلاف فدان من هضبة الأهرامات  مقابل نحو ٢ مليون دولار ؟

 وقد هاجمت الدكتورة ذلك المشروع فى جريدة الأهرام نشر بتاريخ السابع من يوليو عام ١٩٧٧ وكان بعنوان "مدينة سياحية عند الهرم "

 أكدت فيه بأنه لا ينبغى أن يستولى أى أجنبى على جزء من تاريخ مصر لمجرد دفعه الأموال ؟ مؤكدة أن أصحاب الأموال غير أصحاب الحضارة والتاريخ ؟ 

 ولم تكتفى بالكتابة بل خرجت بآرائها إلى الحياة السياسية العامة، ونظمت حملات عديدة للدفاع عن حرمة وقداسة تاريخ مصر ،

 وهاجمت ذلك المشروع، بل هاجمت الرئيس السادات  نفسه فى تلك المؤتمرات وكانت تجوب أنحاء مصر من نقابة إلى حزب إلى قاعة مؤتمرات أو وسط الجموع التى تنتظرها فى المدن خارج القاهرة ،

 وكانت كلماتها وخطبها الحماسية تمنح عشرات الألاف من المصريين شعورا وطنيا عظيما لاحدود له ، يزيل عنهم الشعور الطبيعى بالخوف والرعب من قمع السلطة وأجهزتها ؟ 

ولقد ظلت نعمات احمد فؤاد على موقفها وفى حركتها وصمودها وترفعها عن ما يقدم لها من إغواءات كثمن للتراجع والصمت ، حتى تراجع السادات عن قراره المخزى ببيع هضبة الاهرام للأجانب ؟ 

 ولم تكتفى دكتورة نعمات بدورها فى الحفاظ على آثار وتراث مصر ، لكنها رفضت أيضا التفريط فى القطاع العام أو البنوك أو الشركات العامة حيث تصدت لعمليات الخصخصة منذ بدايتها

 وقادت حملة قوية ضد شخص خليجى من الكويت، حاول أن يلعب فى مجال الإقتصاد المصرى، نفس  الدور الذى لعبه الوزير السعودى الذى سيطر لوقت قريب على مقدرات مصر الرياضية فتحولت الكثير من الرموز الرياضية  المصرية إلى مجرد حملة مباخر له بلا خجل،

 ولم نجد شخصا واحدا فى مثل شجاعة نعمات أحمد فؤاد وحدها و التى جعلت الكويتى المتنمر بأمواله يهرول هاربا غير مأسوف عليه؟

ومن المهم الإشارة أيضا إلى أنها كانت ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث هاجمت على وجه الخصوص مشروع ترعة السلام  لتوصيل مياه النيل لإسرائيل،

 والذى كان سيتم تنفيذه لولا صلابة موقفها ، وفصاحة بيانها وسلامة حجتها وقوة عزيمتها ، كما ينبغى أن نشير إلى كتاب ومفكرين عظام آخرين كالأستاذ كامل زهيرى الذى نشر كتابا وقتها بعنوان النيل فى خطر 

وشارك  فى تلك المعركة  السياسية الساخنة التى تصدت للتوجهات المتعلقة بعمليات توصيل مياه النيل لإسرائيل فى إطار مخططات التطبيع المشئومة ؟  وكانت النتيجة الطبيعية لجهود هؤلاء المخلصين هو توقف المشروع المشئوم ولو بشكل مؤقت ؟

وبالتالى فلو كانت نعمات أحمد فؤاد( وغيرها من أساتذة الجيل السابق)  موجودة وسطنا ورأت ما نراه ، وعاشت ما نعيشه ، 

فبالتأكيد وقياسا على مواقفها التاريخية تلك، فإنها  لم تكن لتصمت او تهادن رعبا وهلعا ،

 أو تقبل بأن يشتريها اصحاب المصالح بثمن تافه بخس مقابل النكوص المخزى الذى يفرط فى الأرض والعرض والمقدسات ؟

كل التحية لروح نعمات أحمد فؤاد سيدة مصر الأولى، وعروس النيل ،،،

التعليقات (0)