- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. سعيد الشهابي يكتب: أمن المجتمع بين هفوات السياسة وردع الضمير
د. سعيد الشهابي يكتب: أمن المجتمع بين هفوات السياسة وردع الضمير
- 27 يونيو 2022, 4:09:47 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تطورات الساحة السياسية تدفع أحيانا للتفكر في مفهوم الردع الاجتماعي الذي يعتبر ضرورة للحفاظ على شيوع السلم بين البشر.
حادثة واحدة متميزة دفعت الكثيرين لإعادة تقييم عمق وعيهم بالواقع الذي يعيشه عالم اليوم الذي تغيب عنه قيم السماء وردع الإيمان. فمن التطورات المتوقعة الجولة التي سيقوم بها الرئيس الأمريكي للمنطقة الشهر المقبل، وزيارته المرتقبة لكل من الرياض وتل أبيب. وهناك بعدان جوهريان لهذه الزيارة: دفع مشروع التطبيع بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي، والموقف من ولي العهد السعودي الذي بقي طوال السنوات الأربع الأخيرة مطاردا بقضية قتل الإعلامي السعودي المرحوم جمال خاشقجي في أكتوبر 2018. وبموازاة ذلك يمكن إدراج ملف تطبيع العلاقات بين أنقرة والرياض التي توترت في إثر الحادثة المذكورة التي دارت فصولها على الأراضي التركية. وعند نقاش هذه القضايا انطلاقا من أبعادها الأخلاقية والأيديولوجية يمكن استيعاب دور الإيمان في مجال العلاقات والتأسيس لمنظومة مختلفة من العلاقات بين الدول تتوفر على منطق سويّ وعدالة حقيقية توفر للمظلوم شيئا من حقوقه. وهنا يتداخل مفهوم الردع الاجتماعي مع منطق المصالح الفردية والفئوية من جهة ومع المفاهيم المرتبطة بالصراع بين سلطة القانون وأحكام الإيمان من جهة أخرى. فما مدى قوة الوازع الذاتي الناجم إما عن الأخلاق او الإيمان مقارنة مع ما توفره سلطة القانون من ردع؟
جاء في القول المشهور: أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. هذا تأكيد أن السلطة قادرة على فرض القانون حتى لو احتاجت استخدام القوة. ولكن للأخلاق والإيمان قوة أخرى تدفع المرء للالتزام بمسؤولياته وأداء واجباته. فالحقوق الشرعية التي يفرضها الدين، كالزكاة بأنواعها والخمس وأموال الإرث وكذلك الديون، يدفعها الإنسان الملتزم طوعا بدون إكراه خارج وازعه الذاتي. كما أن للمجتمع سلطة أخرى يشعر بها المرء ويسعى بسببها لتفادي ما يزعج ذلك المجتمع. بل أن ممارسة هذه السلطة الرادعة واجب أخلاقي وإنساني، عبّر عنه الإسلام بمفهوم «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». واعتبر أن من أسباب هلاك الأمم السابقة فشلها في أداء هذه المسؤولية «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون» (المائدة 79)
إن من المؤكد أن حكم القانون رادع قوي للبشر عن تجاوز القانون ومصداق لمقولة «الأمر بالمعروف»، بشرط أن يكون هناك نظام عادل يُجري حكم القانون ويأخذ بحق الضعيف ويضرب على أيدي العابثين بقيم المجتمع وأخلاقه وحقوقه
وهنا يجدر تسليط الضوء على عدد من القضايا ذات الصلة بالمفاهيم المذكورة. فقد جاء الإعلان عن زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة في منتصف الشهر المقبل ليثير عددا من التساؤلات. فهو عازم على زيارة كل من المملكة العربية السعودية والكيان الإسرائيلي. الهدف الجوهري من تلك الزيارة دعم مشروع التطبيع بين الدول العربية و»إسرائيل». بدأ تنفيذ ذلك المشروع بتطبيع كل من حكومتي الإمارات والبحرين مع تل أبيب، الأمر الذي أثار غضب الجهات الرافضة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأحدث تصدعا في المحيط العربي، ووسّع الهوّة بين بعض شعوب المنطقة وحكوماتها. وبدا أن الرياض تمتنع عن اتخاذ خطوة التطبيع بالسرعة التي تأملها واشنطن، الأمر الذي ساهم في دفع بايدن للزيارة المزمعة. إن قضية التطبيع، بالإضافة لكونها مسألة سياسية، لها أبعاد عديدة منها ما هو أخلاقي أو ديني أو إنساني. وجوهر الأزمة التي يواجهها الملتزمون بما تمليه عليهم انتماءاتهم الأخلاقية والدينية والإنسانية أن الاحتلال مرفوض من حيث المبدأ ولا مجال للتعايش معه في أي ظرف وبأي تبرير، وأنه جريمة لا تسقط بالتقادم. هؤلاء يؤمنون بأن فلسطين يجب أن تعود لأهلها الأصليين (عربا ومسيحيين ويهودا) وأن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي من وجهة نظرهم. فهم ينطلقون على أساس ما لديهم من قناعات ودوافع لرفض الاحتلال أو التطبيع معه. ويعتبرون ذلك مسؤولية يجب أن يمارسها الأفراد والجماعات، فإذا لم يفعلوا ذلك فإنهم آثمون من جهة، ومعرضون لنتائج التقاعس عن أداء المسؤولية من جهة أخرى، ومنها سقوطهم كأمة ووجود وإنسانية ومبادئ. ..
أما البعد الآخر لزيارة الرئيس بايدن فهو ما يتردد عن عزمه مقابلة الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز وحاشيته. وهنا تطرح قضية قتل الإعلامي السعودي، جمال خاشقجي وتداعياتها منذ أن حدثت في اكتوبر 2018، أي قبل أقل من أربعة أعوام. وبغض النظر عما قيل عن دور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في العملية التي انتشرت تفصيلاتها ووقائعها على نطاق واسع، فثمة ما يشبه الإجماع الدولي على تحاشي لقاء المسؤولين عنها من حيث التخطيط والتنفيذ.
إن من المؤكد أن حكم القانون رادع قوي للبشر عن تجاوز القانون ومصداق لمقولة «الأمر بالمعروف»، بشرط أن يكون هناك نظام عادل يُجري حكم القانون ويأخذ بحق الضعيف ويضرب على أيدي العابثين بقيم المجتمع وأخلاقه وحقوقه. هذا الوضع يشبه كثيرا حالة المرض التي تصيب الجسد. فمن جهة يمتلك هذا الجسد قدرة ذاتية لمكافحة المرض كما يحدث دائما، ولكن استخدام العقاقير عادة يساهم في تخفيف الآلام ودفع الجسد لبذل جهد أكبر للتصدي للمرض. فلا تكفي العقاقير الطبية لاحتواء الأمراض، بل أن أساليب الحذر والعناية والوقاية ضرورة لمنع انتشار الأوبئة. وكذلك الأمر في ما يتعلق بإقامة المجتمع السويّ الذي يحقق السعادة لأهله بتجنيبهم الأمراض الاجتماعية عن طريق الوقاية، فإن فشل ذلك لجأ للعلاج. أن لدى المجتمع قوة ردع كبيرة تحقق دورا وقائيا وتمنع انتشار الموبقات خصوصا اذا التزمت بالتوجيهات الدينية التي تهدف لمنع الظلم وإقامة العدل وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وما انحراف السياسيين عن الخط الإيماني إلا سبب لتعملق الأزمات الناجمة عن غياب الأخلاق وتغييب الأحكام الشرعية عن المجال الاجتماعي. أن مصلحة الإنسانية تتحقق بأمور ثلاثة: أولها السعي المتواصل لإقامة حكم القانون وتطبيقه على الجميع بدون محاباة او مجاملة. ثانيها: بث الوعي في الأفراد وفي أوساط المجتمع لممارسة دور إيجابي للتصدي للمنكر ومنع انتشاره وثالثها: تنمية ثقافة رفض المنكر (وهو كل ما يتنافى مع الفطرة الإنسانية وقيم الخير) وتحويلها إلى قوة ردع فاعلة لتكون داعمة للقانون وضامنة لنجاح تطبيقه.
كاتب بحريني