- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. سنية الحسيني تكتب: استشراف نتائج زيارة بايدن
د. سنية الحسيني تكتب: استشراف نتائج زيارة بايدن
- 14 يوليو 2022, 10:10:06 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد عام ونصف من حكمه، يبدأ جو بايدن رئيس الولايات المتحدة زيارته الأولى إلى منطقتنا، منذ يوم أمس الأربعاء، ولا تعد أسباب ومسار وقضايا زيارته خفية، فقد جاءت في إطار تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية الغربية المستمرة، والتي تفسر العديد من المواقف والسياسات الأميركية، بما فيها تلك التي تتناقض مع سياساتها وتوجهاتها الاستراتيجية الأميركية المعلنة تجاه منطقة الشرق الأوسط. وقد يكون من أبرز تلك المواقف الأميركية المتناقضة، والتي أفرزتها تداعيات الحرب، تلك المتعلقة بالمملكة العربية السعودية، والتي أجبرت إدارة بايدن التخلي عن الشعارات والمبادئ الليبرالية الرنانة المعلقة بحقوق الإنسان، والكشف عن الاعتبارات الواقعية القائمة على تحقيق مصالحها في الأساس، والتي تحكم سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، فجاءت زيارة بايدن إلى السعودية على رأس جدول أعمال الزيارة. كما تعد محاولات الولايات المتحدة إبراز اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط وأمنها اليوم متناقضاً مع توجهات السياسة الأميركية تجاهها خلال العقد والنصف الماضيين، والتي كشفت عنه استراتيجية الإدارات الرئاسية الثلاثة الأخيرة، بدءاً من إدارة الرئيس باراك أوباما ومروراً بإدارة الرئيس دونالد ترامب، ووصولاً إلى الإدارة الحالية، والتي ركزت جميعها على تقليص التزامات الولايات المتحدة تجاه المنطقة. يتطلع بايدن لتحقيق هدفين من هذه الزيارة، يتعلق الأول بنفط السعودية، الذي ينشده الغرب الآن كمصدر تعويضي للطاقة، بعد القرار بتقليص مصادر الطاقة القادمة من روسيا اليهم، بينما يرتبط الثاني بانشاء تحالف أمني إقليمي عربي يضم إسرائيل، والذي يرسخ فكرة التطبيع الاسرائيلي مع العرب، والذي يحقق في ذات الوقت التوجه الاستراتيجي الاميركي بتقليص الالتزامات الأميركية تجاه المنطقة ويزيد من اعتمادها على نفسها. ما هي فرص نجاح بايدن في تحقيق أي من هدفي هذه الزيارة؟
طالما كان نفط المملكة العربية السعودية السبب الرئيس في توطيد علاقتها مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مكانة المملكة السياسية وموقعها الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي تُرجم بانتظام اللقاءات بين الرؤساء الأمريكيين والقادة السعوديين منذ السبعينيات القرن الماضي. الا أنه وفي إطار إعادة توجيه إدارات أوباما وترامب وبايدن السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيدًا عن الشرق الأوسط، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة وانخفاض أسعار النفط عموماً خلال العقد الأول من القرن الحالي والتركيز على إنتاج الطاقة النظيفة لتجنب اضطرابات التغير المناخي، تآكلت العلاقة الأميركية السعودية خلال العقد والنصف الأخيرين، فلم يعد النفط السعودي مهماً كما كان في الماضي. استهل بايدن حقبته معلناً أن إدارته ستتعامل بشكل مختلف مع السعودية مقارنة بالادارات السابقة، فرفض التواصل مع محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ورفعت ادارته الحوثيين عن قوائم الارهاب في الولايات المتحدة، كما أزالت بطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية من المملكة، في وقت كانت تتعرض فيه لصورايخ الحوثيين.
أخذت الرياض أهمية متجددة لدى الولايات المتحدة في أعقاب اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، واضطراب أسواق الطاقة العالمية، انطلاقاً من مكانتها كمصدر رئيس من مصادر الطاقة العالمية، وعضو إلى جانب روسيا ودول أخرى في مجموعة الدول المنتجة للنفط "أوبيك +". في عام ٢٠٢٠، اتفقت مجموعة "أوبيك +" على خفض إنتاج النفط، كي تتدارك مشكلة انخفاض أسعاره الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا. اصطدم إتفاق "أوبيك +" بنتائج الحرب الروسية الأوكرانية، التي تسببت بارتفاع أسعار منتجات الطاقة، وباتت الحاجة ملحة لإعادة زيادة ضخ موارد الطاقة لتعويض النقص في الإمدادات الروسية المفقودة بسبب العقوبات وللسيطرة على أسعارها. بدلت إدارة بايدن سياستها المعلنة تجاه المملكة العربية السعودية، وبدأت في ارسال مبعوثيها للتفاوض حول زيادة السعودية لطاقتها الإنتاجية من منتجات الطاقة، وهو أهم مطلب للولايات المتحدة من السعودية في هذه الزيارة، الا أن موافقة السعودية تأتي ضمن نطاق محسوب وبشكل مضبوط ومحكوم بالتزاماتها مع "أوبيك+". وقامت المملكة بالفعل بتسريع زيادة إنتاج النفط المخطط لها خلال الصيف، الا أن ذلك لم يمنع الأسعار من مواصلة ارتفاعها بفعل تداعيات الحرب، ونقص موارد الطاقة الروسية. ومن المتوقع أن استمرار الحرب سيولد طلباً على النفط أكثر بكثير من ذلك المعروض، حتى وإن عادت السعودية وزادت إنتاجها. كما أنه ليس هناك ما يضمن أن تكون السعودية أكثر تعاونًا مع الولايات المتحدة هذه المرة، خصوصاً في ظل المكاسب التي تعود عليها وعلى الدول المنتجة الأخرى، مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً. ورفض السعودية ودولة الإمارات زيادة إنتاج النفط بالشكل الكافي لتعويض إرتفاع الأسعار، وامتنعت الإمارات عن التصويت لصالح مشروع قرار في مجلس الأمن يدين الهجوم الروسي على أوكرانيا، كما وفرت ملاذ لأموال وأصول روسية للتهرب من العقوبات.
يتمحور الهدف الأميركي الثاني من هذه الزيارة حول خلق تحالف أمني بين إسرائيل ودول المنطقة بما فيها السعودية، وهو رغبة أميركية ليست بجديدة، وكشفت عنها العديد من التصريحات. فأكد توماس نيدس السفير الأمريكي لدى إسرائيل، بأن إحدى النقاط المضيئة في رحلة بايدن تتمحور حول ترسيخ التعاون بين إسرائيل ودول الخليج في مجال الأمن بالإضافة إلى مجالات أخرى. وأكد بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي مؤخراً بإن اسرائيل تبني شبكة دفاع جوي اقليمية ترعاها الولايات المتحدة تسمى "تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط"، وألمح قبل ذلك إلى أن إتفاقية "سلام إبراهيم" التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات تتضمن ترتيبًا أمنيًا خاصاً. كما تحدثت عدد من التقارير الغربية عن سعي الولايات المتحدة لتحقيق تعاون أمني يضم بالإضافة إلى إسرائيل والامارات والبحرين ومصر، السعودية أيضاً. ولم تخرج الجهود لانشاء منتدى النقب والاجتماعات لزيادة تكامل التعاون الأمني في المنطقة عن تلك المساعي. وتسعى الولايات المتحدة لاقامة حلف عسكري إقليمي يبدأ بإنشاء "نظام للدفاع الجوي والصاروخي" بحجة ردع الخطر الإيراني، يضم بالإضافة إلى إسرائيل والولايات المتحدة دول مجلس التعاون الخليجي الست مصر والأردن والعراق، وهو ما ترفضه الدول العربية صراحة حتى الآن، لأنه ببساطة يؤجج الصراعات المذهبية ليس في المنطقة فقط، بل داخل بلدانها أيضاً.
وتفيد الشواهد برغبة الولايات المتحدة الجامحة في تحقيق هذا التعاون الأمني بين إسرائيل والدول العربية، واستعدادها لتقديم مكافئات في سبيل تحقيق ذلك الهدف. فجاء الحديث عن وجود مسودة إتفاقية دفاعية رسمية عرضتها واشنطن على دولة الامارات العربية، تتضمن ضمانات أميركية أمنية، تعد الأولى من نوعها مقارنة بدول المنطقة الشبيهة بها. كما قدم مؤخراً تشريع مدعوم من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس يدعو وزارة الدفاع الأمريكية إلى تقديم استراتيجية تقوم على دمج شبكة دفاع جوي في الشرق الأوسط لحماية حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط في اطار تطوير اتفاقيات إبراهيم. ويبدو أن التوجه الاميركي تجاه الامارات يأتي في إطار توجه أشمل يسعى لضم دول أخرى من المنطقة بالإضافة إلى الامارات وعلى رأسها السعودية.
ورغم تطلع السعودية ودول الخليج الأخرى لابرام اتفاقيات أمنية دفاعية رسمية ملزمة مع الولايات المتحدة، تحدثت عنها السعودية صراحة في آذار الماضي، الا أن ذلك لا يأتي في إطار الهدف الأميركي. وكانت واشنطن تضغط من أجل بناء نظام دفاعي جوي متكامل بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى الولايات المتحدة منذ أربعة عقود، لكن لم تقبل به تلك الدول. كما عقدت قمة أوباما الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي في كامب ديفيد في العام ٢٠١٥ لتحقيق ذات الهدف، والذي يسعى في الأساس لخفض الحاجة إلى وجود عسكري أمريكي في المنطقة، في ظل تعاون إسرائيلي عربي، وكلها محاولات لم تحقق أكلها. وترغب المملكة العربية السعودية باستمرار وجود قوة دفاعية أميركية ودور عسكري للولايات المتحدة في المنطقة يضمن الدفاع عن حلفاء الولايات المتحدة . وهناك اتفاق دفاعي بين الولايات المتحدة ودول الخليج يلزم الولايات المتحدة باجراء مشاورات في حال تعرض تلك الدول لهجوم، لكن دون التزام بالتدخل، وهو ما رفضته السعودية ورفضت الانخراط ضمن أطر تلك الاتفاقات منذ التسعينيات من القرن الماضي. وتحتفظ الولايات المتحدة بقواعد عسكرية كما تنتشر قواتها في دول الخليج سواء في الأسطول الخامس في البحرين، ومركز العمليات الجوية المشتركة في قاعدة العديد الجوية في قطر، وقاعدة جوية أخرى في الإمارات وعتاد حربي مخزّن في عمان والكويت.
تتضح مساعي الولايات المتحدة لتحسين علاقاتها مع السعودية، حيث تعد هذه الزيارة من بين مؤشراتها، تماماً كما جاء تجدد وقف إطلاق النار في اليمن، بعد تدخل الدبلوماسية الأمريكية لمدة شهرين آخرين بداً من الشهر الماضي، كمؤشر عملي. في المقابل، أجرت المملكة العربية السعودية وإيران خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من المحادثات الثنائية بوساطة من الحكومة العراقية. كما حافظت الإمارات على علاقات مباشرة مع إيران، ولم تنقطع. واستقبل رجب أردوغان الرئيس التركي الأمير محمد بن سلمان في أنقرة نهاية شهر الماضي، بعد فتور للعلاقات بين البلدين. كما استضافت الإمارات بشار الأسد الرئيس السوري في شهر مارس الماضي، بعد انقطاع العلاقات بين البلدين لسنوات، وهي الزيارة الأولى للرئيس الأسد لدولة عربية منذ بدء العام ٢٠١١. كما تعد السعودية مورد الطاقة الثاني للصين بعد ان أصبحت روسيا المصدر الاول لها. وفي الختام، سيُقاس نجاح رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط بقدرته على إقناع المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاج النفط واحراز تقدم في عملية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وإنشاء تحالف دفاعي إقليمي عربي يشمل إسرائيل، وهو ما تؤكد المعطيات حتى اليوم على عدم وجوده. وليس من المتوقع أن يحدث بايدن اختراق في زيارته للمنطقة، كما ليس من المتوقع أن ينجح في تحقيق هدفيه.