- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. سنية الحسيني تكتب: انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو وحدود التفاهمات الروسية التركية
د. سنية الحسيني تكتب: انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو وحدود التفاهمات الروسية التركية
- 2 يونيو 2022, 11:25:26 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
وتستمر الحرب ما بين توسع رقعة السيطرة الروسية في أوكرانيا، وتصاعد موجة العقوبات على روسيا، واستخدام روسيا أسلحتها الاقتصادية لمواجهتها، في ظل تحذيرات مراقبين بأن استمرار الحرب من شأنه أن يجر مخاطر كبيرة على الاستقرار الاوروربي بشكل خاص والعالم بشكل عام. استثمرت أميركا وحدها في هذه الحرب حوالي ٥٣ مليار دولار، بالإضافة إلى المساهمات الغربية الأخرى، كمساعدات تضمن بقاء أوكرانيا صامدة.
ويسعى الغرب بشكل صريح لتحقيق هزيمة لروسيا في أوكرانيا، تضمن لهم عدم السماح لروسيا بتهديد السلم في أوروبا مستقبلاً. لا يمكن اعتبار أن الطلبين اللذين تقدمت بهما كل من فنلندا والسويد لحلف الناتو للانضمام اليها في الثامن عشر من الشهر الماضي يخرج عن ذلك النسق وتلك المساعي. ويشكل انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف العسكري، إن وافقت تركيا على هذا الانضمام، مزيداً من التعقيدات في اطار الازمة العسكرية الأوروبية، إلا أنه يمكن إن يكشف أيضاً مدى وحدود التعاون الاستراتيجي بين روسيا وتركيا. وليس من المتوقع أن ينضم البلدان للحلف خلال قمته القادمة نهاية الشهر الجاري، في ظل الشروط التي تضعها تركيا حالياً. لتحقق مكاسب سياسية وعسكرية مهمة لها، حيث أن لها سوابق في استخدامها الفيتو المعطل لقرارت حلف الناتو من قبل، في سبيل تحقيق مصالحها. والسؤال الذي يطرحه هذا المقال هو هل هي مصالح تركيا فقط أم علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا أيضاً، من يقف وراء موقفها الرافض من انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو؟
قررت كل من فنلندا والسويد طي صفحة الماضي وتراجعها عن تبني سياسة عدم الانحياز العسكري، الذي حكم سلوك البلدين منذ عقود طويلة، بعد قرارهما الانضمام لحلف الناتو. عملت فنلندا بسياسة عدم الانحياز منذ أكثر من ٧٥ عاماً، بعدما التزمت بذلك للاتحاد السوفيتي عام ١٩٤٨ الذي لم يضمها لأراضيه، بينما امتدت سياسة السويد بالعمل بتلك السياسة منذ القرن التاسع عشر، حيث لم يخض هذا البلد أي حرب منذ العام ١٨١٤، والتزم رسمياً بسياسة الحياد مع نهاية حروب نابليون، ولم تشارك في الحربين العالميتين في النصف الأول من القرن الماضي. وخصص البلدان ميزانية عسكرية كبيرة، خلال الحرب الباردة، في ظل موقعهما خارج التحالفين الشرقي والغربي، انخفضت بشكل ملحوظ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ولم يكن البلدان بعيدان عن السياسة الغربية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فابرم البلدان منذ تسعينيات القرن الماضي اتفاقيات شراكة مع حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وشاركا في مهمات الحلف في البلقان وأفغانستان والعراق، كما شاركت السويد مؤخراً في مالي أيضاً، الا أن الحرب الأوكرانية الروسية الأخيرة شكلت الانعطافة الحادة في قرار البلدين نحو الغرب. وكانت ميزانية البلدين العسكرية قد عاودت ارتفاعها بعد توجه روسيا لضم شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، كما ارتفعت نسبة التأييد الشعبي في شوارع البلدين للانضمام إلى حلف الناتو، في أعقاب التدخل العسكري الروسي الأخير في أوكروانيا.
ورغم اعتبار فلاديمير بوتين أن انضمام فنلندا والسويد لا يشكل تهديد مباشر لروسيا، الا أنه اعتبر أن روسيا سترد على عمليات الانتشار العسكري لحلف الناتو على حدودها. وجاء الحديث في روسيا عن أن توسيع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو في هذين البلدين سيستدعي إمكانية حدوث رد عسكري تقني، والذي يأتي في إطار تفعيل جبهة الردع الروسية الغربية، لمواجهة هذا التحول العسكري المفترض، وكذلك في إطار الإشارة إلى نشر صورايخ نووية روسية في بحر البلطيق. ويفعل دخول فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، العمل بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي تعتبر أن أي هجوم على أحد أعضاء الحلف هجوم على جميع الأعضاء، الامر الذي يتطلب تفعيل نظام الامن الجماعي لردع المعتدي. كما يفترض دخول كل من فنلندا والسويد للحلف إمكانية زرع لقواعد عسكرية في هذين البلدين، واقتراب القوة العسكرية للحلف من الحدود الغربية لروسيا، وهو الأمر الذي يفسر تحذيرات روسيا للبلدين بأنهما سيكونان على خط جبهة الناتو. بانضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، سيصبح على حدود روسيا سبع دول من حلف الناتو بدل خمس، وتتشارك الحدود حاليا مع روسيا خمسة دول أعضاء في حلف الناتو هي: استونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا والنرويج بحوالي ١٢٠٠ كيلو متر. وستتضاعف مساحة هذه الحدود بانضمام فنلندا، التي تتشارك وحدها مع روسيا بحوالي ١٣٠٠ كيلو متر. كما سيشكل انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الحلف سيطرته على بحر البلطيق، باستثناء منطقة المياة الروسية المحيطة بـ سان بطرسبرغ، حيث تمتلك روسيا أسطول بحري كبير فيها.
هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها دولة عضو في حلف الناتو بتعطيل قبول عضو جديد فيه، خصوصاً وأن نظام الحلف يشترط موافقة الأعضاء الثلاثين بالاجماع، كما أن تركيا بشكل محدد قد استخدمت الفيتو أكثر من مرة لتعطيل تمرير قرارات للحلف، وحققت مكاسب في سبيل تراجعها. وترفض تركيا دعم قرار طلب العضوية من قبل فنلندا والسويد في حلف الناتو، معتبرة أن منح فنلندا والسويد العضوية في الحلف سيمنح البلدين قوة ومكانة أكبر مقارنة بها، في ظل رفض الاتحاد الأوروبي انضمامها اليه منذ سنوات. وتستشهد تركيا بالضرر الذي وقع عليها بعدما وافقت على دخول اليونان للحلف، اذ يعتبر ذلك اليوم في غير صالحها في ظل النفوذ السياسي والدبلوماسي لليونان وقبرص في اطار الاتحاد الأوروبي على حسابها، خصوصاً في الصراع الدائر معها على مصادر الطاقة في حوض البحر المتوسط. وتتهم تركيا كل من فنلندا والسويد بأنهما يدعما شخصيات معارضة تنتمي إلى حزب العمل الكردستاني، والذي تصنفه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بـ "الإرهاب"، ويخوض تمرد مسلح ضد تركيا منذ العام ١٩٨٤، كما أن البلدين تدعمان أنصار رجل الدين التركي المعارض فتح الله كولن المقيم في المنفى في الولايات المتحدة، الذي تتهمه تركيا بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة عام ٢٠١٦، وتقدم البلدان لهؤلاء الأشخاص ملاذ آمن في بلادهما، وترفض على مدار السنوات الخمسة الماضية طلبت تركي بتسليم ٣٣ شخص معارض للحكومة التركية.
وتطالب تركيا السويد بوقف دعمها وتحالفها مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تتحالف مع والولايات المتحدة ودول غربية أخرى من ناحية، وتشتبك مع تركيا في سوريا من ناحية أخرى. وتعتبر السويد ملاذاً للمنشقين الاتراك منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتضع الدفاع عن حقوق الانسان في مرتبة متقدمة في سياستها الخارجية، كما أن هناك تعاطف سويدي شعبي مع قضايا حقوق الانسان عموماً، ومع قضية الأكراد بشكل خاص، وقد يكون من الصعب تقديم تنازلات ذات مغزي في هذا الملف من قبل كل من السويد وتركيا، خصوصاً في ظل اقتراب موعد الانتخابات في البلدين. إن ذلك يفسر تصريحات تركيا التي تميل إلى اغلاق باب القبول في حلف الناتو المتوقف على قبولها في وجه السويد، بينما تتركه موارباً أمام فنلندا. وتطالب تركيا البلدين بالغاء العقوبات العسكرية عنها، والتي جاءت في اطار تلك العقوبات التي فرضتها الدول الأوروبية على تركيا منذ العام ٢٠١٩، بعد هجومها على وحدات حماية الشعب الكردي في شمال شرق سوريا، وهو الحظر الغربي الذي تراجعت عنه بريطانيا العام الماضي.
ورغم أن جميع هذه المطالبات التركية، والتي تعد حيوية وجوهرية في صالح أنقره، وتلبيتها لا يعد بالأمر السهل من قبل كل من فنلندا والسويد، خصوصاً تلك التي تتعلق بقضايا حقوق الانسان، إلا أن هناك حقائق لابد من التأكيد عليها، لأنه من شأنها المساعدة أيضاً في تفسير موقف تركيا تجاه قبول انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو. فعلى الرغم من محاولات اوردغان اظهار سياسة متوازنة في الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، فيعارض التدخل الروسي في أوكرانيا من ناحية بينما يرفض مجاراة الولايات المتحدة والدول الأوروبية في عقوباتها تجاه روسيا، الا أن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتفاهمات اللافتة في العديد من الجبهات المفتوحة في العديد من المناطق، والتي بدأت منذ العام ٢٠١٥، وشكلت ملاذاً لتركيا لمواجهة انحياز القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضدها، خصوصاً في المجال العسكري، ويتضح ذلك بجلاء في مقال سابق بعنوان "تركيا والعقوبات الأمريكية الأوروبية"، قد تجعلنا ننظر إلى رفض تركيا قبول فنلندا والسويد ضمن اعتبارات أخرى غير مجرد تحقيق مصالح تركيا فقط.