- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
د. سنية الحسيني تكتب: هل تتجه إسرائيل لإشعال حرب واسعة مع لبنان؟
د. سنية الحسيني تكتب: هل تتجه إسرائيل لإشعال حرب واسعة مع لبنان؟
- 5 يوليو 2024, 10:49:05 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يطلق على احتمال حدوث مثل هذه الحرب "سيناريو يوم القيامة"، فشكل وتطورات وتوابع هذه الحرب المتوقعة بين إسرائيل ولبنان، قد تخلق معها كوارث إنسانية كبيرة، شبيهة بتلك التي أحدثتها إسرائيل في غزة، عندما حولت مرافقها وأبنيتها لركام وحياة سكانها لكابوس دموى مريع. وترجح العديد من المعطيات حتى الآن إمكانية حدوث مثل ذلك السيناريو المعقد في لبنان، رغم ما قد يصيب المنطقة من جرائه من دمار كبير، في حال عدم الإتفاق بين حزب الله وإسرائيل. وقد يكون المفتاح الذي يرجح الوصول لمثل ذلك السيناريو بيد إسرائيل بشكل أساس، وحزب الله على مستوى أقل، وهو ما تؤكده الشواهد والأسباب، فهل نحن أمام إمكانية تحقق سيناريو يوم القيامة؟
إن البحث في مدى امكانية حدوث مثل هذه الحرب المدمرة يحتاج للاجابة على ثلاثة أسئلة جوهرية، الأول يرتبط بمدى وحدود إرهاق الجيش الاسرائيلي نتيجة عدوانه المتواصل على غزة على مدار تسعة أشهر، ومدى إمكانية أن يعيق ذلك الذهاب لحرب قريبة مع حزب الله؟ والسؤال الثاني يتعلق بمدى امكانية تأثر إسرائيل برسائل الردع التي أرسلها حزب الله خلال الأيام الأخيرة، والمتمثلة بقدراته العالية على التدمير، وعدم نيته التواني في استخدامها في حال نشبت حرب كبيرة مع إسرائيل بهدف إبعاد شبح حرب مدمرة عن لبنان، بعد التصعيد المتسارع على تلك الجبهة. ويدور السؤال الثالث حول الولايات المتحدة، وحدود قدرتها في منع نشوب مثل تلك الحرب، والتي لم تخف عدم رغبتها بحدوثها.
وقد يكون من المفيد أن نبدأ بالاجابة عن السؤال الثالث، والذي أثبتته التجارب الماضية، وتصريحات المبعوث الأميركي للبنان الأخيرة، والتي تتمثل في عدم قدرة الولايات المتحدة على ترك إسرائيل وحدها، في أي حرب تنوي الثانية خوضها، حتى وإن لم تكن برغبة أميركية أو تخدم مصالحها. وقد يكون موقف نتنياهو الأخير المنتقد علناً لسياسة إدارة بايدن مع إسرائيل، رغم كل الدعم والاحتضان الذي قدمته لإسرائيل، في ظل هذه الأشهر الحساسة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، وتأييده العلني للمرشح الجمهوري المنافس ترامب، يرجح نيته الذهاب نحو حرب مع لبنان، تريد إسرائيل أن تضمن فيها دعم الولايات المتحدة دون قيود أو شروط.
وفي اطار الإجابة عن السؤال الأول والمتعلق بتعطيل إرهاق الجيش الاسرائيلي الذهاب إلى حرب مع لبنان، نتيجة ما لحق به من استمرار الحرب مع غزة منذ تسعة شهور، وعدم إنكار قيادات في الجيش الاسرائيلي ذلك الإرهاق الذي لحق بالجيش، حيث يؤكد قادة ذلك الجيش على ضرورة عدم التورّط في حرب شاملة مع حزب الله، طالما بقيت جبهة قطاع غزّة مفتوحة. وقد يكون إعلان الاحتلال عن الإنتقال للمرحلة الثالثة من القتال في غزة، والتي تقوم على أساس استخدام قوات برية أقل في المعركة، وتمركزها في مواقع محددة، والقيام بعمليات قصف ومداهمة حسب الحاجة، مع ترك القطاع في حالة استنزاف، سيجعل إسرائيل قادرة على حشد ما تتطلبه عملية عسكرية في لبنان، حيث تقدر القيادة الإسرائيلية أن وتيرة الحرب في غزة ستنخفض نسبيًّا خلال الأسابيع القليلة القادمة، الأمر الذي سيسمح بمباشرة عملية أكبر في لبنان خلال شهر آب أو أيلول القادمين، بما يعد إشارة ضمنية للاستعداد لفتح جبهة لبنان. يأتي ذلك مصاحباً للالتزام الأميركي بدعم إسرائيل عسكرياً ومالياً دون حدود، والالتزام الذي لا يسمح بهزيمتها.
وهناك تصريحات رسمية تشير لنية قيادة الاحتلال بالذهاب لحرب مع حزب الله، فقد تم الإعلان عن تصديق قائد المنطقة الشمالية ورئيس شعبة العمليات في الثامن عشر من الشهر الماضي على خطط عملياتية للهجومٍ على لبنان، كما اتّخذا قرارات لتسريع جاهزية الجيش. وأعلن عن ذات التوجه رئيس أركان الحيش، بعد أيام من ذلك. وقد يكون أهم تلك التصريحات ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه يستعد لعملية ضد لبنان بعد أن يستكمل المعركة في رفح.
إن اتفاقًا كاملًا ووقفًا نهائيًّا لإطلاق النار في غزة لا يزال بعيدًا، رغم المناورة التي يستخدمها نتنياهو حالياً، باعلانه إعادة التفاوض مع حماس، والتي تأتي في إطار استعداده لزيارة مرتقبة لواشنطن بعد ثلاثة أسابيع. فطالما لم تحقق الحرب أهدافها المعلنة في غزة، حسب تصريحات نتنياهو، وعلى رأسها القضاء على حماس، والتي أصر على استكمالها في تحد عنيد، وعلى حساب المحتجزين الإسرائيليين في غزة، ورغم أنف الولايات المتحدة والشارع الإسرائيلي المطالب بصفقة تبادل، يعني أن حالة الاستنزاف في القطاع مستمرة، والتي قد تكون بحد ذاتها هدفاً ضمنياً لهذه الحرب، خصوصاً إذا تم ربطه بسياسات الاحتلال الحالية في الضفة الغربية.
إن عدم وقف الحرب في غزة بشكل كامل، ومواصلتها بشروط أسهل لجيش الاحتلال خلال المرحلة الثالثة، يضمن استمرار حالة الاستنزاف في غزة، وتحقيق أهداف هذه الحكومة من حربها ضد الشعب الفسطيني بشكل عام، والتي بدأتها قبل حرب غزة، في الضفة الغربية، بتصعيد الاستيطان، وبتقويض مكانة واستمرار السلطة الفلسطينية، والآن في حربها أيضا على غزة، وذلك لإرساء أوضاع جديدة في الضفة وغزة، لم يخفها قادة حكومة نتنياهو.
قد تقدم حرب واسعة رادعة لحزب الله مخرجاً سياسياً مهمها لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خصوصا في ظل الاضطراب الداخلي بعد اصدار محكمة العدل العليا قرار بتجنيد المتدنيين في الجيش، وتوجه الكنيست بعد عطلته لاقرار قانون لينظم عدم تجنيدهم، في ظل خلافات داخله حول إقراره. تلك الصراعات الداخلية والانقسام المجتمعي في إسرائيل بين اليمين واليسار حول الإصلاح القضائي المثير للجدل، والذي بدأ مع صعود حكومة نتنياهو اليمينية، وكانت حرب غزة سبباً في تجميده، وقد تكون حرب جديدة في لبنان مخرجاً جديداً لتجميد ذلك الصراع الداخلي الذي عاد للواجه مع معضلة تجنيد المتدينين المستمرة منذ عقود، وضمانة لاستمرار بقاء حكومته اليمينية، وتأجيل محاكمته لشهور أطول.
وقد تأتي إجابة السؤال الثاني بين ثنايا ما أكد عليه المبعوث الرئاسي الأميركي، آموس هوكشتاين، خلال زيارته للبنان مطلع النصف الثاني من الشهر الماضي، حيث أكد أن الإسرائيليين يتحضرون فعلًا لحرب مع لبنان، واضعاً شرطاً لعدم الوصول لحالة الحرب، لا يطالب حزب الله بوقف القتال، وإنما يربط ذلك بانسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، خصوصاً وأن ذلك يرتبط بعودة عشرات آلاف من المستوطنين اليهود للقرى الخالية اليوم على الحدود، وهو ما قد يكون الشرط المحدد لعدم خوض إسرائيل حرب قادمة مع لبنان، إلا أن تحقيقه قد لا يمنع حدوث تلك الحرب، إن كانت في نية نتنياهو.
كان واضح من بداية الحرب، وتوجه حزب الله لتأجيج الجبهة الجنوبية مع إسرائيل، كجبهة مساندة لحماس واستنزاف وتشتيت لقدرات جيش الاحتلال في غزة، أن إسرائيل لم ترغب بفتح جبهة حرب واسعة مع الحزب، لحين الانتهاء من غزة. إلا أن تصاعد القتال المضبوط في الشمال، وفتح الاحتلال لحدود ذلك التصعيد، كشف تدريجياً عن مستوى تطور الترسانة التي تراكمها حزب الله، والتي باتت إسرائيل تعتبرها كاسرة للتوازن، وتكبدها خسائر فادحة. يأتي ذلك في ظل الاتهامات التي تتراشقها قيادة الاحتلال، حول هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، والذي كشف عن قدرات لحركة حماس لم تكن تضعها إسرائيل ضمن حسابتها. إن سعي إسرائيل لاستعادة قوة الردع في المنطقة، حيث تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الحزب أصبح يشكل التهديد العسكري الأخطر على إسرائيل، لا يمكن أن يكتمل بالحرب على غزة دون محاربة حزب الله. إن ذلك قد يفسر قرار إسرائيل بالذهاب لحرب مع حزب الله، والذي يعني عدم الاكتفاء فقط بهزيمة حزب الله، بل وبحاضنته الشعبية، تماماً ما حدث مع حركة حماس في غزة.
اذن نحن أمام أيام معقدة، في ظل قيادة نتنياهو وحكومته المتطرفة، ليس فقط باتجاه احتمال إشتعال جبهة لبنان، والذهاب لحرب مدمرة، قد تفتح الجبهات الإقليمية بشكل أوسع، بل ستبقى الساحة الفلسطينية مفتوحة للتصعيد في الضفة والاستنزاف في غزة. قد تساعد التفاهمات بين الأطراف الفلسطينية المختلفة وفي لبنان لقلب معادلات العدو. إن ما يعيشه الفلسطينيون من عذاب تحت سلطة وعدوان احتلال لم يشهد العالم مثل دمويته وإجرامه، لن يوقف الفلسطينيون عن مواصلة مساعيهم لنيل حريتهم، لكنه يفرض عليهم لتنسيق مواقفهم وسياساتهم فيما بينهم ومع لبنان والدول الصديقة، لتجنب فلسطين ولبنان ودول المنطقة مؤامرات الاحتلال الخبيث ضد المنطقة.