- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د ناصر محمد معروف يكتب: مائدتي إليكم لتستدلوا طريقكم
د ناصر محمد معروف يكتب: مائدتي إليكم لتستدلوا طريقكم
- 14 يناير 2023, 5:02:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الناس يُبْعَثون يوم القيامة عراة، وأسرعهم كسوة في الآخرة أسرعهم مبادرة إلى الله في الدنيا
قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} [الروم: 10]
أولا: تفسير الآية:
قال الإمام الطبري: "(السُّوأَى): يعني الخُلَّة التي هي أسوأ من فعلهم؛ أما في الدنيا، فالبوار والهلاك، وأما في الآخرة فالنار لا يخرجون منها، ولا هم يستعتبون.
ثانيا معاني مصطلحات: (أَسَاءُوا السُّوأَى):
(1) (السوء): هو العيب والإنتقاص، فكل ما ينتقص من الإنسان ويعيبه فهو سوء.
و(السيئة): كل فعل ينتقص العبد فيه من الآخرين سواء بالأفعال أو الأقوال، والذي يفعل النقص والعيب يقال: أساء إلى نفسه.
و(أساءُوا): أي: فعلوا ما هو عيب ونقص
و(السوأى): أي: كما انتقص حقوق الناس فأساء إليهم بانتقاص حقوقهم في الدنيا، فإنه بذلك أساء إلى نفسه، بحيث عادت هذا الإساءة إليه، إما في الدنيا، بأن يكشف الله سره ويفضحه، وإما في الآخرة بأن يفضحه الله على رؤوس الأشهاد، فينادي المنادي (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين)البخاري.
(2) (السوءة): هي: العورة، و(العورة) هي الكشف، وهي عكس (السَّتر) قال تعالى: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الاحزاب:58]، والعورة تشمل كل ما يُنقِص ويحقِّر من الإنسان إذا انكشف، سواء كان ذلك من بدنه أو من أسرار حياته الخاصة، أو من ماله وما يملك، أو من علاقته بأهل بيته.
قال ابن الأثير: (السوأة): في الأصل الفَرْج، ثم نُقِل إلى كل ما يُستحيا منه إذا ظهر وبدا، من قول وفعل.
ثالثا: الإنسان خُلق عُريانا ولباسه بعمله:
قال تعالى: {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121]
(1) خلق الله الإنسان وأسكنه الجنة وكساه بستره، فلما عصى أصبح لا يستحق ستر الله، فأهبطه الله إلى الأرض، وأعطاه اللباس والمال، وطلب منه العمل، فقال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123].
(2) يولد الإنسان في الدنيا عُريانا، فيكسوه أهله، ويبدأ يعمل ليكسو نفسه، ويختار أجمل الثياب، وبعمله الدنيوي، لذلك
رابعا: الإنسان يُبْعَث يوم القيامة عريانا:
قال النبي ﷺ: [يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً] متفق عليه، حفاة: لا حذاء لهم عراة: لا لباس لهم ، غرلا: لا ختان لهم.
(1) كما وُلد الإنسان وجاء إلى الدنيا عريانا لا يملك شيئا، فإنه يبعث يوم القيامة عريانا لا يملك شيئا.
(2) إذا كان بمقدور الإنسان أن يكسو نفسه ويغطي سوأته في الدنيا بالقماش والحرير، فإنه لن يملك ذلك في الآخرة.
(3) إن أكثر ما يعيب الإنسان ويُحَقِره في الدنيا هو أن تُكْشَف عورته فيراها الناس، وكذلك لا يحب العبد أن تكشف عيوب أهله وبيته، ويحب دائما أن يكون ذلك مستورا.
(4) أعراف الآخرة قائمة على أعراف الدنيا، فأصعب الخزي خزي الآخرة، فخزي الدنيا زائل، وخزي الآخرة باقي.
(5) إن أكبر العار أن تكون عريانا عطشانا وفوق ذلك أن لا تجد إلا من يهينك، فلا أنت قادر على تغطية عورتك، ولا أنت قادر على أن تنزل حملك، ولا أنت قادر أن ترد عنك اعتداءً، لذلك قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آلعمران:30].
خامسا: الناس يُكْسَوْن بتقواهم وقرباتهم في الدنيا:
(أ) أسرع الناس كسوة يوم القيامة الأنبياء:
قال النبي ﷺ: (أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله يوم القيامة حفاةً عراةً غُرْلاً، وأول الناس يُكْسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام) مسلم ، والحديث واضح في كسوة إبراهيم وإن سبب سبقه في الكسوة إنما هو وفاؤه مع الله سبحانه الذي مدحه فقال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37]
وعن جابر أن (أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم خليل الله ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم النبيون والرسل عليهم السلام، ثم يكسى المؤذنون).
(ب) إن كسوة العباد يوم القيامة تكون حسب أعمالهم:
(1) المسيئون في الدنيا تكشف سوءاتهم ولا يُكْسَون:
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46]، أي: فعلى نفسه، حيث إن النقص والعيب الذي انتقص العباد به وأعابهم في الدنيا، يعود عليه في الأخرة، {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 42، 43]، فهم ظنوا أنهم بإساءتهم إلى العباد في الدنيا، (من غش وخداع واعتداء وغيبة ونميمة واستهزاء وسخرية وتكبر)، إنما لأن هؤلاء أقل منهم وأنقص ، وأنهم هم الأقدر والأوعى، وما عرفوا أن كل هذا الانتقاص إنما قدّم هؤلاء وأخّرهم هم، فهم كانوا ينتقصون من نفوسهم وهم يسيئون إلى غيرهم، {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 103].
(2) المؤمنون يُكْسون حسب تقواهم:
قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، وهنا نجد أن الله يمنُّ على عباده بأنه أعطاهم هذا اللباس والمال في الدنيا، ويبين أن هذا اللباس الدنيوي فانٍ، وأن التقوى هي اللباس الحقيقي الذي نكتسي به في الدنيا؛ فبستر الله به عوراتنا فنعيش دون أن يُكْشف حسبُنا وعوراتنا، ماديا ومعنويا.
والتقوى أيضا هي: اللباس الذي يكسونا الله بها في الآخرة، فهناك لا لباس إلا لمن اتقى ربه فعمل في الدنيا ما أمر الله به، وانتهى عما نهاه الله عنه قال تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر: 24]، والمؤمن لا ينتقص من حق أخيه شيئا، بل يعطيه ما يكمله كما يلي:
• قال النبي ﷺ: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ، إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). الترغيب والترهيب: حسن.
• قال النبي ﷺ: (أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمن على عري كساه الله من خضر الجنة). الترمذي
• قال النبي ﷺ: (من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها) الترمذي حسن
• وروى أحمد في الزهد عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا وأعطش ما كانوا وأعرى ما كانوا ، فمن أطعم لله عز وجل أطعمه الله عز وجل ، ومن كسا لله عز وجل كساه الله عز وجل ، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله عز وجل ، ومن كان في رضا الله كان الله عز وجل على رضاه أقدر.