- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
رسل جمال تكتب: قصة الحسين
كل المصائب تبدأ كبيرة وتعصرها الأيام حتى تصغر، فلا يمكن لحدث إنساني أن يحتفظ بحرارته وعنفوانه لمدة طويلة، والدليل إن حوداث التاريخ الجسيمة والشواهد الكثيرة لن تصمد أمام عوامل التعرية للدهر والسنون.
إلا قضية الإمام الحسين (عليه السلام) ظلت عصية على الزمن فكلما تمر السنين القضية تنغرس أكثر وتضرب في أعماق ووجدان الأمة، ويكثر المريدين لها من كل أصقاع الأرض.
انتهت الزيارة الأربعينية للإمام الحسين (عليه السلام) وأعلنت الجهات الحكومية نجاح خطتها المعدة وأعطت إحصائية بعدد الزوار والبالغ عددهم 21 مليوناً و280 ألفاً و525 زائراً).
وهو عدد مهول تقف كبريات الدول عاجزة عن توفير أبسط الخدمات لهم.
إلا أن الزوار الأجانب والعرب يشهدون بل ويقفون بتعجب وفخر مما يلقونه من كرم الضيافة، وحسن الاستقبال وحجم الترحاب، وتوفر كافة الخدمات لهم التي تشمل المأكل والمشرب والمسكن وباقي الخدمات، التي قد لا تخطر على بال أحد ومقاطع الفديو والنقل الحي لبعض القنوات ولن ننسى دور الإعلام في نشر تلك الصور والملاحم المشرفة، وعلى رأسهم هيئة الإعلام العراقي، التي حرصت منذ البداية على تجنيد كوادرها لنقل الزيارة بأبهى صورة ونقل تلك المشاهد التي لن تراها سوى على أرض كربلاء، والتي تمثل الكرم العراقي بأجمل صورة.
إن المنطق قد يفسر لنا نجاح الخطط الأمنية، ولكنه يبقى حائر عن تفسير نجاح الزيارة الأربعينية وكيف لمدينة صغيرة المساحة أن تبتلع واحد وعشرون مليون إنسان بدون ان يشتكي منهم احد!
هو أشبه بغزو ناعم وزحف يمر بسلاسة، ان الزائرين على اختلاف مشاربهم والوانهم ومذاهبهم الا انهم يشعرون وهم يسيرون جميعا نحو نقطة واحدة ، انهم اخوة حتى لو لم يتكلموا لغة واحدة!
ان الزيارة الاربعينية هي معجزة العصر بلا منازع وهي صرخة السيدة زينب عليها السلام (فوالله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا) .
الصدفة لا مكان لها في قوانين الوجود، لذلك فان أختيار الامام الحسين لكربلاء لم يكن محض صدفة، بل هي تقدير ألهي، لتكون هذه الارض مركزاً للناس ومنار للبشرية.
فالحسين كان يبحث عن ارض تحتضن القضية، ارض خصبة ليزرع فيها ثورته حتى تفور كلما مر عليها الزمن!
يقال ان القضاء على جيل من البشر او امة من الامم فان الامر لا يستغرق اكثر من (15_20) وهو وقت كافي للقضاء على جيل كامل من خلال ضرب معتقده الديني وتفتيت كينونته الاسريه وتسخيف مبادئه التي يؤمن بها وزعزعة ثوابته وهزيمه قدوته وتسطيح افكاره .
وهو بذلك يصبح لقمة سائغة للهجمات الفكرية وعبد لها بل منقاد لها كالقطيع.
وهذا ما يحدث في الامم الميتة التي فقط الاتصال بمعتقدها الديني، او لا تملك قدوة للاعتداد بها.
لذلك فان الزيارة الاربعيينة تعمل كالتيار الكهربائي عالي الفولية في جسد الامة، فهو يعطي شحنة كافية لاعادة برمجة افكارنا ومراجعة مسيرنا في الحياة وخط تقدمنا وتطورنا سنة بعد سنة. ومثل هكذا امة لن تكوت وفيها مثل الحسين .
وفي الختام نقول..
نحن قوم لا نعشق الخرافة ولا نعيش الوهم، كل ما في الامر ان يعقوب عليه السلام شم ريح يوسف فارتد بصيراً، ونحن نشم ريح الحسين فترتد لنا الحياة.