رمضان تونس: تقاليد متوارثة تتحدى الأزمات

profile
  • clock 22 مارس 2023, 3:07:50 ص
  • eye 318
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تطبع خصوصيات كل محافظة تونسية استعدادات مواطنيها لحلول شهر رمضان، بينما يشّكل طلاء المطابخ، وتجديد الأواني، وتجهيز البهارات وغيرها من مستلزمات الأطباق الرئيسية قاسماً مشتركاً بين جميع الأسر، والتي تفرد ميزانية خاصة للشهر الذي تتجاور كلفة الطعام فيه بقية الشهور.
في محافظات الشمال المنتجة للحبوب، تفتتح الأسر الموسم الرمضاني قبل أسابيع من حلول الشهر بإعداد شوربة "الفريك" أو "المخضور"، والمادة الأولية لإعدادها هي القمح أو الشعير الأخضر، وللإعداد تحصد سنابل الشعير أو القمح قبل تمام نضجها، ويتم طرقها بقطعة من الخشب، ثم تصفى، وبعدها يتم شيّها على النار، وتخزن في أكياس صحية إلى حين اقتراب شهر رمضان، ليجري طحن الحبوب في المطاحن التقليدية، وتزال منها الشوائب لتصبح جاهزة للطهي في شكل حساء يطبخ بلحم الضأن أو الدجاج أو السمك.
وتقول كريمة كوكي (48 سنة)، من محافظة باجة (شمال غرب)، إن محافظتها تتحول إلى مزار لكل التونسيين في شهر رمضان، إذ يأتي الناس لاقتناء الأجبان التي تشتهر المدينة بصناعتها، إلى جانب حلويات المخارق الشهيرة، وتعتبر أن "رمضان يصالح أهل مدينتي مع عاداتهم القديمة، إذ تجتهد الأسر في الاستعدادات التي دأبت عليها الجدات، من تجديد المطابخ والأواني، وإعداد بهارات الأطباق الرمضانية، والفواكه الجافة التي تخصص لصنع الحلويات والمعجنات التقليدية".
لكن الاستعداد لشهر رمضان يتجاوز الجوانب المادية، إذ تتهيأ الأسر أيضاً لأداء الفرائض، وتشارك في تهيئة المساجد التي تستقبل المزيد من المصلين، خصوصا في صلاة التراويح، كما يساعد كثير من الأفراد في تنظيف وطلاء وصيانة المساجد، وتظهر مبادرات تنظيم موائد الرحمن لمساعدة الفقراء.
وقبل رمضان بأيام، تشهد الأسواق حركة نشيطة، وتكثر السلع المرتبطة بالصيام، ويحرص التجار على تزيين المحال، وكذلك شوارع الأسواق، بالفوانيس والمصابيح الملونة التي تضفي بهجة على المكان.
يقول عدنان العلاني (37 سنة)، وهو تاجر في سوق النحاس بمحافظة القيروان (وسط)، إن شهر الصيام يخلق حيوية استثنائية في أسواق المدينة، ويستفيد التجار من استعدادات الأسر التي تجهّز الأواني لطبخ الأطباق الرمضانية. "تجديد الأواني النحاسية، أو ما يطلق عليها محلياً (تقصدير النحاس) أحد الطقوس القيروانية الأصيلة، وكل أسر المدينة تعيد تجديد هذه الأواني، كما يتوافد إلى المحافظة آلاف الزوار من أجل تجديد أوانيهم، في ظل اندثار مهنة تجديد النحاس في أغلب المحافظات".

البهارات أحد مستلزمات رمضان الأساسية (ياسين جايدي/الأناضول)

البهارات أحد مستلزمات رمضان الأساسية (ياسين جايدي/الأناضول)

ويعد شهر رمضان موسم الاستهلاك الأهم في تونس، وترتفع فاتورة الإنفاق فيه إلى 1.5 مليار دينار، ما يعني 500 ألف دينار يومياً، وتسجل النفقات زيادة بنسبة 34 في المائة عن المعتاد.
وتعتبر لطيفة القرامي (60 سنة)، أن كبار السن مطالبون بالحرص على نقل عادات الاحتفالات الرمضانية إلى الأجيال الجديدة، بداية من التدريب على الصيام، وصولاً إلى بقية العادات المرتبطة بالشهر الكريم. "هو شهر إحياء السنن، ومن بينها العادات التي تربطنا بتراثنا وثقافتنا، ويتعيّن الحرص عليها، ولو لشهر واحد في السنة. نسق الحياة العصرية يجبر التونسيين على ترك عادات الجدات، فيعيدهم رمضان إليها بحنين جارف، ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير في تطوير الاحتفالات الرمضانية، وإحياء تراث كاد يندثر في بعض الجهات".
وتقول القرامي: "أشتري مثل غالبية نساء تونس الصحون والأواني الجديدة لاستعمالها في الشهر الكريم، واستقباله بحلة جديدة، كما أقوم بتزيين قاعة الجلوس تحضيراً للسهر وللزيارات العائلية التي تمتد حتى الأيام الأولى من عيد الفطر" .
ورغم أن أغلب الدول باتت تعتمد التكنولوجيا الحديثة في رصد هلال الشهور الهجرية، إلا أن التونسيين ما زالوا يواظبون على موعدهم السنوي مع مفتي الديار، والذي يعلن في كلمة رسمية حلول شهر الصيام استنادا إلى نتائج رصد هلال رمضان، ويعد رصد الهلال من التقاليد الراسخة في الموروث الثقافي.

وتسمى الليلة التي تسبق بدء شهر رمضان في تونس "ليلة القرش"، ولدى العائلات عادات خاصة في كل جهة، فالبعض يقوم بتحضير أنواع مختلفة من الحلويات، مثل "الرفيسة" أو "الرشتة الحلوة"، وهي أطباق تتكون من عجائن تقليدية تضاف إليها المكسرات والتمر والزبيب.
كما تعد بعض العائلات في مناطق الشمال "العصيدة" أو "المدموجة" بالسمن والعسل، وهي أطباق حلوة تقدم للضيوف، أو توزع على الفقراء، وتمثل أطباق "ليلة القرش" السحور الأول غب شهر الصوم.
ويؤثر شهر رمضان على السلوك الغذائي للتونسيين، فتصبح الأسر أكثر ميلاً للأطباق التقليدية الدسمة، ويتخلون عن الأكلات الخفيفة، ما يكلفهم نفقات إضافية يحرصون على تأمينها متحدين الوضع المعيشي الصعب في البلاد. ومن أبرز السلوكيات الغذائية المرتبطة برمضان زيادة استهلاك الألبان الطازجة، وارتفاع الاستهلاك الفردي من البيض، في المقابل يتراجع استهلاك الخبز المدعم ليفسح المجال أمام استهلاك أصناف الخبز غير المدعمة.

التعليقات (0)