- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: سنة وشيعة لعراق المستقبل في مواجهة استثمار التاريخ
سامح المحاريق يكتب: سنة وشيعة لعراق المستقبل في مواجهة استثمار التاريخ
- 14 يوليو 2023, 12:30:01 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قدمت دراسات علمية وقراءات كثيرة في سيرة الإمام علي بن أبي طالب، أخذ بعضها نفساً منهجياً، كالذي قدمه طه حسين في كتابه «الفتنة الكبرى» واستطاع أن يميز بين المراجع التي عرضت تاريخاً متوازناً ومنطقياً، والكتابات ذات الطابع السياسي أو التعصب الديني، التي كتبها المغالون في نصرة الإمام أو خصومته، ولكن هذه النوعية من الكتابات الرصينة لا يمكن أن تجد مكاناً في لعبة السياسة، التي كانت طرفاً أصيلاً في تشويه التاريخ والقراءة المنقوصة والمغرضة، التي تحولت إلى جزء من معاناة الشعوب العربية اليوم، وبطريقة يمكن أن تعكسها قصة تنسب إلى المفكر العراقي علي الوردي، الذي شهد جدلاً محتدماً أثناء دراسته بين السنة والشيعة، ليجد زميلاً أمريكياً يسأله، عن علي وعمر، وإذا ما كانا مرشحين رئاسيين في بلاده، ليخبره الوردي أنهما توفيا منذ أربعة عشر قرناً.
عندما لا يستطيع السياسي بناء شرعية تقوم على المنجزات فإنه يسعى لمسخ المواطن العادي في صورة الرجل الذي يجب عليه أن يشتبك مع الماضي ويتناسى مستقبله
تتداعى هذه الأفكار مع الحديث الشعبوي والتحريضي الذي قدمه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، في حفل لحزب الدعوة الإسلامي، يظهر مدى تعويله على مشاعر العداء من أجل استعادة دور سياسي، يبدو أن العراقيين بدأوا في تجاوزه، فيستحضر مقولات مستغربة عن شتم الإمام علي من المسلمين السنة بعد الصلاة لمعظم المرحلة الأموية، وهو ما لا يستقيم بصورة جوهرية مع المكانة التي يحوزها الإمام، والتي بقيت من الأساس جذرية في التفاف المسلمين حول العديد من المشاريع السياسية التي حملت فكرة الانتساب له، وضمنياً، استعادة تراثه. والمسلمون السنة، إذ يعددون الخلفاء بعد النبي، فإنهم يذكرون، أبا بكر وعمر وعثمان، متبعينهم برضي الله عنهم، شأن بقية الصحابة، ويذكرون علياً، مسبوقاً بوصف الإمام، ومتبوعاً، بكرّم الله وجهه، ومهما يكن من أمر حول زمن ظهور هذه الحالة من الإفراد للإمام علي، فإنها هي التي تصلح إلى البناء من أجل مستقبل يقوم على أسس واضحة، لا تتجاوز التراث ولا تلغيه، ولكن تفهمه في سياق عقلاني، ولا تنطلق إلى الحداثة محملة بثارات لا يمكن تحميل تكلفتها للأجيال المقبلة.
كثير من المرجعيات الدينية والقيادات السياسية الشيعية، أخذت على نفسها عدم التورط في هذه المسائل، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي أتى من بيت له شأن في المرجعية الدينية لدى الشيعة، وبعد انعزاله لفترة عن العمل السياسي والعام، أتى ليدعو إلى الحوار الذي يقوم على استبعاد السب والشتم والاستهزاء بالمذاهب أو الأشخاص، بينما يصر المالكي وغيره على النبش في التاريخ لاستخراج مواطن العداء والصراع، من أجل تبرير وجودهم الذي لا يمكن أن يقوم على فكرة أخرى، فهم من أجل المحافظة على مواقعهم، والتجاوزات المرتبطة بها، يحتاجون إلى عدو دائم ووشيك ينفخون في صورته من أجل تأجيل الأسئلة الكبيرة، ومن أهمها وأكثرها جوهرية، كيف لا يستطيع العراق بكل ثرواته الطبيعية والبشرية أن يحتل المكانة الملائمة، وكيف يعيش العراقيون في أزمات كهرباء في بلد يصدر الطاقة للعالم، وإذا كانت الثروات الكبيرة غير مستغلة في البنية التحتية والخدمات، فأين تذهب وما هي أولويات إنفاقها.
اعتلى السياسيون في المذهبين السني والشيعي ظهور مشايخ الدين، الذين وجدوا في فكرة الافتراق المذهبي مصدراً لبناء الجماعة الناجية، بوصفها فكرة مركزية في المحافظة على وحدة التنظيم، على الرغم من كل ما تفعله من تفتيت للمجتمع لتحويله إلى شظايا يصعب بناء أي صورة منتجة من ورائها، بدأت قضية التشويه المتبادل، وتداخل الدين مع التاريخ والسياسة، وانتقلت هذه الفكرة إلى السياسيين الذي أخذوا في منافسة رجال الدين، وبقيت المظلومية هي المرتكن الأساسي لذلك، وهي المظلومية الموزعة على الجميع في صور الفقر المادي والمعنوي الجاثمة على جميع الصدور من غير أن تحفل بأي معتقد تحمله داخلها. وفي وقت لاحق، أصبحت المسافة تتلاشى بين السياسي والشيخ، فالأخير لم يعد يحتاج الشيخ لأن سؤال الافتراق تحول من التاريخ إلى المستقبل، الذي يفترض أنه الساحة التي يعمل فيها السياسي، ولأنه لا يستطيع بناء شرعية تقوم على المنجزات التي يتلمسها المواطن العادي، فإنه يسعى إلى استقاء شرعية من التاريخ، وإلى مسخ المواطن العادي في صورة الرجل القادم من التاريخ، الذي يجب عليه أن يشتبك مع الماضي ويتناسى مستقبله، فكيف يمكن أن يسأل عن توفر دواء في المستشفى وعليه أن يدافع أولاً عن رموزه الدينية التي تتعرض للإهانة والشتم؟ هذه السياسة لا تصنع مواطنين يمكنهم أن يعملوا من أجل بناء نهضة في مجتمعاتهم تمنحهم حياة أفضل، لأنهم يخضعون لهندسة فكرية في دور الضحايا، والضحايا يجب أن يصعدوا إلى المذبح لا أن يستكملوا الطريق. أرعبت هتافات شوارع العراق النبيل «اخوان سنة وشيعة، هذا الوطن ما نبيعه» العديد من السياسيين، وجعلتهم يعودون للدفاتر القديمة، فهي كل ما يملكونه، ولعل حزب الدعوة يلتزم بمسار سياسي أتى في تعبيرات واضحة ومتفهمة لطبيعة الصراع، على لسان رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، أدركت خطورة تعميم الصورة السلبية عن السنة وربطهم بالنظام السابق، والتعامل معهم بنفس انتقامي، للأسف ساحته التاريخ الذي يجب أن يبقى تاريخاً مفتوحاً لغايات تجنب أخطائه، خاصة أن نتائجها تظهر حولنا بوضوح، وليس من أجل إعادة إنتاجه لاستعادة النتائج نفسها مراراً وتكراراً.
إن أفضل ما يفعله السياسي، والمسألة التي تظهر ذكاءه، هي معرفته أن دوره انتهى ولم يعد صالحاً للمستقبل والاستسلام لذلك، وقليلون يعترفون بذلك، ويصرون على الإبحار في نشوة السلطة والظهور والنفوذ مهما كان الثمن، ولا يبدو المالكي واحداً من هذه الفئة.
كاتب أردني