- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: في ضرورة السلطة الوطنية الفلسطينية
سامح المحاريق يكتب: في ضرورة السلطة الوطنية الفلسطينية
- 28 يوليو 2023, 12:27:37 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بافتراض أن السلطة الوطنية الفلسطينية هي وجبة باهتة وغير مشبعة وغير مغذية، فذلك لا ينفي أنها الوجبة الوحيدة المتاحة على مائدة الفلسطينيين في هذه المرحلة، وواقعياً، وبالنسبة لمتابعي الوضع الفلسطيني ممن يجهلون واقع الحياة اليومية، ولا يدركون ما الذي يجري وراء الأبواب المغلقة، في بيوت متواضعة تريد من الحياة الكرامة والستر. المتابعون المزايدون والمنظرون وجنرالات المقاهي، ودعوات العشاء المتقشفة، أو العامرة في هذا البلد، أو ذلك، والباحثون عن تثوير يتابعونه تلفزيونياً ليشبعهم عاطفياً وهم يقضون وقتهم في بلدان آمنة بنسبة أو أخرى، وفي وظائف مستقرة إلى حد ما، وفي سياق خطط حياة تحمل شيئاً من الوضوح، لا تعني شيئاً بالنسبة للفلسطيني اليومي الذي يعايش ظرفاً تاريخياً معقداً ومرتبكاً.
لم يعد كثيرون يتحرجون من مناقشة سؤال ما الذي سيحدث بعد الرئيس محمود عباس، المسألة لم تعد خفية، وربما توجد معلومات استخباراتية طبية تؤكدها وتدفع مستقبل السلطة ليكون موضوعاً ساخناً، وربما مسألة الخلافة التي تحرك الرجال المحتملين حول الرئيس، هي التي تدفع بالموضوع إلى الطاولة، أي طاولة، أمريكية أو إسرائيلية، أو طاولات عربية كثيرة.
الدول العربية، وبصورة عقلانية، مطالبة بدعم السلطة الوطنية، والتوافق على حلول للمرحلة المقبلة، والاكتفاء بمتابعة المجريات وانتظار لحظة الحقيقة، كما جرت العادة
الفلسطينيون ليسوا كتلة مصمتة، هذه خدعة اخترعها الإعلام والأجهزة الثقافية، وغذتها الدراما، لتختزلهم في صورة دور تعويضي عن حالة عربية غير متفاعلة ومنمطة ومقموعة، ووراء هذه الصورة تغيبت حقيقة بسيطة للغاية، ومن فرط بساطتها لا يكاد أحد يصدقها، وهذه الحقيقة أنهم شعب عربي مثل بقية الشعوب العربية، منهم الشخصيات النبيلة والبطولية، ومنهم الفاسدون والسماسرة، ومعظمهم أشخاص عاديون يحلمون بحياة متواضعة وآمنة، يريدون الدراسة والزواج ووظيفة مجزية بعض الشيء، ويحلمون بقضاء بعض الوقت على الشاطئ، ويفرحون بجهاز هاتف جديد… والسلطة الوطنية ذاتها تمثيل واقعي للشعب الفلسطيني، ليست التمثيل الأفضل، ولكنها التمثيل الوحيد المتاح، وفي داخلها، أطياف كثيرة، تتشابه مع أطياف الشعب الفلسطيني، وربما تكون السلطة، ومع ادعاء الوعي بأثر رجعي، وبعد تتابع تكشف الحقائق، ليست الخيار الأفضل، ولكن هذا الحكم، يعكس تجاهلاً للواقع العربي، وطبيعة الاستغلال الذي مارسته بعض الأنظمة العربية على الثورة، أو ما تبقى من الثورة الفلسطينية، عندما وظفت الأجنحة المختلفة للصراع نيابة عن طموحاتها وأحلامها، ففي مرحلة ما، كان الرئيس الليبي معمر القذافي يتدخل بصورة منفرة متلاعباً ببعض الفصائل، وصولاً إلى الأفق الضيق مع طرد آلاف الفلسطينيين إلى الصحراء بعد اتفاقية أوسلو. في صحيفة «الغد» الأردنية يكتب الزميل ماهر أبو طير مقالاً بعنوان «سيناريو الرئيس الأخير» يعبر عن مخاوف جدية من التهام الضفة الغربية في حالة رحيل الرئيس الفلسطيني، ويصل إلى نتيجة الفخ الذي فعلته اتفاقية أوسلو باستدراج الفلسطينيين إلى الحكم الذاتي، وبعد ذلك إعلان فشلهم في ذلك تحت الدعاوى الأمنية والإفشال المتعمد للسلطة لتتم عملية استحواذ جديدة. الاستحواذ الجديد على قدر كبير من الخطورة، وفكرة شيطانية بالكامل، فالفلسطينيون الذين دفعوا بخبرتهم التاريخية في المقاومة والثورة في تجربة الحكم الذاتي على أساس البرنامج المرحلي، الذي تبنوه في السبعينيات، خسروا مواقعهم في الساحة العالمية لمصلحة التركيز على نواة صلبة في الداخل الفلسطيني، ومع تمركز فعاليتهم في السلطة واستهلاكها بالكامل في المشاكل المصطنعة، وهندسة التنغيص الإسرائيلية، وفي هذه الحالة لن يجد الفلسطينيون، ولسنوات وربما أجيال، الفرصة من أجل استعادة الكينونة، وسيدخلون في عملية اجترار أسطوري تضعهم في تشويه متعمد يجعلهم يهوداً مستقبليين، أي جماعات منبوذة جاهزة لتحمل أي فشل أو تقصير أينما حلوا أو ارتحلوا، ويفقدون الحائط الاستنادي الذي يرتكنون له، ولو كان مائلاً وآيلاً للانهيار، يبقى حائطاً يحمل صفةً وعنواناً. تعمل الصهيونية على تخليص المهاجرين اليهود من تاريخية الذلة والمسكنة، ولا تجد سوى الفلسطيني لتلقي على أكتافه هذه العباءة، ولنعد إلى التوزيع الطبيعي للفلسطينيين بعد أن نعتبرهم، ونتنازل عن غريزة المزايدة، شعباً طبيعياً، فالبعض سيرفض هذه العباءة بنبل وأخلاق بطولية، والبعض سيندفع ليلتقطها ويتغطى بها، والأغلبية، ستدفع الثمن من حياتها وكرامتها ومستقبلها. الدول العربية، وبصورة عقلانية، مطالبة بدعم السلطة الوطنية، والتحرك بصورة إيجابية، والتوافق على حلول للمرحلة المقبلة، والاكتفاء بمتابعة المجريات وانتظار لحظة الحقيقة، كما جرت العادة، ومن غير أي تحرك استباقي، ليس مجدياً، ولكنه ظرف يساعد الجانب الإسرائيلي على إتمام مخططاته وابتلاع الضفة الغربية للحصول على جنة المستوطنات، التي تخلص إسرائيل نفسها من بعض الفوائض البشرية غير القادرة على الاندماج في المشروع الحداثي، المتسلق على أكتاف الثورة الصناعية الرابعة، ويصبح الفلسطينيون عرضةً للاستباحة المستمرة تحت ظروف طاردة سكانياً ليتحولوا إلى مشكلة الآخرين، أي آخرين، ليس مهماً، وفقط ستسعى إسرائيل للاحتفاظ ببعض القوى العاملة سهلة الاستدعاء وغير المكلفة.
في هذه اللحظة، من الحكمة أن نتجاوز الآراء الشخصية والتباين في وجهات النظر، فالأسابيع أو الأشهر، أو ربما الأعوام المقبلة ستشهد صراعاً محدداً وواضحاً ليس من المقبول خسارته أمام ادعاءات كبيرة أو أخطاء صغيرة.
كاتب أردني