- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: وهل يوجد شعب فلسطيني؟
سامح المحاريق يكتب: وهل يوجد شعب فلسطيني؟
- 24 مارس 2023, 3:06:28 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أثارت تصريحات وتصرفات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ردود أفعال، ربما تعتبر غير مسبوقة، للدرجة التي دفعت الأمريكيين والفرنسيين إلى الاستنكار بنبرة لم تعهدها إسرائيل مسبقاً، ومن ذلك وصفها من قبل المتحدث عن الخارجية الأمريكية بالمهينة والخطرة، بخصوص إنكاره لوجود الشعب الفلسطيني، واعتباره اختراعاً وهمياً يعود لمئة سنة فقط، أما في جانب التصرفات، فكانت الخريطة التي وضعها سموتريتش على المنصة، التي تحدث منها، وحملت خريطة (إسرائيل) لتشمل الأراضي المحتلة في فلسطين، بالإضافة إلى المملكة الأردنية الهاشمية.
الوحش الذي صنعته السياسة الإسرائيلية من سكان المستوطنات وثقافتهم العدوانية الخاصة، وتوظيفهم من أجل إفشال أي أرضية للحديث عن مبدأ الأرض مقابل السلام، يتحرك اليوم بصورة مزرية تتناسب مع خلفياته وتربيته العقائدية، التي تحفل بمشاهد الإبادة الجماعية في العهد القديم، والوطنية التي ترى مجازر مثل دير ياسين وكفر قاسم، علامات على طريق تأسيس الدولة في إسرائيل، ولا ينظر سكان المستوطنات بإيجابية حتى لمن يسكنون المدن في المجتمع الإسرائيلي، فيرونهم مائعين وغير مسؤولين ومجردين من الرسالة الخالدة التي يحملونها، ويبقون متصلين بحبلها السري، رسالة التوسع في الأرض، لأن المستوطنة بطبيعتها هي رقعة صغيرة على أرض تعتبر معادية، ولتحقيق الأمن يجب أن تتوسع المستوطنة، لتصبح هي القاعدة، ومن أجل ذلك، يجب إفناء الآخر، أو على الأقل، ترحيله ليتحقق الأمن ويحل مكان مشاعر التهديد المتواصلة التي تعتبر جزءاً من شخصية قاطني المستوطنات.
الوحش الذي صنعته السياسة الإسرائيلية من سكان المستوطنات يتحرك اليوم بصورة مزرية تتناسب مع خلفياته وتربيته العقائدية، التي تحفل بمشاهد الإبادة الجماعية
ولكن، هل الشعب الفلسطيني هو اختراع وهمي، كما ذهب الوزير الإسرائيلي؟ الأمر من ناحيتين لا يخلو من وجهة نظر، فالفلسطينيون مثل غيرهم من الشعوب هم نتاج لعملية حداثة واسعة في مختلف أنحاء العالم، وكثير من الشعوب التي شكلتها الدولة القومية تعتبر شعوباً مخترعة، البلجيكيون والسويسريون والأتراك والأرجنتينيون، والأمريكيون أيضاً، أما الشعوب التي يمكن أن تعتبر عضوية فتقوم على أرضية عرقية وثقافية سابقة على فكرة الدولة الحديثة، فيمكن أن يندرج تحتها الفرنسيون (الفرنجة) والألمان (الجرمان) والصينيون والفرس، والعرب أيضاً، الذين يعتبر الفلسطينيون نتاجاً لمرحلة حداثتهم المضطربة والمتعجلة مثل غيرهم من الشعوب العربية، خاصة في المناطق التي تبعت للإمبراطورية العثمانية. المشكلة التي يتجاهلها الوزير الإسرائيلي عند توظيفه لوصف المخترع، هي أن الشعب الإسرائيلي هو شعب ملفق، خارج الحداثة وضدها، وخارج التاريخ ومنطقه، ونقيضاً للجغرافيا وشروطها، بمعنى أنه يقوم على فجوات تاريخية واسعة، ويحمل فشلاً في الاندماج لأدائه أدواراً وظيفية في مجتمعات كان يعيش فيها لتمسكه بردته التاريخية التي تجاوزها كثير من الشعوب، ومنهم الشعب الفلسطيني في مرحلة سابقة على وجود فكرة تأسيس دولة لليهود كانت تتوزع بين مشروعات في الأرجنتين وأوغندا ومدغشقر، بمعنى أسبقية فكرة التخلص الأوروبي من هذه الكتلة الظلامية في رؤيتها لذاتها، على مشروع الاستعمار باختيار فلسطين لتؤدي دورها في حماية المصالح الأوروبية في منطقة متاخمة لعقدة التجارة والتداول في العالم، قناة السويس. الفلسطينيون الذين تم اختراعهم، يملكون تاريخاً مشتركاً، وتقاليد متشابهة، ويتحدثون لغة قديمة مقابل العبرية الحديثة، التي لفقت من لغات استخدمها اليهود للتخلص من اليديشية واللهجات المتأثرة بالدول التي سكنها اليهود قبل عملية الهجرة المنظمة إلى فلسطين، وكان وجودهم التاريخي تجاوباً مع فكرة الدولة الحديثة، إلا أن تقرير المتحدث عن الخارجية الأمريكية بأن الشعب الفلسطيني يمتلك تاريخا وثقافة ثريين، كان الرد الوحيد الممكن للخروج من النفق الذي فتحته التصريحات، التي تعبر عن عقيدة المستوطن، فعملياً ما زالت الاكتشافات الأثرية التي تبحث عن تعزيز الرواية التوراتية تفشل في سعيها المحموم، ولم يعد الفلسطينيون تلك الكتلة التي تلقت ضربة قوية أخلت بتوازنها، فاليوم يشكلون شعباً حقيقياً وفقاً لشروط الحداثة، يستطيع أن يتحدث بكثير من لغات العالم، وأن يدافع عن وجوده وتاريخه ومستقبله.
الخريطة المغرضة التي تمددت على الأرض الأردنية يجب عدم التوقف عندها بوصفها أمراً سياسياً، فهي تتجاوز أقصى طموحات السياسة الإسرائيلية التي تدرك التحولات الكبيرة في اللعبة الدولية، ولكن دلالتها الرمزية تؤكد أن الأردن لا ينطبق عليه ما ينطبق على الدول العربية الأخرى، لأنه داخل التفاصيل الفلسطينية بصورة لا يمكن فصلها، وأن أي استرخاء أو (تعفف) أردني على سبيل فصل الملفات، لا يمكن أن يعتبر قراراً صائباً أو خياراً استراتيجياً، ففلسطين في الخطاب الأردني لا يمكن أن تتواضع إلى ملف بين ملفات أخرى، ولا يمكن أن تصبح قضية قومية/ إقليمية يمكن المداورة حولها على أساس التكتيك، لأنها قضية وطنية أردنية قبل أي شيء. هل يوجد شعب فلسطيني؟ الإجابة ربما، فشعوب المشرق العربي، في تكوينها الأيديولوجي والقومي، كانت تبحث عن تجمع يصحح تقاسم تركة العثمانيين، سواء من خلال فكرة الهلال الخصيب أو سوريا الكبرى، أو الثورة العربية الكبرى، والمؤكد هو وجود شعب عربي فلسطيني، وهذه مشكلة أوسع في حال مد خط التاريخ على طوله المناسب، أما السؤال المقابل، وهو هل يوجد شعب إسرائيلي؟ فالإجابة بالتأكيد لا، لأنه لا يوجد شعب يمكن أن يعيش في لعبة استيراد وتصدير الخوف بصورة مستمرة. لعنة الأرض التي تحتاجها إسرائيل من أجل وهم الأمن ستطاردها طويلاً، فهم يشبهون ذلك الشخص الذي وعدوه بأن يمتلك الأرض التي ستغطيها خطواته المتراكضة، فمضى يركض حتى سقط ميتاً من التعب والجشع.
كاتب أردني