- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
ستراتفور: حرب أوكرانيا تطرح تحديات كبرى أمام "رؤية 2030" السعودية
ستراتفور: حرب أوكرانيا تطرح تحديات كبرى أمام "رؤية 2030" السعودية
- 20 مارس 2022, 1:58:49 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بالنسبة للسعودية، يعد القتال في أوكرانيا حربا أوروبية بعيدة لكن الرياض تجد نفسها في قلب التداعيات المرتبطة بأسواق النفط المتقلبة والنظام العالمي المتغير ما بعد الحرب الباردة.
وبالإضافة إلى إمكانية تسريع الانتقال العالمي إلى مصادر الطاقة المتجددة، فإن العقوبات الاقتصادية الشاملة التي يفرضها الغرب على روسيا ترسم وقائع جديدة قد تعقد مساعي السعودية للحصول على مزيد من الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة وحلفائها.
نتيجة لذلك، ستضطر الدولة الخليجية الغنية بالنفط إلى تحديث خطتها سريعا من "رؤية 2030" إلى خطط محدثة تتعلق بالتنويع الدفاعي والدبلوماسي.
رؤية مبنية على مستقبل ما بعد الحرب الباردة
ومنذ تولي "محمد بن سلمان" ولاية العهد عام 2017، تبنت السعودية التغيير للانخراط في مظاهر العولمة التي ساهمت في ترسيخ النظام العالمي ما بعد الحرب الباردة. وفي الداخل، سعت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية إلى تحديث عقليات السعوديين وجعل المملكة مكانا أكثر جاذبية للعيش والعمل والاستثمار. وفي الخارج، سعت المملكة لانتزاع قدر أكبر من الاستقلال عن راعيها القوي، الولايات المتحدة، وسط تراجع اهتمام واشنطن بالشرق الأوسط.
لكن هاتين الاستراتيجيتين تم بناؤهما على افتراضات متجذرة في النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة، وهي افتراضات سحقها تصعيد الحرب الروسية ضد أوكرانيا، مع تحليق القوات الروسية الآن فوق كييف.
وافترضت "رؤية 2030" أن العقبات الرئيسية أمام اقتصاد ما بعد النفط والغاز محلية وليست جيوسياسية؛ بمعنى أنه إذا تمكنت الرياض من التخفيف من مخاوف المستثمرين بشأن نمط الحياة الوهابي الخانق في البلاد، وموقف الدولة الريعية من العمل، وهيمنة الدولة على الصناعات المختلفة، سيتبع ذلك زيادات كبيرة في الاستثمار من النظام المالي المعولم.
لكن "رؤية 2030" لا تحتوي على خطة طوارئ لسيناريو يبدأ فيه النظام المالي العالمي في الانهيار، وهو ما يبدو أنه يحدث الآن مع عزل روسيا عن الغرب.
وفي الخارج، شهدت السعودية تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وزيادة تركيزها على الصين، وأدركت أنه في مرحلة ما سيُترك لها الأمر لتدافع عن نفسها أمام التهديدات الإقليمية.
لكن السعودية تعتقد أيضا أن لديها الوقت للتكيف، حيث يمكنها بناء صناعة دفاعية خاصة بها، والعثور على حلفاء جدد أو تنشيط التحالفات القائمة، وتوقيع اتصالات عسكرية جديدة مع قوى مثل الصين وروسيا وتركيا لتكون بمثابة مكملات لانحسار قوة الولايات المتحدة. ولم تكن الاستراتيجية هي الانفصال عن واشنطن، بل إعلان عدم الحاجة إلى تدخلها، والقدرة على التصرف وفقا لمصالح المملكة الخاصة، والدفاع عن نفسها عند الحاجة دون الكثير من المساعدة الأمريكية.
لكن كلتا الخطتين تتطلبان وقتا ونظاما عالميا مستقرا لتؤتي ثمارها. وكانت التغييرات الاجتماعية والاقتصادية في "رؤية 2030" جيلية، وكان من المقرر أن تأتي التغييرات الأمنية بناء على تطورات بطيئة وثابتة. ولم تستطع المملكة تغيير موقعها بوتيرة أسرع من عملية إعادة تدريب قواتها المسلحة لاستخدام معدات عسكرية غير أمريكية.
لكن خروج الولايات المتحدة من المنطقة، الذي وعدت به منذ عام 2010، بدا وكأنه صعب للغاية، حيث تراجع مرارا وتكرارا بسبب أزمات الشرق الأوسط التي استدعت انتباه واشنطن. وبالرغم من تعطل الاقتصاد العالمي بسبب فيروس كورونا، بدا أيضا أنه يحتاج إلى وقت للتعافي فقط وليس لإعادة هيكلة.
دخول غير متوقع.. أوكرانيا
لكن في أعقاب الغزو الروسي، ظهرت هذه الافتراضات على السطح. وأعادت الولايات المتحدة وحلف "الناتو" تنشيط الاهتمام العسكري بأمن أوروبا. وهرع بالفعل ما يقرب من 40 ألف جندي أمريكي إضافي إلى المنطقة، حيث ارتفع عددهم من 63 ألفا في نهاية عام 2021 إلى أكثر من 100 ألف جندي الآن.
وقد يبقى هؤلاء الجنود هناك لفترة طويلة، خاصة إذا نجحت روسيا في السيطرة على أوكرانيا، حيث يتسابق حلفاء واشنطن الأوروبيون لإعادة التسلح وبناء جدار ردع موثوق ضد المزيد من العدوان الروسي. وتعد كل هذه التطورات مفاجئة بالنظر إلى أنه قبل أعوام قليلة فقط كانت الولايات المتحدة تخطط لسحب 12 ألف جندي متمركزين في أوروبا. والآن، ربما ماتت مثل هذه الخطط.
في غضون ذلك، لم تفعل الحرب في أوكرانيا سوى القليل لتقويض رغبة الولايات المتحدة في مواجهة الصين في شرق آسيا، حيث يوجد 82 ألفا أمريكيا آخرين. وتتمركز القوات بشكل أساسي في اليابان وكوريا الجنوبية لمراقبة بكين.
ولا يترك هذا السعودية بدون حماية من الولايات المتحدة، حيث بقيت القوات الأمريكية في الإمارات وقطر والكويت والعراق والبحرين وأماكن أخرى. لكنها تكشف للرياض أن واشنطن قد تفقد التركيز على الشرق الأوسط بشكل أسرع مما كان يعتقد سابقا، ما يعطي إحساسا جديدا بالإلحاح لإنجاز الإصلاحات العسكرية والدفاعية.
وهناك أيضا تغيير اقتصادي مهم، فليس واضحا المدة التي سيتم فيها عزل روسيا عن الاقتصاد العالمي، بالرغم أنها ستعتمد على الأرجح على المدى الذي ستستغرقه روسيا لهزيمة أوكرانيا. وقد يدفع استخدام الأسلحة الكيميائية أو الاحتلال الدموي الوحشي، على سبيل المثال، الغرب إلى الحفاظ على حملة العقوبات الحالية ضد موسكو أو حتى تعميقها.
لكن الأمر الواضح هو أن الروس يتسابقون بالفعل إلى دول الخليج لتعويض تجميد الأصول والعقوبات التجارية في أوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى انضمت إلى حملة العقوبات الغربية. وفي حين أن الغرب لم يفرض بعد عقوبات ثانوية على الدول التي تمارس الأعمال التجارية مع روسيا، فقد يتغير ذلك قريبا، ما يمثل تحديا كبيرا للرياض. بعبارة أخرى، فإن عالم رأس المال غير المقيد في "رؤية 2030" يمكن أن يزول.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي صدمات الطاقة العالمية الجديدة التي أحدثتها العقوبات على روسيا إلى تغيير الجدول الزمني لذروة الطلب على النفط. وعلى المدى القصير، يعد هذا مكسبا ماليا غير متوقع للرياض، حيث تسعى الدول إلى استبدال صادرات الطاقة الروسية بالصادرات السعودية. لكن الاضطرابات العالمية في مجال الطاقة تحفز أيضا الدول على السباق بشكل أسرع نحو الطاقة المتجددة. وقام الألمان بتحديث موعدهم لتوليد معظم الطاقة من المصادر المتجددة حتى عام 2035 بدلا من عام 2050 وقد تتبعها دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة.
فبعد كل شيء، جاءت الدفعة الرئيسية الأولى للطاقة البديلة بعد صدمة الطاقة الكبرى في السبعينيات. ولكن على عكس السبعينيات، فإن العالم هذه المرة مليء بالبدائل المتاحة تجاريا، وتركز العديد من الدول الغربية بالفعل على مكافحة تغير المناخ جزئيا عن طريق تقليل الهيدروكربونات وانبعاثاتها.
تصارع النظام العالمي المفكك
وتخلق حرب أوكرانيا تعقيدات أخرى بالنسبة للسعودية. على سبيل المثال، فإن جزء من استراتيجية التنويع الدفاعي كان وراءها الرغبة في تقليل نفوذ الأمريكي على سياسات المملكة، ولكن حاليا أصبحت البدائل (روسيا والصين) بعيدة المنال بشكل متزايد.
ومن شأن الحصول على أسلحة روسية في هذه المرحلة أن يغضب الولايات المتحدة إلى النقطة التي قد تخاطر فيها بفرض عقوبات على السعودية قد تؤدي لانهيار "رؤية 2030" بشكل كامل. وقد لا يؤدي شراء أنظمة دفاع صينية إلى رد فعل قاسٍ كهذا. لكن ذلك سيعتمد أيضا على كيفية تصرف الصين مع استمرار الغزو الروسي، فكلما اقتربت تصرفات الصين من روسيا، زاد احتمال مطالبة واشنطن للرياض بتجنب الأسلحة الصينية.
ومن شأن خسارة كل من الصين وروسيا كمزودي أسلحة أن يجعل المملكة تعتمد بشكل حصري على الشركاء الغربيين. وستستمر هذه الدول في بيع الأسلحة للرياض، لكنها ستستمر أيضا في انتقاد سجل المملكة في مجال حقوق الإنسان كما ستستمر في تقييد استخدام السعوديون لأنظمتها العسكرية. وبالتالي، ستكون سياسات الرياض العسكرية والدبلوماسية مقيدة جزئيا بسياسات حقوق الإنسان الغربية، في حين لا يعاني خصمها الإقليمي الرئيسي (إيران) ووكلاؤه في اليمن من هذه القيود.
وفي الوقت نفسه، قد لا تتمكن "رؤية 2030"، التي تعتمد بشكل كبير على الروابط التجارية والتكنولوجية مع الغرب، من تطوير شراكات احتياطية لتحصين الاستقلال السياسي السعودي عن حلفائها. وفي الأصل، تصورت "رؤية 2030" أن السعودية ما بعد النفط والغاز قادرة على التجارة مع دول مثل روسيا والصين خاصة أنهما لا تمارسان أي ضغوط على السعودية لإصلاح نظامها السياسي.
والآن، قد تكون الرياض غير قادرة على التجارة مع روسيا على الإطلاق، وقد تواجه أيضا ضغوطا لتقليل التجارة مع الصين. نتيجة لذلك، قد يستمر الضغط على الحكم القمعي في السعودية من قبل الحكومات الغربية التي قد تحجب الاستثمار أو الدعم الدبلوماسي ما لم تغير الرياض سياساتها في مجال حقوق الإنسان.
ويصبح هذا صحيحا بشكل خاص إذا انتقل الغرب إلى مرحلة العقوبات الثانوية ضد روسيا لتشمل الصين، ما يجبر السعودية على أن تكون أكثر حذرا تجاه تعميق العلاقات التجارية مع بكين.
وأخيرا، يتمثل أحد أكثر الآثار الضارة للنزاع الروسي الأوكراني في تأثيره على مشاريع الهوية الوطنية في المملكة. وترتكز الهوية الوطنية السعودية على الاستقلال عن الغرب وليس معاداته. لكن إذا حاول الغرب دفع السعودية للانضمام إلى حملته لعزل روسيا، فقد تميل الرياض إلى اقتباس صفحة من "الكاتالوج التركي" والانغماس في المزيد من الخطاب المعادي للغرب لتبرير الوقوف في وجه الضغط الغربي.
ويمكن أن يخلق هذا نوعا من القومية السعودية أكثر استعدادا لتحمل العقوبات الغربية سعيا وراء السيادة الوطنية، وبالتالي الحد من النفوذ الاقتصادي للغرب على المملكة. وهذا هو بالضبط ما فعلته تركيا عندما اشترت نظام "إس-400" الروسي عام 2017، حيث رأت أن الاستقلال الدفاعي للبلاد كان أكثر أهمية من التأثير الاقتصادي الناتج عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة.
البقاء على الحياد مؤقتا
ومع هذه الاعتبارات، ستسعى السعودية جاهدة للقيام بأسهل شيء ممكن، وهو البقاء على الحياد في النزاع الروسي الأوكراني، مع تعديل سيساتها حسب الحاجة بدلا من التحولات الاستراتيجية الأكبر.
لكن الغزو الروسي لأوكرانيا يواصل تفتيت النظام الدبلوماسي والاقتصادي العالمي. وباعتبارها قوة متوسطة ذات أهمية استراتيجية كبيرة للاقتصاد العالمي، فمن المرجح أن يُطلب من الرياض اختيار جانب ما، الأمر الذي يجبرها على تسريع خططها المستقبلية.
المصدر | ريان بول/ستراتفور