- ℃ 11 تركيا
- 1 نوفمبر 2024
سعيد الحاج يكتب: هل العلاقات التركية الروسية في أزمة؟
سعيد الحاج يكتب: هل العلاقات التركية الروسية في أزمة؟
- 8 أغسطس 2023, 5:32:56 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تزامنت موافقة تركيا على إحالة ملف عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى البرلمان مع رفض روسيا تجديد اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود وتأجيل زيارة مفترضة لبوتين إلى أنقرة، مما أثار نقاشا بشأن احتمال دخول العلاقات التركية الروسية في أزمة.
التوازن الصعب
رغم عضوية تركيا في الناتو منذ عشرات السنين وكونها القوة العسكرية الثانية فيه بعد الولايات المتحدة الأميركية فإنها استطاعت في السنوات الأخيرة نسج علاقات أكثر من جيدة مع خصمها التقليدي روسيا، وكان ذلك يعني خروج أنقرة من ذهنية الحرب الباردة وبلورة سياسة خارجية مختلفة وفق رؤية تقدم المصالح التركية في المقام الأول، ولكنه كان كذلك مدفوعا بأسباب إضافية عدة.
في مقدمة ذلك المصالح المتنوعة التي تجمع بين أنقرة وروسيا، ولا سيما في المجالات الاقتصادية والتجارية، ومنها كذلك انخراطهما في قضايا ونزاعات عدة بشكل مشترك، مما فرض ضرورة التفاهم تجنبا لأي صدام غير مرغوب، ثم انزعاج أنقرة من مواقف عدة لحلفائها الغربيين رأت فيها تخليا منهم عنها أو حتى طعنة منهم في الخلف، ولا سيما في ما يتعلق بالدعم الأميركي المستمر للمنظمات الانفصالية شمال شرقي سوريا.
لذلك، ورغم أزمة إسقاط الطائرة الروسية في خريف 2015 فإن العلاقات التركية الروسية وصلت سريعا -ولا سيما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 2016- إلى مستويات متقدمة ويمكن وصفها بالإستراتيجية في مجالات عدة.
تأجيل زيارة كانت مرتقبة للرئيس الروسي إلى تركيا دفع للتحليل بشكل مخالف وعدَّ الموقف الروسي رسالة احتجاج على تركيا هذه المرة
طور الجانبان علاقاتهما التجارية والسياحية بشكل ملحوظ، وتعاونا في مشاريع ذات بعد إستراتيجي في مجال أمن الطاقة، مثل مشروع السيل التركي للغاز الطبيعي ومحطة أكويو للطاقة النووية ومقترح الرئيس الروسي لنقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.
كما أبرمت أنقرة مع موسكو صفقة منظومة "إس-400" الدفاعية، والتي سببت شرخا كبيرا في علاقاتها مع واشنطن، فضلا عن العلاقات الأكثر من جيدة بين البلدين على مستوى القيادة ومن زاوية العلاقات الشخصية بين أردوغان وبوتين.
من هذه الزاوية فقد ضيقت الحرب الروسية الأوكرانية هوامش المناورة التركية وزادت الضغوط الغربية عليها بشأن العلاقات مع روسيا، ورغم ذلك فقد حافظت على موقف متمايز عن الناتو إلى حد كبير، رافضة الانخراط في العقوبات الغربية على موسكو، وضابطة حدة تصريحاتها ومواقفها تجاه روسيا رغم إدانة الحرب، ومستمرة في علاقات جيدة مع الأخيرة رغم كل التطورات، إضافة إلى انخراطها في وساطة بين موسكو وكييف أنجزت من خلالها بعض الاختراقات، مثل جمع وزيري خارجية البلدين واتفاق تصدير الحبوب واتفاق تبادل الأسرى.
رسالة احتجاجية أم أزمة؟
تشكل سياسة توسيع الناتو شرقا تحديا كبيرا لروسيا، ولعلها كانت أحد أسباب الحرب الحالية في أوكرانيا، ورغم تبدل نبرة التصريحات الروسية بخصوص تفاصيل هذا الملف مؤخرا فإنه لا يمكن التهوين من نظرة روسيا له إستراتيجيا.
ومع ذلك، لم تشكل موافقة تركيا على انضمام فنلندا إلى الناتو في مارس/آذار الفائت أزمة بين أنقرة وموسكو، حيث كانت الأخيرة قد بدلت تهديدها بالرد في حال انضمام السويد وفنلندا للحلف إلى الرد في حال نشر أسلحته على أراضيهما.
لكن موافقة تركيا بشكل مبدئي على ملف عضوية السويد وإحالته إلى البرلمان تزامنتا مع مواقف روسية أوحت بموقف مختلف هذه المرة، فقد أعلنت الأخيرة عن عدم رغبتها في تجديد اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، وهي خطوة كانت أقدمت عليها سابقا أكثر من مرة احتجاجا على السياسات الغربية أو ما ترى أنه تنفيذ غير دقيق للاتفاق لا يراعي الشق المتعلق بها منه، لكنها كانت قد عادت للاتفاق بجهد دبلوماسي تركي في كل مرة.
وإذا كان الإعلان الروسي أحال أسباب الانسحاب على موقف الدول الأوروبية وواشنطن إلا أن تأجيل زيارة كانت مرتقبة للرئيس الروسي إلى تركيا دفع للتحليل بشكل مخالف وعدَّ الموقف الروسي رسالة احتجاج على تركيا كذلك هذه المرة، فإلى أي مدى يبدو هذا التحليل دقيقا؟
لا شك أن الموقف الروسي من انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو بات أكثر حساسية في الآونة الأخيرة في ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا من جهة التطورات الميدانية المتعلقة بالهجوم الأوكراني المضاد ومن جهة المواقف الغربية من الحرب دعما وتسليحا لكييف، ولا سيما وفق قرارات القمة الأخيرة للناتو في فيلنيوس، وكذلك من جهة بعض التطورات الروسية الذاتية، مثل تمرد فاغنر الأخير وتداعياته.
لذلك، فإن إرسال رسالة احتجاج روسية إلى تركيا بعد الموقف الأخير من السويد جزء من تقدير الموقف ولا شك، إذ ليس هناك سبب آخر واضح لتفسير إرجاء زيارة بوتين -على أهميتها بالنسبة لموسكو- دون إبداء أسباب واضحة، فضلا عن تحديد موعد بديل.
وفي الثاني من أغسطس/آب الجاري أعلنت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية عن اتصال هاتفي جرى بين أردوغان وبوتين، وقالت إنهما "توافقا على زيارة الرئيس الروسي لتركيا"، لكنها لم تحدد موعدا لها، وقد حرصت دائرة الاتصال على إعطاء تفاصيل عن المواضيع التي تطرق لها الاتصال وقد كانت كثيرة، في مقدمتها الزيارة وكذلك اتفاقية تصدير الحبوب.
وقد أكد الرئيس التركي في الاتصال على أهمية عودة روسيا إلى الاتفاق الذي وصفه بأنه "جسر السلام" وعلى أن "توقفه فترة طويلة ليس في صالح أحد، خصوصا الدول الفقيرة المحتاجة للحبوب".
ووفق الكرملين، قد أكد بوتين على استعداد بلاده للعودة إلى الاتفاق "في حال تنفيذ الغرب التزاماته ذات الصلة"، كما أشار البيان إلى اتفاق الطرفين على موصلة الاستعدادات لـ"اجتماع محتمل" بين أردوغان وبوتين.
في الخلاصة، هناك تغير ملحوظ في العلاقات التركية الروسية من جهة الأخيرة، تحديدا بعد التطورات الأخيرة في أوكرانيا والموقف التركي من عضوية السويد، لكن هذا التغير لم يصل ولا نرجح أن يصل قريبا إلى درجة أزمة بين الجانبين، فضلا عن القطيعة.
فمن جهة، ثمة مروحة وساعة من المصالح الجوهرية التي تجمع الطرفين، ومن جهة أخرى فإن الملفات المشتركة التي يتعاون فيها البلدان كثيرة أيضا، وانخراطهما معا في مناطق عدة يجعل أي أزمة حقيقية بينهما بابا محتملا لمواجهة فادحة الثمن على كليهما، كما أن تركيا حريصة أشد الحرص على الإبقاء على حالة من التوازن النسبي ما أمكن في علاقاتها مع كل من روسيا والولايات المتحدة.
الأهم أن موافقة تركيا على عضوية السويد في الناتو ليست نهائية ولا فورية، بل مرتبطة من جهة بعودة البرلمان التركي للعمل بعد الإجازة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل ثم بمسار دستوري سيتطلب وقتا، وكذلك بمدى قناعة أنقرة بالتزام ستوكهولم ببنود الاتفاق، وبالتالي فعضوية الأخيرة إما غير مضمونة أو بالحد الأدنى قد لا تكون قريبة جدا، مما يفتح مجالا للحوار وإمكانية التأثير على القرار، فضلا عن أن روسيا تدرك أن قدرة أنقرة على مقاومة ضغوط الناتو بهذا الصدد ليست مطلقة، ولا سيما أنها كانت تقريبا الدولة الوحيدة الرافضة لذلك، وبالتالي فموافقة تركيا ليست موقفا عدائيا مقصودا ضدها.
ولذلك، وطالما أن الحرب الروسية الأوكرانية ما زالت لم تتدحرج نحو مواجهة كاملة وشاملة ومباشرة بين روسيا من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى، وطالما بقيت لتركيا بذلك مساحات من المناورة والتواصل والعمل الدبلوماسي مع الجانب الروسي فإن من المستبعد وصول العلاقات بين أنقرة وموسكو إلى أزمة كبيرة أو حقيقية، مما يبقي ردة الفعل الروسية الأخيرة في نطاق رسالة الاحتجاج أو العتب تحت سقف منظومة العلاقات القائمة ويفتح الباب على إمكانية حلحلتها في المدى المنظور.