- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
د. سعيد الشهابي يكتب: العام 2021: فوضى سياسية تعصف بالأمة
د. سعيد الشهابي يكتب: العام 2021: فوضى سياسية تعصف بالأمة
- 27 ديسمبر 2021, 10:20:39 ص
- 458
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مع قرب انتهاء العام الميلادي اعتاد الإعلاميون وبعض السياسيين استعراض حوادث العام المنصرم لأغراض متعددة: تقييم الأداء، استشراف المستقبل، جرد حسابات الربح والخسارة وسواها. هذا ما سيطرحه السياسيون الكبار ورجال الإعمال وبعض القادة الدينيين. أما المنجّمون وقرّاء الكف فسيتركز عملهم على التنبؤ بما سيشهده العام المقبل من حوادث، ومن المؤكد أن الكثيرين سيلجأون إلى هؤلاء لمعرفة طالعهم. والسؤال هنا: ماذا ستكون نتيجة جرد حسابات العام المنصرم؟ كيف سيرى القادة السياسيون في العالم ما جرى خلال العام؟ ما هي أجنداتهم للمستقبل؟ وهل أدركوا مواقع الضعف والقوة في أدائهم كقادة او أداء المجتمع الإنساني بشكل عام. اما على صعيد عالمنا العربي، فسيكون السؤال: لماذا تغيب الجدية عن أجندات الزعماء العرب؟ وإلى أين وصل ما طرحه بعض الزعماء من عناوين يفترض أن تحدد مسارات بلدانهم ومنها مثلا رؤية 2030، او الخطط الخمسية او العشرية؟ أم أن هذه العناوين اعتباطية فرضتها ظروف خاصة كان لأصحابها دوافع آنية فرضتها سياساتهم وتصرفاتهم؟ وماذا عن الحرب الناعمة؟ والإبراهيمية؟ وأين هي الأمة من كل ذلك؟
لعل القضية الأبرز خلال العام تمحورت حول التطبيع مع العدو الإسرائيلي وتشعباتها ودور بعض الحكومات العربية في دفع عجلة التطبيع باندفاع غير مسبوق. وقد جاءت الزيارات المتبادلة بين تل أبيب وكل من أبوظبي والمنامة لتخلق قلقا متصاعدا في نفوس الكثيرين ممن استاؤوا من الهرولة للتطبيع وانعكاساته السياسية والأمنية على الإقليم، خصوصا منطقة الخليج. فليس هناك شك إزاء خطر استقدام الإسرائيليين إلى «المياه الدافئة» وما سيؤدي اليه من انزعاج إيراني شديد. فقد اعتادت طهران على اعتبار الخليج ساحتها الخلفية التي لا يجوز لأعداء الجمهورية الإسلامية وضع أقدامهم فيها. وهنا تبدو المعادلة العربية- الإيرانية متأرجحة بشكل غير مسبوق. ومع استمرار صمت الدول الرافضة للهرولة نحو التطبيع يتعمق الإحساس بأن انفجارا مستقبليا على صعيد العلاقات والتوازنات سينفجر ويؤثر على أمن المنطقة واستقرارها، وسيكون أعداؤها أكثر حماسا لذلك. وفي هذا السياق يتضح مساران متوازيان لا يملك أي منهما القدرة لتحقيق غلبة كاملة. فالمسار الإيراني ما يزال رافضا التطبيع ومعوّلا على ما يسميه «محور المقاومة « لاستمرار مقاومة التطبيع. هذا المحور يبدو في بعض الأحيان قويا، بل صاحب كلمة الفصل في التنافس السياسي العربي – الإيراني، بينما يبدو أحيانا غير قادر على حماية نفسه فضلا عن غيره. فالقلق الإيراني إزاء الاتفاق النووي الذي جمّده الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ولم يستطع جو بايدن إحياءه بعد، يتصاعد بسبب غموض التوجه الأمريكي ومعه المجموعة التي ساهمت في بلورة الاتفاق.
وهناك المسار السياسي في العالم العربي الذي يبدو سائرا نحو المجهول نظرا لغياب القيادة القومية القادرة على اقتياد الأمة على طريق التنمية والوحدة والقدرة على الفعل. وقد برزت خلال العام إشكالية قيادة العالم العربي بعد أن أصبح حكام دولة الإمارات يتطلعون لدور قيادي يفوق قدراتهم البشرية والسياسية والعسكرية. ولوحظ في النصف الثاني من العام تغير جوهري في مسار قيادتها السياسية، فاذا بهم يتجهون نحو الدول التي كانوا غير منسجمين معها فكريا او سياسيا، ومنها سوريا والعراق وتركيا وقطر وإيران. هذا التطور يعتبر استدارة شبه كاملة من قبل حكام الإمارات الذين اكتشفوا فجأة أنهم اخترقوا خطوطا حمراء على صعيد العالم العربي، لم يخترقها سوى الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات الذي دفع حياته ثمنا لذلك. وحدث ما لم يكن في الحسبان، خصوصا مع تركيا التي دخلت مع الإمارات في اتفاقات تجارية مع أبوظبي تجاوز ثمنها عشرة مليارات دولار، في فترة كانت العملة التركية تعاني فيها من تراجع كبير.
لوحظ بوضوح تراجع الدور الأمريكي في إثر قرار واشنطن تقليص التواجد خارج الحدود واستبداله بالتركيز على الداخل
وبموازاة ذلك تصر الإمارات على تمتين العلاقات مع «إسرائيل» وفي ذلك اختراق لأغلب الخطوط العربية الحمراء، بدون الخشية من ردة فعل شديدة من المحسوبين على محور المقاومة. ولكنه في الوقت نفسه ساهم في كسر الحصار المفروض على بعض الدول التي كانت العلاقات معها أقرب للعداء منه للصداقة خصوصا سوريا. ومنذ أن اخترقت الإمارات خطوط الدفاع العربية القادرة على إبراز قيادة فاعلة للأمة، تراجعت حظوظها في مجالات ثلاثة: مناهضة الاحتلال، والإصلاح السياسي، وتحقيق الوحدة. سيستحضر المفكرون والمحللون حالة الفراغ السياسي في المنطقة بعد عقد كامل من القمع الذي مارسته قوى الثورة المضادة، وأجهضت من خلاله محاولات إنهاض الأمة وقيادتها على طريق الحرية. كانت الشعوب العربية تتطلع للاحتفاء بالذكرى العاشرة للربيع العربي في أجواء مختلفة جدا، ولكن رغباتها أجهضت بشكل مروع، فحلت الذكرى وسط مشاعر الغضب والحزن لدى الكثيرين بسبب تغييب أبنائهم وبناتهم في غياهب السجون. وحتى ما تحقق من إصلاحات شكلية تعرّض للمصادرة. وما الانقلاب العسكري في السودان والسياسي (المدعوم بأجهزة الأمن والجيش) في تونس إلا الحلقتان الأخيرتان في مسلسل الانقلاب الذي أتى على الأخضر واليابس.
من هنا يمكن اعتبار العام المنصرم نقطة تحول على أصعدة ثلاثة: أولها التوازن السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، والثاني دور التحالف الغربي في الخليج والمنطقة، والثالث تراجع دور الشعوب في مشروع النهضة والتغيير. فعلى المستوى الأول لوحظ بوضوح تراجع الدور الأمريكي في إثر قرار واشنطن تقليص التواجد خارج الحدود واستبداله بالتركيز على الداخل. هذا التقليص أحدث فراغا واسعا، خصوصا مع انشغال بريطانيا بشؤونها الداخلية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وضعف قيادتها السياسية الحالية. هذا الفراغ سعت دول أخرى لملئه، فسعت روسيا والصين لاستغلال الظروف وتثبيت موطئ قدم في غرب آسيا، ولكن الدور الأكثر جدية انطلق من باريس. فأصبحت فرنسا متحمسة لملء الفراغ السياسي والاقتصادي، وركزت على علاقاتها مع دول المنطقة خصوصا في الخليج. الرئيس ماكرون الذي قام بزيارة للخليج شملت كلا من السعودية والإمارات وقطر، مد الجسور مع المملكة من خلال ولي عهدها، ودخل في صفقات عسكرية وسياسية كبيرة. كما عقد صفقات تسلح كبيرة مع الإمارات وآخرها يبلغ قيمته اكثر من 17 مليار دولار تشمل تزويد الإمارات بطائرات «رافال» الفرنسية. وتدخلت فرنسا بشكل مباشر للضغط على الحكومة اللبنانية لكي تتخلى عن أحد وزرائها بعد انتقاده الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. وقام شخصيا بالتوجه إلى بيروت للإشراف على غلق ملف تلك القضية.
والسؤال هنا: هل أن التواجه الفرنسي سيملأ الفراغ السياسي الدولي الذي أحدثه تراجع أمريكا وتقلص الدور البريطاني؟ أم أن ذلك التوجه يهدف لدعم انبعاث توازنات جديدة يمثل تحالف قوى الثورة المضادة الدور الأكبر فيها؟
لمع اسم الشيخ طحنون بن زايد كلاعب سياسي إقليمي يتنقل بين عواصم المنطقة بحثا عن صيغ جديدة للتحالفات تؤدي لتبريد نقاط التماس من جهة وتحاصر محور المقاومة، وتحفظ أمن «إسرائيل» وتجمّد القضية الفلسطينية إلى حين. هذا الشخص هو مستشار الأمن القومي الإماراتي ومسؤول الاستخبارات الخارجية، ومهندس التحركات الإماراتية الاقليمية. ولم يعد سرا القول أن الدبلوماسية التي يمارسها طحنون تدعمها عناصر ثلاثة: غطاء سياسي وعسكري وأمني إسرائيل بمباركة أمريكية، مال نفطي هائل لدى الإمارات، وشخصية ولي عهدها التي تتميز بقدرتها على المغامرات الخطيرة، وآخرها تغيير الإجازة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد.
كاتب بحريني