- ℃ 11 تركيا
- 23 ديسمبر 2024
د. سعيد الشهابي يكتب: لبنان والحرية والمعارضة البحرانية
د. سعيد الشهابي يكتب: لبنان والحرية والمعارضة البحرانية
- 20 ديسمبر 2021, 9:39:00 ص
- 549
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فاجأ قرار وزير الداخلية اللبناني الأسبوع الماضي بإبعاد لاجئين بحرانيين من لبنان نشطاء حقوق الإنسان ومنظماتها، لأنه إجراء غير معهود لا ينسجم مع التزامات أية دولة أقرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصادقت على القرارين الدوليين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية، والاقتصادية والثقافية. كما أنه قرار غير مسبوق في بلد عرف بإيوائه الأحرار والمفكرين، اتخذه وزير واحد بدون توافق حكومي أو برلماني. فلبنان هو البلد العربي الذي عرف بإيوائه ضحايا الاضطهاد السياسي من البلدان العربية الأخرى.
لبنان كان قبلة المفكرين والمثقفين والأدباء والكتّاب والنشطاء، وقد احتضنت جمهورية لبنان منذ استقلالها قبل ثلاثة أرباع القرن آلاف المعارضين وعرفت بأجوائها الحرة وقدرة سياسييها على استيعاب التناقضات العربية، وذلك انعكاس لمرونة شعبها على التعايش السلمي ضمن تعددية سياسية ودينية ومذهبية متميزة. وبرغم ما عانته من حرب أهلية مدمرة فقد استعادت عافيتها وثقافتها، واحتضنت الشتات الفلسطيني ردحا من الزمن، وتعايشت مع الأزمة السورية واستقبلت فرقاءها بدون تمييز. ولكن ربما دارت عجلة الزمن بشكل سريع لتقضم تراث لبنان الإنساني الذي ما يزال شعبه متشبثا به.
وكان هناك أمل بأن تشع التجربة الديمقراطية اللبنانية على الأجواء المظلمة في العالم العربي، فتسري روح التعايش والتحمل والحريات العامة في ربوع الجزيرة العربية.
الناشطان البحرانيان اللذان حضرا مؤتمرا صحافيا في بيروت الأسبوع الماضي وتحدثا فيه عن انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين كانا من ضحاياها ولم يكونا بعيدين عنها. حكومة البحرين وصفتهما بـ «عناصر معادية تبث وتروج مزاعم وادعاءات مسيئة ومغرضة». أما الحقائق فتختلف عن الادعاءات الزائفة. فأحد المشاركين (يوسف ربيع) إعلامي وناشط حقوقي لا يملك سوى موقفه وكلمته. أما الآخر، الدكتور جلال فيروز فكان عضوا برلمانيا منتخبا، ولكنه سرعان ما وجد نفسه مغضوبا عليه، مسحوب الجنسية. وقد تحدث في المؤتمر الصحافي المذكور عن سحب جنسيته، فهل هذه حقيقة أم زعم؟
أليس مخالفة القانون الدولي الذي يمنع سحب جنسية أي مواطن وجعله عديم الجنسية هو الانتهاك؟ وعندما ترفض حكومة البحرين الدعوات المتواصلة في الأسبوعين الماضيين للإفراج عن السجناء السياسيين الذين قضى الكثيرون منهم قرابة الأحد عشر عاما وراء القضبان، ألا يدفع هذا الرفض النشطاء الحقوقيين للمزيد من الاحتجاج والتنديد؟
فما الذي يحدث في العالم العربي؟
إلى أي مستوى هابط سيتم إيصال أوضاع حقوق الإنسان في هذا العالم؟ وما طبيعة النظام الذي يتفجر غيظا لأن بعض مواطنيه تحدث علنا في مؤتمر صحافي عن ظلامات وقعت عليه من قبل أجهزة بلاده؟ أليست الحكمة والعدالة والإنصاف تقتضي الاستماع لأقوال المظلومين، وبدء التحري بشأن أقوالهم وتقديم المسؤولين عنها للعدالة؟ لقد علّمنا القرآن الكريم أن التعايش مع المنكر يؤدي إلى هلاك الأمم: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون. حين يستشهد معتقل سياسي تحت التعذيب، أليست هذه كارثة أخلاقية وإنسانية؟ فما الذي فعلته حكومة البحرين لمن عذب السجناء حتى الموت؟ وما أكثر الذين قتلوا بمباضع الجلادين منذ «الاستقلال» قبل خمسين عاما؟ ففي العام 1976 استشهد كل من سعيد العويناتي ومحمد بوجيري في السجن، وذلك بعد عشر سنوات من تولي الضابط الاستعماري البريطاني، إيان هندرسون، منصبه كرئيس لجهاز الأمن العام. وكانت الثمانينات حافلة بضحايا التعذيب الذي أودى بحياة العديدين في تلك الحقبة ومن بينهم جميل العلي وكريم الحبشي والشيخ جمال العصفور ورضي مهدي ابراهيم ومحمد حسن مدن والدكتور إسماعيل العلوي.
إلى أي مستوى هابط سيتم إيصال أوضاع حقوق الإنسان في هذا العالم؟ وما طبيعة النظام الذي يتفجر غيظا لأن بعض مواطنيه تحدث علنا في مؤتمر صحافي عن ظلامات وقعت عليه من قبل أجهزة بلاده؟
وفي التسعينيات تصاعدت وتيرة التعذيب فحصد أرواح شباب من بينهم سعيد الإسكافي والسيد علي أمين محمد وفاضل عباس ونوح خليل آل نوح. أما في السنوات العشر الأخيرة فقد التهمت آلة التعذيب في البحرين أرواحا لمواطنين طالبوا بإنهاء القبضة الحديدية في البلاد، فكان من ضحاياها كريم فخراوي وزكريا العشيري وعلي صقر وعبد الرسول الحجيري. ومن لم يفقد حياته بالتعذيب فقدها بالذخيرة الحية التي استخدمت لقتل المحتجين أو الاغتيالات والاعدامات وآخرها علي العرب وأحمد الملالي في 2018.
أمام هذه الحقائق التي أكدتها المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ولم تقدم حكومة حكومة البحرين أدلة قاطعة لنفيها، هل تتوقع صمت الجميع عنها؟ ألم تؤكد اللجنة التي شكلتها الحكومة باسم «لجنة التحقيق المستقلة في البحرين» برئاسة المرحوم البروفيسور المصري شريف بسيوني ودفعت تكاليف عملها، أن التعذيب كان «ممنهجا»؟
هل اتخذت خطوات عملية لمنع ذلك كمعاقبة المعذبين والقتلة؟ هل سمحت بالحريات العامة كحرية التعبير أم استمرت سياسة تكميم الأفواه واستهداف النشطاء؟ هل انتهجت سياسات توافقية مع شعبها لكي لا تستثيره بما تتخذه من مبادرات في الداخل والخارج؟
وما الرسالة التي تسعى لإيصالها لشعبها والعالم من خلال منع معارضيها من الكلام؟ لقد استطاعت أن تحاصر الحريات في الداخل بشكل كامل، فاعتقلت الآلاف لأنهم عبروا عن وجهات نظرهم ومواقفهم بأساليب سلمية وطالبوا بغلق الملفات السياسية المفتوحة منذ مائة عام بدون حل، واستعانت بقوى خارجية للاستقواء على شعبها، فما النتيجة؟ لقد كانت هناك توقعات بأن تبادر للإفراج عن السجناء السياسيين بمناسبة العيد الوطني، ولكنها لم تفعل برغم المناشدات من أطراف دولية شتى كمنظمة العفو الدولية وعشرات البرلمانيين الغربيين.
ربما عوّل البعض على القمة الثانية والأربعين لزعماء دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت الأسبوع الماضي في الرياض لطرح مبادرات إصلاحية لاحتواء حالة الانسداد السياسي في المنطقة. ولكن هذا التعويل لم يكن في محله، لأن هؤلاء الزعماء اكتفوا بعقد اللقاء فحسب وعدم التطرق لأي من القضايا ذات الأهمية نظرا لتباين رؤاهم ومصالح كل منهم. وبرغم ما يتردد عن وجود أجواء تصالح جديدة بين الزعماء إلا أن دخول جهات خارجية يحول دون المصالحة الحقيقية.
فليس من مصلحة الغربيين ذلك، ولا الإسرائيليين الذين أصبحوا طرفا فاعلا لتأجيج الصراعات البينية في المنطقة لإضعاف إرادة التحرير وضرب قوى المقاومة. والواضح أن أربعين عاما من عمر المجلس لم تؤد إلى انتشار التصالح والوئام سواء بين الزعماء أم بين بعضهم وشعبه.
وقبل عشرة أعوام أقر زعماء المجلس 20 مليار دولار لدعم كل من سلطنة عمان والبحرين اللتين واجهتا حراكات شعبية. وقد استطاعت الأولى احتواء ذلك بينما استمر التوتر في البحرين حتى الآن، ولم تساهم المليارات العشرة في إقناع المواطنين بجدية الحكومة في القيام بإصلاحات اقتصادية أم سياسية. وبدلا من إصلاح الجبهة الداخلية تمارس حكومة البحرين سياسة إلقاء اللوم على الخارج لتبرير السخط الشعبي الذي لم يتوقف منذ عقود. ففي مثل هذه الأيام قبل أربعين عاما أعلنت عن اكتشاف «تنظيم سري يخطط لقلب نظام الحكم بالقوة» واعتقل أكثر من 150 شخصا سجن 73 منهم لمدد تصل إلى مدى الحياة.
من هنا ينظر للاحتجاج الذي قدمته حكومة البحرين للسلطات اللبنانية في إثر المؤتمر الصحافي الذي شارك فيه حقوقيون بحرانيون، أنه تعبير عن إنتهاك سياسي وأخلاقي، وإنه وضع لبنان في وضع حرج، وسيكون أثره على الدولة اللبنانية أشد إيلاما.
(القدس العربي)