- ℃ 11 تركيا
- 13 ديسمبر 2024
سلام شما تكتب: النطف المحررة سفراء الحرية
سلام شما تكتب: النطف المحررة سفراء الحرية
- 3 نوفمبر 2024, 1:07:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
براءة اختراع فلسطينية بحتة، ثورة جديدة تنتفض أمام السجان الإسرائيلي وتتحدى جبروته، وشكل جديد للمقاومة ضد الحرمان من الحياة. عبر الأسرى بهذا الشكل المبتكر للمقاومة عن هم إنساني عميق صارخ ضد سياسة الطمس الإنساني والتدمير الوجداني الذي يمارسه المحتل بحق الأسرى. فاشد ما يفتك بوجود الاحتلال هو التكاثر الفلسطيني واستمرارية الحياة، وهذا أحد أسباب استهدافه للنساء والأطفال دائمًا.
لم تُخلق هذه القضية جزافًا، إنما وفق أسس دينية واجتماعية ووطنية وعلمية، وتمر بعدة مراحل وأيام لا تتم بشكل فوري بين ليله وضحاها، جادت بها عقول المحكومين أحكامًا طويلة تفوق العمر الزمني الفعلي للإنسان ومؤبدات عديدة، باركتها الكثير من زوجاتهم اللواتي أصررن على البقاء مع أزواجهن ورغبتهن بالأمومة. ومعظم من نجحوا بتهريب النطاف كانوا قد اعتقلوا بعد أشهر قليلة على زواجهم.
تلقف أصحاب المؤبدات هذه الفكرة ومضوا فيها مع زوجاتهم حتى راقت للعديد من الأسرى. يوضح الدكتور سالم أبو خيزران، أحد داعمي الموضوع، بأنه علميًا يمكن تحقيق ذلك، لأن الحيوانات المنوية يمكنها العيش لفترة طويلة إذا حفظت بطريقة جيدة وبدرجة حرارة باردة، وبالإمكان أن يصل بعضها حيًا، وهذا ما نحتاجه.
بداية، يشترط موافقة الزوجة وعائلتها وعائلة الأسير، حتى وإن كانت الفكرة من قبل الزوجة، فلا بد من إعلام الوسط العائلي المقرب وموافقته. مع تكرار تجارب الحفظ الخاطئة التي باء بعضها بالفشل، إلا أن الأسرى تمكنوا من ابتكار طرق جديدة وغريبة تحفظ النطاف لساعات طويلة تصل إلى 20 ساعة.
تخضع الزوجة لتحضيرات علاجية مسبقة بالتنسيق مع المركز الطبي المختص، كما يبدأ الأسير بتجهيز نفسه، ويبلغ مسؤول حركته عن نيته بتحرير النطاف. وعندما تتهيأ الظروف، يستخرجها بشهادة أربعة من الأسرى مجتمعين، يحدد الأسير موعد إخراج النطفة في يوم الزيارة التي يسمح فيها للأسرى بزيارات دون حواجز، مُبلغًا إياهم بالناقل الذي تم نقل النطفة به. وبعد أن يتم إخراج النطفة بواسطة قريب من الدرجة الأولى، تنتقل إلى المركز الطبي للتأكد من سلامتها ومعالجتها وإتمام إجراءات إثبات ملكيتها ونسبها للأسير، فيما تكون الزوجة مهيأة لعملية الزرع، والتي بعدها تفصح في بيئتها عن حملها، تلافيًا لأي لغط في مجتمعات محافظة، والفكرة جديدة بحمل زوجات أزواجهن القابعين خلف القضبان.
بالرغم من الحذر الشديد للكشف عن طرق تحرير النطف خوفًا من غطرسة السجان وحرمان باقي الأسرى من فرصهم، إلا أن الباحثة والمحامية عبير الخطيب نوهت إلى بعض الوسائل كحبة التمر، ولاعة السجائر، كيس تغليف الشيبس، أو كبسولة دواء.
أما مبتكر هذا الاختراع فهو الأسير عباس السيد في بداية التسعينات، وكان محكومًا بـ35 حكم مؤبد و100 عام في خطوة لم يُكتب لها النجاح، إلا أنه في 13 آب عام 2012، نجحت أول عملية تهريب.
رأى هذا الحلم الخجول النور بولادة أول وليد للنطف المحررة، وهو مهند عمار عبد الرحمن الزين، وشجع وجه هذا الطفل الكثير من عائلات الأسرى في كل أنحاء فلسطين، بما فيهم أسرى الداخل المحتل أمثال الأسير ولي الدقة.
بعضهم أنجبوا لمرة واحدة، والبعض كرروا التجربة. وحسب حسين عبد ربه، المتحدث باسم هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن عدد الأطفال الذين أنجبوا عن طريق النطف المهربة وصل إلى 110 طفل/ة، وازدادت هذه الثورة شجاعة بعد عام 2014، ليصل العدد في عام (2017/ 56) وفي عام (2018/ 67) و(2019/ 80) و(2020/ 88). وفي مطلع (2022) وصل العدد إلى (104) منهم 24 حالة توائم.
وقد أجازت دار الإفتاء الفلسطينية هذه الطريقة وباركتها وشجعتها، لكن بضوابط عدة، منها ضبط النقل بحضور أناس من أهل الدين والعلم والمختار وأفراد من عائلة الطرفين، فالإنجاب عبر التلقيح الصناعي حق أجازه الشرع وفق ما يعرف بزراعة الأنابيب، والأسرى جزء من النسيج الاجتماعي، وأحد حقوقهم الإنجاب بهذه الوسيلة متى كانوا قادرين بإجراءات تبيحها الشريعة الإسلامية.
من المؤكد أن هذا الانتصار الفلسطيني لم يرق للمحتل، ففرض عقوبات فردية وجماعية للقضاء على هكذا تحدي بحق الأسرى وزوجاتهم والمواليد الجدد الذين رفض الاعتراف بهم. وتم حرمانهم من زيارات آبائهم، وحرمانهم من شهادة الميلاد ومن الحقوق الممنوحة للأطفال حديثي الولادة، ولا يتم إدخالهم في الإحصاء المركزي الإسرائيلي ولا التأمين الصحي.
بالرغم من استشراس المحتل، لم يكترث الأسرى ولا يزالون مستمرين في محاولاتهم بنجاحات وانتصارات تتسع وتزداد وتترسخ صمودًا وتحديًا.
يا لغباء هذا المحتل، وضعف بصره وقصر بصيرته. أي استسلام وأية هزيمة ينتظرها من شعب صنديد اخترق جدران أسره بكائن بشري ذو كيان مقاوم، خلق بماء التحدي ورحم الإصرار.