سياسة أمريكية جديدة تجاه الشرق الأوسط.. الانسحاب أم البقاء؟

profile
  • clock 14 ديسمبر 2021, 4:06:42 م
  • eye 646
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هل تنسحب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط؟ يعتقد الكثيرون في المنطقة أن هذا هو الحال لدرجة أن المسؤولين رفيعي المستوى من إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" يحاولون مؤخرا طمأنة قادة وشعوب دول الخليج بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بأمن المنطقة.

وكان "الانسحاب" موضوعا مناسبا لإثارة الجدل حول المستوى الأنسب من التزامات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكان كاتب هذه المقالة مخطئا مثل المحللين الذين أثاروا هذا الموضوع، حيث كتبت مقالا في عام 2019 بعنوان "هل يجب أن نبقى أم يجب أن نذهب؟" وربما كان هذا الترويج اللطيف لهذا الموضوع ذكيًا بالنسبة للبعض لكنه لم يكن دقيقا.

وحتى أولئك الذين يدافعون عن انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة لا يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تنفصل دبلوماسيا واقتصاديا عن المنطقة. وكذلك لا ترى الغالبية العظمى من أولئك الذين يدعون إلى "البقاء" أن ذلك يتطلب استمرار احتلال العراق وأفغانستان عسكريا، ولذا فهم يؤيدون قدرا من "الانسحاب" من ذروة الالتزام العسكري.

وتقع خيارات السياسة الحقيقية في مكان ما بين "الالتزام" و "الانسحاب"، بين البقاء والذهاب.

ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بشبكة واسعة من القواعد والمرافق في الشرق الأوسط يتركز معظمها في الخليج. ولطالما تدخلت القوات البرية والبحرية والجوية الأمريكية في المنطقة عندما اعتقد صناع السياسة أن ذلك ضروري؛ في حين تراجعت تلك القوات عندما انحسرت التهديدات المتصورة.

والسؤال الصعب هو ما هي بالضبط التهديدات التي تتطلب ردا عسكريا قويا من الولايات المتحدة، سواء لردع الأعمال المحتملة من قبل الدول المعادية أو للرد على مثل هذه الأعمال.

هل يجب على الولايات المتحدة استخدام القوة بشكل وقائي لردع الأنظمة المعادية؟

في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، استخدمت إدارة الرئيس "جورج دبليو بوش" القوة العسكرية لتغيير الأنظمة في أفغانستان والعراق، على أساس النظرية القائلة بأن الأنظمة المعادية تحمي الإرهابيين وربما تزودهم بأسلحة الدمار الشامل لشن المزيد من الهجمات ضد الولايات المتحدة.

لكن الإخفاق في بناء دول صديقة مستقرة في العراق وأفغانستان تجعل من المستبعد أن تكرر أي إدارة في المستقبل القريب الاستخدام المتغطرس للقوة العسكرية.

هل يجب على القوات الأمريكية حماية الأنظمة الصديقة من الهجمات الخارجية؟

يعد سجل الولايات المتحدة واضحا في هذا الأمر. ويعني الغزو العلني للدول الصديقة أن تستخدم الولايات المتحدة القوة لمنع ذلك ومواجهته كما فعلت في حرب الخليج عام 1991 بعد الغزو العراقي للكويت. وهنا يبرز سؤال ما إذا كان ينبغي أن تستمر في القيام بذلك.

وفي حين أنه من المقبول عموما تسمية العديد من دول الشرق الأوسط بـ "حلفاء" الولايات المتحدة، مثل إسرائيل ومصر والسعودية والأردن ودول الخليج الصغيرة، فليس لدى الولايات المتحدة معاهدة تحالف تُلزمها بالدفاع عن هذه البلدان كما تفعل مع حلفائها في الناتو واليابان.

وبالنسبة لإسرائيل، فمع امتلاكها أقوى جيش في المنطقة، فهي قادرة بشكل كبير على الاعتناء بنفسها. ومن الصعب أن نتخيل أن مصر لا تستطيع التعامل مع احتياجاتها الأمنية والعسكرية ضد هجوم محتمل، ما لم تنهار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. أما البلدان الأخرى المذكورة فالوضع فيها أقل أمانا.

هل الوجود العسكري الأمريكي في دول الخليج يردع الهجوم التقليدي عليها؟

من المستبعد جدا حدوث غزو عسكري تقليدي إيراني أو عراقي لإحدى هذه الدول، لكن الأنواع الأخرى من الهجمات هي الأكثر احتمالا.

ويقول البعض إن البنية التحتية العسكرية الأمريكية في دول الخليج هي بوليصة تأمين، ما يقلل بشكل كبير من احتمالية اندلاع حدث كبير مثل غزو العراق للكويت عام 1990. وفي المقابل، يمكن أيضا انتقاد الوجود الأمريكي في بعض الدول باعتبار أنه يدفع إيران لضرب هذه الدول إذا اشتعلت مواجهة مسلحة بين الولايات المتحدة وإيران.

هل يجب على الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية لحماية الأنظمة الصديقة من الاضطرابات الداخلية؟

لا يمكن للولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية للحفاظ على الأنظمة الصديقة ضد شعوبها، فهي لم تفعل ذلك مع شاه إيران في 1978-1979 ولا مع "حسني مبارك" في مصر عام 2011.

ويعني ذلك أن الحكام سيبقون وحدهم إذا ثار شعبهم ضدهم. لكن التورط السري شيء آخر، كما في حالة الانقلاب المدعوم من الولايات المتحدة الذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني "محمد مصدق" عام 1953.

هل يجب على الولايات المتحدة استخدام القوة لحماية التدفق الحر للنفط من الخليج؟

على مدى عقود، قال صانعو السياسة الأمريكيون إن السبب الأول للوجود العسكري في الخليج كان حماية التدفق الحر للنفط. وخاضت البحرية الأمريكية عددا من الاشتباكات ضد إيران في 1987-1988 عندما هددت القوات الإيرانية شحن النفط الكويتي والسعودي، وبلغت ذروة الأمر بإسقاط طائرة ركاب إيرانية مدنية من قبل "يو إس إس فينسينز" في يوليو/تموز 1988.

وأدى الغزو العراقي للكويت في عام 1990 والعقوبات الدولية اللاحقة إلى إخراج أكثر من 5 ملايين برميل يوميا من النفط من السوق. وبذلت الولايات المتحدة جهودا عسكرية هائلة لعكس مسار الغزو. ومع ذلك، عندما هاجمت إيران منشآت نفطية سعودية رئيسية في بقيق وخريص في سبتمبر/أيلول 2019، مما أدى إلى إخراج نحو 5 مليون برميل يوميا من السوق مؤقتا، لم تتحرك إدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب".

وهناك الآن تساؤلات مطروحة حول مدى أهمية نفط الخليج لأمن الطاقة في الولايات المتحدة، بالنظر إلى تعافي إنتاج الطاقة الأمريكي. وبالتالي، فإن الحماية العسكرية للنفط في الخليج مضيعة للمال والأرواح.

ومع ذلك، يرغب رؤساء الولايات المتحدة في أن يكونوا قادرين على الضغط على منتجي النفط الخليجيين بشأن مسائل الإنتاج وللمساعدة الدبلوماسية في مجموعة من القضايا. فهل ما زال بإمكانهم فعل ذلك إذا لم ير هؤلاء المنتجون أن واشنطن هي الضامن النهائي لأمنهم؟

هل يجب على الولايات المتحدة استخدام القوة لمنع الدول المعادية من حيازة أسلحة الدمار الشامل؟

كانت حجة أسلحة الدمار الشامل هي المبرر الرئيسي للغزو الأمريكي للعراق عام 2003. ولم يكن ذلك جيدا فقد حققت إسرائيل نجاحا أكبر في الغارات ضد المنشآت النووية في العراق وسوريا، بالرغم من وجود أدلة على أن الهجوم الذي نفذته في العراق عام 1981 أدى إلى تسريع برنامج "صدام حسين" للحصول على قدرة نووية.

والسؤال المباشر الموجه لواشنطن في هذا الصدد حول البرنامج النووي الإيراني. فلا يوجد دليل على أن الإيرانيين قد استخدموا سلاحا ولكن هناك الكثير من القلق من أنهم قد يفعلون ذلك. وقد كررت إدارة "بايدن" موقف أسلافها بأنها لن تتسامح مع حيازة إيران أي أسلحة نووية. وكانت جميع الإدارات السابقة على استعداد لاستخدام وسائل سرية، عادة بالتعاون مع إسرائيل، لردع الطموحات النووية الإيرانية. ومن المرجح أن يكون "بايدن" على استعداد لاتخاذ إجراءات سرية كذلك.

ومع احتمال فشل محادثات فيينا النووية، قد يجد "بايدن" نفسه أمام خيار من اثنين إما دعم هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية أو إصدار الأمر بنفسه.

وإذا كانت ذروة التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط هي أواخر العقد الأول من القرن الـ21 مع زيادة عدد الأفراد العسكريين في العراق وعشرات الآلاف من القوات في أفغانستان، فإن الوجود الأمريكي الحالي يعكس بالتأكيد شيئا من الانسحاب. ومن غير المحتمل أن يكون أي رئيس أمريكي في المستقبل القريب على استعداد للعودة إلى هذا المستوى من المشاركة العسكرية.

ومع ذلك، من الواضح أيضا أن الأفكار الأكثر تطرفا بشأن "الانسحاب" الإقليمي للولايات المتحدة مستبعدة إلى حد كبير.

ويحتاج النقاش حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى الابتعاد عن الأفكار الحدية، مثل "الالتزام" مقابل "الانسحاب"، والانخراط في الأسئلة الحقيقية حول المصالح في الشرق الأوسط التي تبرر وجود القوة العسكرية الأمريكية والتهديدات التي تبرر استخدامها.


المصدر | د. إف. جريجوري جوز - معهد دول الخليج في واشنطن

التعليقات (0)